a24- ليلى خزيمة
منذ زمن بعيد تجاوزت وتخطت الخيمة الصحراوية التقليدية بالمغرب البعد الضيق الذي يحصرها في المساحة المخصصة للسكن والاستقرار، لتصبح رمزا للوحدة الاجتماعية والروابط الأسرية وعنوانا للكرم ومنبعا للثقافة. لدى، يقال عن شخص أنه “تخيم” إشارة إلى أنه تزوج وكون أسرة. هذا البيت المتنقل حسب الحاجة والظروف التي يحددها المرعى والمشرب والأمن، يروي تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشها الصحراويون بكل ما فيها من تحديات فيسبيل العيش الكريم. كما أنها إحدى روافد الهوية المغربية باعتبارها جزء من الثقافة الحسانية العريقة. فهي ركن هام من أركان الحياة في الصحراء، لها مراسيمها وطقوسها، كما تحمل قيما رمزية لها دلالاتها ومعانيها. وقد تشكلت حولها تقاليد وإنتاجات ثقافية وفنية ثرية ومتنوعة، أصبحت حيزا رمزيا وفضاء للذاكرة وعلامة على مجموعة منالقيم السامية.
الملامح
وبر وأوتاد وخيوط متماسكة بعضها ببعض تماما كالعلاقات الأسرية والاجتماعية لسكان الصحراء. مجتمع مصغر، يحمل كل معاني القيم الإنسانية والدينية والعقائدية والثقافية والمعرفية. عالم، المشاركة فيه هي الأساس، والكرم هو العماد والمحبة هي الزاد. الخيمة الصحراوية التقليدية مسكن يصنعه الإنسان الصحراوي من وبر الإبل وصوف الأغنام والماعز بطريقة تقليدية، وعلى شكل قطع وشرائط يتم جمعها وخياطتها بواسطة إبرة كبيرة تسمى “المخيط” وخيط يسمى “خيط النيرة”. تتعدد أشكال وأنواع الخيمة، لكن أبرزها وأقدمها تلك المصممة على شكل مثلث. وهذا التصميم لم يبدع فيه الأهالي اعتباطا، فهو يحفظها من الزوابع الرملية وهطول الأمطار. أما عن السمة الأبرز للخيمة الصحراوية التقليدية في المغرب،فشكلها الانسيابي ومرونتها في الحل والترحال، فقد لا يستغرق نصبها أو فسخها إلا دقائق معدودات وكذا نسج خيوطها، بفضل تمرس الصحراويات في الصنعة، لا يتعدى العملية رغم صعوبتها الشهر.
مرحلة الانشاء: للمرأة مثل حظ الذكرين
نسج الخيام الصحراوية التقليدية بالمغرب هو إحدى الحرف اليدوية الخاصة بالمرأة، تعتمد في ذلك بالأساس كمادة أولية وبر الإبل أو شعر الماعز ال>ي يقوم الرجال بجزه. فتعمدالنسوة الى غزله لتجعل منه خيوطا قبل نسجه وتحويله إلى قطع متراصة من الوبر البني اللون تسمى”الفليج” ثم نسجها من جديد وتجميعها على شكل فراش كبير مربع الهيئةليشكل بعد ذلك الخيمة.
وغالبا ما تجتمع النساء لهذا الغرض في إطار مايسمى ب”التويزة” في ساحة شاسعة تحتسين فيها كؤوس الشاي وتتجاذبن أطراف الحديث.هذه الطريقة تساعدهن في الإسراع في عملهن دون إغفال جانب الجودة والدقة في الإنتاج.
وفي العادات والتقاليد يُلزم كل مار من طريق توجد بها خيمة في طور الإنجاز، المساهمة في هذه “التويزة” بالسكر أو الشاي أو غيره. يحصل ذلك بعد أن ترمي النساء منينادينه ب “المقصود” باللهجة الحسانية،بإحدى الكرات المتشكلة من خيوط الوبر.
تبتدئ مراحل نسج الخيمة الصحراوية بإحضار صوف الأغنام أو وبر الإبل وفرز الجيد منه. ليمر بعد ذلك بمراحل منها “الغزيل” أي النسج، ثم “المحيط” أي جعل الصوف خيوطا انسيابية، فمرحلة “الفريك” وهي مرحلة إعداد ما يعرف ب”الفليج” أو تلك القطع التي تشبه الحصير والتي ستشكل الدعامة الأساسية للخيمة.ويصل طول كل شريط ما بين 14 و16 ذراعا وعرضه ما بين ذراع ونصف إلى ذراعين.تفرق النساء ما بين الخيوط عرضا بقطعة خشبية تسمى “الصُّوصْية”، وتقوم بضربها ب “المدرة” حتى تنسجم الخيوط مع بعضها البعض ويُطوى “الفليج” في النهاية لتعاد العملية مرة أخرى حتى الحصول على عدد “الفلجات” المطلوبة حسب مساحة الخيمة.
