a24- عبد اللطيف بوجملة
يشكل خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعيــن للمسيرة الخضراء المظفرة، إعلانا تاريخيا و استراتيجيا يتطلع الى المستقبل في خضم التحولات الجيواستراتيجية الجارية، التي تعيد ترتيب خارطة التكتلات الاقتصادية و السياسية في العالم.
و قد وضع الخطاب الملكي المعايير المغربية الافريقية للانخراط الجدي في المنطقة الأطلسية التي تتشكل، بعد الإعلان عن تأسيسها أثناء اجتماع وزاري لدول أطلسية عُقد على هامش الدورة السنوية الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث أعلن ممثلو 19 دولة، منها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول من أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية ( الولايات المتحدة الأمريكية و كندا وبريطانيا وأيرلندا وإسبانيا والبرتغال وهولندا والنرويج والأرجنتين والبرازيل وكوستاريكا وأنجولا وساحل العاج وغينيا الاستوائية وغانا وغينيا بيساو وموريتانيا والسنغال، بصفتها دولاً ساحلية على حدود المحيط الأطلسي )، إنشاء “تكتل سلمي” جديد للدول المطلة على المحيط الأطلسي.
و إن لم يكن المغرب حاضرا في هذا الاجتماع، ولا بعد دعوة بقية الدول الأطلسية إلى الانضمام إلى هذه المنظمة، بالنظر إلى طبيعة الدبلوماسية الملكية و المغربية الرزينة و التي تضع في أولوياتها المصلحة الوطنية و المصلحة المشتركة التي تقوم على فلسفة رابح رابح، و على جدية و طبيعة الأهداف الرسمية المعلنة للتكتل الجديد.
و إن بقيت المنظمة الجديدة، و منذ تأسيسها، رهن عدد من الأهداف العامة لتعزيز التعاون الإقليمي من خلال تطوير نهج مشترك لقضايا المحيط الأطلسي، وبناء القدرة لحل التحديات في هذه المنطقة، و عبر آلية إضافية للتمويل بقيمة 100 مليون دولار لدعم البيئة والأمن البحري في هذه المنطقة، تُضَاف إلى 400 مليون دولار يجري إنفاقها سنوياً على المبادرات البحرية في المحيط الأطلسي، فإنها أهداف، على أهميتها، لا ترقى للطموح و المطالب الإفريقية و المغربية تحديدا، كما عبر عنها خطاب جلالة الملك محمد السادس، بالنظر إلى أهمية الاقتصاد الأطلسي بالنسبة إلى المجتمع الدولي، حيث أنه يدعم 49 مليون وظيفة في أفريقيا، و21 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا اللاتينية، كما يُولَّد ثلثا الطاقة المتجددة في العالم في المحيط الأطلسي.
و لقد بذل المغرب جهدا دبلوماسيا ملكيا “لإطلاق مبادرة إحداث إطار مؤسسي، يجمع الدول الإفريقية الأطلسية الثلاثة والعشرين، بغية توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك”، انطلق، عمليا، بعد قرار وزراء الدول الإفريقية الأطلسية، خلال اجتماعهم في نيويورك، في شتنبر 2022، عقد الاجتماع الوزاري في الرباط، خلال الربع الأول من سنة 2023. و هو ما تم عبر إعلان الرباط (8 يونيو الماضي)، من أجل جعل الفضاء الإفريقي الأطلسي منطقة يسودها السلم والاستقرار والازدهار المشترك.
و قد أعاد تشكيل المنطقة الأطلسية الإفريقية “التكتل السلمي” الجديد للدول المطلة على المحيط الأطلسي إلى الواجهة مجددا، بل وضخ دماء جديدة و وضع أمانة عامة دائمة للمسلسل، ومقرها بالرباط، كما وضع “نقاط تركيز” من أجل تسهيل التشاور والتنسيق وإعداد القرارات المشتركة وفق مقاربة توافقية و تشاورية، و شكل ثلاث مجموعات موضوعاتية تتصل بالحوار السياسي والأمن، والاقتصاد الأزرق، والربط البحري والطاقة والتنمية المستدامة والبيئة.
و قد طالب الأفارقة الاطلسيون ب “مبادرات ملموسة للتعاون، تخدم الاستقرار والتنمية المشتركة ضمن الفضاء الإفريقي الأطلسي”، و هو بالضبط ما بادر به خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعيــن للمسيرة الخضراء المظفرة.
لقد شخص الخطاب الملكي الوضع الراهن للواجهة الأطلسية الإفريقية، التي” تعاني من خصاص ملموس في البنيات التحتية والاستثمارات، رغم مستوى مؤهلاتها البشرية، ووفرة مواردها الطبيعية”، كما عبر عن الحاجة إلى العمل “على إيجاد إجابات عملية وناجعة لها، في إطار التعاون الدولي” برؤية واقعية و ملموسة لحل “المشاكل والصعوبات، التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة”، و التي ” لن يتم حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط؛ بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة”.
إن المقاربة الملكية و التي تضع “الواجهة الأطلسية ” “بوابة المغرب نحو إفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي”، تقدم النموذج المغربي في التنمية والتحديث والبناء، لا ” من أجل تكريم المواطن المغربي، وحسن استثمار المؤهلات التي تزخر بها بلادنا، وخاصة بالصحراء المغربية” و حسب، بل أيضا من اجل تكريم المواطن الإفريقي عبر” إطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي” عبر “تأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي “.
و لكي تمنح الدبلوماسية الملكية الشاملة لهذه المبادرة التاريخية و غير المسبوقة شروط نجاحها، فقد عبر الخطاب الملكي عن استعداد المغرب ” لوضع بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول الشقيقة؛ إيمانا منا بأن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها، وفي المنطقة كلها”، تنضاف إلى الجهد الوطني لتأهيل المجال الساحلي وطنيا، بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية” و” استكمال المشاريع الكبرى، التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية، وتوفير الخدمات والبنيات التحتية، المرتبطة بالتنمية البشرية والاقتصادية. وكذا تسهيل الربط، بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك، بما في ذلك التفكير في تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي.” بغاية تحويل “الواجهة الأطلسية، إلى فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي”. كما تنضاف إلى باقي المبادرات التي أشار إليها الخطاب الملكي و لاسيما المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، كمشروع للاندماج الجهوي، والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي، و كمصدر مضمون لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة.