21, نوفمبر 2024

 

تقديم و حوارعبد اللطيف وجملة

 

هيام في مقام مس او جنون بالفن و الكتابة، لكن بعقل المحب و الخصم . في الإنصات إليه يفاجئك الفنان دائما، ثمة معلومة جديدة أو استذكار في تواريخ و سجلات إبداعية متعددة، ثمة ايضا تصويب نقدي أصيل يرمي به ليردك على أعقابك لتقتفي مجددا آثار و علامات هذا المعطى او  ذلك السجل. في كل حين هو مستعد ليتقاسم معك ما يراه جديرا بالتقاسم و المشاركة.

معطاء و لجوج في الآن ذاته، يعطي بسخاء كبستاني كيس يعشق زرع الورود في مزهريات فنية شتى، يعطي لانه لا يكف عن البحث و الكتابة و التجربة و التكرار, و في خلده يسعى  للقلادة التي يطاردها كل مبدع و هي ان يدوم إحساسه في تعبيريته و ان يمتع.

ثم وباندفاع العاشق لفنه و الموقن بان الفن الهادف و المبدع لم يعد يضمن، في هذا البلد العزيز، كرامة أهله، غامر نشر كتبه دون انتظار من احد او من دعم هزيل.

و حتى لا ندعي مبالغة ما ليس كائنا و حتى لا نستغرق في صناعة الوجوه دون الاعمال، أقول إن بوسيف طنان هو لاشك فنان متعدد المواهب، لكن لا يخلو في مساره ألا يثير الضجيج كلما عنت له شبهة  او مسته سرقة، فالرجل لجوج و مشاغب، و هذا عض من شغبه.

 

 

أنت  فنان متعدد المواهب،  أية شخصية فنية تستهويك أكثر؟

تكمن ضالتي الفنية أينما  أجد  سبل التعبير عن فكرة أو إحساس في شكل فني معين، سواء شعرا أو تشكيلا أو مسرحا، أما باقي الفنون  التي أمارسها  فهي مهن صرفة و تخضع لمنطق الطلب، كالديكور المسرحي و السينمائي و التلفزي،  فضلا عن كتابة السيناريو. و تجدني ميالا أكثر للمدرسة السينمائية و المسرحية لكونها جامعين لباقي الفنون.

معروف عنك الإنتاج الغزير في كتابة السيناريوهات،  لماذا لم تصدرها في كتب، بالمقارنة مع إصدارك للعديد من المسرحيات؟

منذ سبع سنوات خلت قدمت لدار المناهل مجموعة أفلام قصيرة لإصدارها في كتاب جامع يستأنس به طلبة معاهد السينما و المولعون بالكتابة السينمائية، مع تقديم مجموعة من المسرحيات للدار عينها، و دون أن أتلقى ردا في ما يخص كلفة النشر، و كلما اتصلت بالمعنيين يتعذرون  بانشغال المطبعة  بإصدارات بيت الشعر أو بإصدارات وزارة الثقافة سواء في وضعها القديم أو الجديد كقطاع تابع

تابعنا في الإعلام المغربي، بل كنا جزء من هذا الإعلام، أشكال من احتجاجك على السطو و البلاجيا التي تعرض لها عمل من أعمالك السينمائية، كيف آلت صروف هذا الواقع المخزي؟

بالفعل، تعرض سيناريو ” بو الحواجب”،  الذي قدمته لقسم الإنتاج بالقناة الثانية، للقرصنة بل السرقة تحت عنوان “مبارك مسعود” و الذي عرض في احد شهور رمضان الماضية كسلسلة فكاهية، و قد قمت باحتجاجات عبر الصحف الوطنية، الشيء الذي أدى إلى إيقاف تصويره، و نظرا لعجزي عن توكيل محام مختص بسبب الكلفة المرتفعة التي طلبت مني، في ظل ندرة المختصين في نظير هذه القضايا المتعلقة بحقوق التأليف و الحقوق المجاورة، تناسيت الأمر للأسف.

كيف تفسر تفشي هذه الممارسات المخزية في المغرب؟

للكي نفهم ما يحدث في الساحة الإنتاجية سواء في السينما أو التلفزيون بالقناتين الاولى و الثانية، ينبغي في رأيي جرد عدد شركات الإنتاج، و هي تتعدى الالف شركة، في حين ان التي تشتغل باستمرار لا تتجاوز 3 شركات في السينما و 4 شركات في التلفزيون،  باقي الشركات مجرد أرانب سباق تتبارى  بوضع مشاريعها  دون أن تلق ردا. و في الواقع، فإن الأمر يتعلق بالزبونية و المحسوبية و الرشوة،  و الدليل ما و حدث معي في الشريط التلفزي  ” الحال و المحال” و الذي وضعته باسم شركة برو ارت،

التي كنت املكها, و حولت المشروع باسم شركة لصاحبها عمر بنحمو الكاملي،  حيث طلب منا المسؤول على قسم الإنتاج(  ن. ت)  نسبة 30% من الميزانية التي سترصد لإنتاج الشريط،  فرفضنا ذلك انأ و المنتج، و بعدها كل مشاريع الشركة في القناتين،  و هي تزيد على  سبعة مشاريع، بتعليل واه و هو عدم تماشيها  مع رؤية القناتين، بعد أن يتم استخدام وسطاء للتفاوض من لدن إدارة الإنتاج قبل أن أتواصل معها، و للأسف  حين اجري الاتصال بها يرفض القائمون عليها التواصل، الشيء  الذي أدى بي إلى وضع حد للتعامل مع القناتين ، بل و قادني إلى تصفية الشركة.

ذكرت في معرض جوابك حقوق التأليف و الحقوق المجاورة، ماذا استنفدته من هذه الحقوق التي يتم التهليل لها؟

شخصيا لم أفكر في الأمر، خاصة لما اختلط الحابل بالنابل زمن الجائحة  حيث تم توزيع  ميزانية حقوق التأليف على كل من هب و دب، بدء بممثلي الظل إلى الرسامين و قس على ذلك، و بمجرد  وضع طلب او ملء استمارة، في حين يقضي القانون بتعويض كل مسجل او حامل لبطاقة المؤلف او الفنان، لكون  جميع المؤسسات العاملة في بث او نشر الإبداعات المختلفة تقوم بالإعلان على كل المستحقين لهذه التعويضات  لدى مكتب حقوق التأليف و الحقوق المجاورة. و الذي يخز في النفس هو ان يظل المبدع المغربي يطالب بحقوقه، و قد يتوصل ببعض منها، على هزالها، و قد لا يتوصل بالبعض الآخر البتة، نظرا للحيف و التلاعب  المعروف عليه ملف  حقوق التأليف بالمغرب منذ خلقه من لدن الراحل الحسن الثاني لغاية نبيلة. و الأخطر في الوقت الراهن،  وفقا لما يروج على وسائط التواصل الاجتماعية، هو واقع ضرب ما تبقى من هذه الحقوق.

كيف؟

تذهب الشبكة العنكبوتية بعيدا في مسخ هذه الحقوق عبر السطو و التزوير و السرقة لمنشورات و إبداعات الغير، و تلقى التعويض عنها شهريا من إدارات  الشركات الرقمية العابرة للقارات، و بهذا تساهم هذه المنظومة في ضرب حقوق المبدعين و تساعد على نشر و تعميم التفاهة…

أي دور للوزارة الوصية في الحد من هذه الفوضى العارمة؟

أعتقد أن الوزارة الوصية عاجزة اليوم على تحصيل المداخيل و في توزيعها لسبب بسيط للغاية و هو توفرها على مكتب يتيم لكل ربوع المملكة،  فضلا عن عدم كفاية موظفي هذا المكتب للقيام بهذه المهمة…

كما أن الوزارة الوصية  ليست لوحدها معنية بالشأن الثقافي بالمغرب، إذ من اللازم  أن تشتغل كل الوزارات و دواليب  الدولة لإخراج  المبدعين المغاربة من وضعية الظلم التي يعيشونها باستمرار..و ما دامت الثقافة، في جوهره أساليب تتبع موضوعات، على سبيل المثال إنتاج  عرض مسرحي يتحدث عن السياحة او البيئة او الصحة أو سواها، فهذا يدل أن هناك تدخل منطقي و موضوعي للوزارة المعنية، و هذا ما يحدث في العالم،  و أبرز مثال التجربة الكندية    في مجال الصحة، و التي أنتجت أفلام و مسرحيات و ورشات تنشيطية بتعاون مع وزارة الصحة و مندوبيها..و لو أن المقارنة مستحيلة مع وجود الفارق الشاسع.

أيعني أن شروط قيام صناعة ثقافية في المغرب منعدمة بالرغم من انتفاخ الخطاب الرسمي حولها؟

لنتفق، أولا، أن مفهوم الصناعة الثقافية يشترط  توفر حريات و ديمقراطية، باعتبارهما  ضمانتان  أساسيتان  لقيام الثقافة كرافعة  للتقدم و التنمية.  و حسب علمي فإن  المشروع المادي اليتيم في المغرب و الذي يدخل في هذه الخانة هو مشروع المسرح الكبير محمد السادس، و سبب تعثره لحدود الساعة هو عدم التوفيق في إيجاد إدارة مهنية و مختصة في هذا المجال، لاسيما و ان نوعية هذه المسارح  تتطلب ميزانية ضخمة للتسيير، و هذا يستلزم موارد يومية و مداخيل كافية تفي بالغرض حتى لا تتعثر مسيرة المؤسسة، خاصة و ان الحكومات المتعاقبة دأبت على تشجيع العروض المجانية المبتذلة و فارغة المحتوى و الإبداع، و التي تسببت في عزوف الجمهور و المتلقي الولوع بالعروض الفنية من موسيقى و رقص و مسرح و سينما. و المعضلة ان ما راكبه المغرب طيلة عقود في المجال الثقافي و الفني قد تم ضياعه و افتقاده  بشكل مزري و مثير للانتباه، مقابل انصراف هذا الجمهور صوب الفرجة الكروية في ظل تشجيع كوني و وطني لافت، حتى أن لا أحد منا يعلم، و لو بالتقريب، كم يصرف من أموال طائلة في الكرة المستديرة و على مدار اليوم؟!

و المؤسف ان مؤسسات صناعة الكتاب و دور الثقافة و المكتبات و وسائل الإعلام المكتوبة،  قد ضربت ضربا، و بصريح العبارة، إنهم يكنون العداء للمثقف و الفنان و الثقافة و الفن..

نشرت أكثر من ست مسرحيات على نفقتك الخاصة، في المدة الأخيرة،  اية مردودة لهذه المغامرة؟

تجربتي الشخصية مع النشر تثبت، بالملموس، أن الكاتب الناشر هو العدو اللدود للسلطة، فهنالك مشكلات جمة تعجز الكاتب على خوض هذه المغامرة، أولها كلفة الطبع، ناهيك عن مشكل النشر و التوزيع، والذي بات نصبا و احتيالا  يحبط كل مقدم على هذه التجربة..

و المحبط حقا هو انك حين تتحمل تبعات الطبع و النشر و تراسل المؤسسات المعنية، فقط، لأجل  اقتناء بضع نسخ فإنك لا تتلقى أي جواب. و الأخطر ان تهدي نسخا من هذه الكتب للصحافيين و الممارسين لهذا الفن، فإنها لا تقرأ و لا يمسها النقد، عدا استثناءات قليلة جدا. بينما تجدهم يتشدقون بكون المغرب  لا يتوفر على كتاب دراميين،  فقط للتوصل من أداء حقوق الكتاب. و مع ذلك، فأنا مصر على نشر ما بلوزتي من إبداعات مسرحية ستخرج للوجود في كل شهر، في انتظار وضع حد لمهزلة عدم موافاة دور النشر و المطابع بأرقام الإيداع القانوني المتوقف لما يزيد عن الشهر.

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version