بعد ذلك، تأتي عملية نصب الخيمة. وهنا، تُحضر الأوتاد التي تستخدم لتثبيت الخيمة بالأرض وترفع بواسطة “اركايز” وعددها اثنان،يوضعان على شكل معاكس، ويشد هذين العمودين بعضهما مع بعض بحبل يسمى “الْحَمَّارْ”. كما تستخدم”لخوالف” أي الحواشي على شكل حبال مسطحة ويطلق عليها كذلك اسم “لحكاب”، ووظيفتها، تقوية الخيمة عند نصبها، وربطها بالأوتاد المثبّتة في الأرض وعددها أربعة، اثنان من كل جانب. إلى جانب “لخراب” و”البيبان” وهما ساريتان من الخشب تمسكان بقمة الخيمة لفتح واجهة الخيمة الأمامية، بحيث توضع كل واحدة في جانب من الخيمة.أما “المسمك” فهو عود يأتي بين “البيبان” في خط مواز مع “اركائز”. في حين أن “لكفا” المصنوع من شعر الماعز الأسود المزخرف باللون الأبيض فهو الغطاء الذي يحيط بالخيمة.كما تُقسّم الخيمة إلى قسمين بواسطة “البنية”، قسم خاص بالرجال وآخر للنساء. أما الباب في الخيمة المغربية فغالبا ما يفتح ناحية الشرق، كما يمكن أن تجعل للخيمة أبواب أربعة. وهذا دليل على الكرم والجود والاستعداد إلى استقبال الضيوف من كل الجهات بصدر رحب.
الأثاث ووسائل الراحة
تدخل الصوف التي تصنع منها الخيمة في تأثيث هذ الأخيرة.تشرع النساء الصحراويات في تلوينها باستعمال مواد طبيعية مثل الحناء وقشر الليمون والكركم، والبابونج وقشر البصل وقشر الرمان ولحاء شجرة الجوز وأوراق الجزر. لتحيك بعدها مستلزمات العائلة في الحل والترحال.
إلى جانب الصوف، تعمد النساء الصحراويات إلى استخدام الجلد لتزيين خيمهن وصناعة الأواني التي تحتاجها العائلة في حياتها اليومية. من بينها:
تاسوفرة:وعاء جلدي كالحقيبة، قد يصل طوله إلى متر ونصف وعرضه إلى 70 سنتمترا وتوضع على أحد جانبي الجمل أو الناقة. وتستعمل “تاسوفرة” لتخزين المؤن وأواني الشاي وغيرها مما يحتاجه الرحل في تنقلهم من مكان إلى آخر. وتقوم المرأة على الخصوص بصنعها من جلد الماعز وتزينه بالزخرفة الملائمة وتضع له قفلا يدويا مصنوع من حبل جلدي يسمى “السير” ليسهل على الرجل فتحه. وتتطلب عملية صنع “تاسوفرة” ما بين 4 الى 6 أيام. ولا توضع بداخلها السوائل مباشرة ولا الوسائل الحادة التي قد تؤثر على الجمل خلال المشي.
أصرمي:وسادة جلدية تقليدية، تستعملها المرأة الصحراوية أيضا لتزيين خيمتها، إذ تعطي لهذه الأخيرة جمالية طبيعية بأهدابها الجلدية الرقيقة وبزخرفتها ونقوشهاالنابعة من مخيلة كل امرأة. خيال يرتبط ارتباطا وثيقا بجمالية الطبيعة الصحراوية وبعادات وتقاليد المنطق.ولا تزال المرأة تحاول الحفاظ على طريقة صنعه والتلوينات والرسومات التي يحملها عبر العصور كرمز من رموز الفنون التقليدية النسائية. وقد يزيد طول “أصرمي” عن المتر الواحد وعرضه عن 40 سنتمترا، وعندما يأخذ شكلا مستديرا يسمى “مرفك”. وهي كلمة حسانية مشتقة من المرفق حيث يوضع “المرفك” تحت المرفق من أجل الاستراحة.
لكربأو القربة:هي الوعاء الجلدي المخصص لتخزين الماء، وغالبا ما يستعمله الرحل لهذه الغاية بعد وضعه على أحد جانبي الجمل أو الناقة وتقوم المرأة المحترفة بصنع “لكرب” من جلد الشاة على وجه الخصوص ويترك شعرها ظاهرا إلى الخارج دون دباغة فيما تتم عملية تهيئ داخلها عن طريق دباغتها بأعشاب طبيعية تسمى “الزواية”. بعد ذلك يتم وضع سائل القطران بداخلها لمنع أي تسرب أو سيلان للماء. ولايتم استغلال ماء “لكرب” إلا بعد سقيها 3 مرات على الأقل، وذلك حتى لا تؤثر المعالجة بسائل القطران على جودة الماء. وقد أثبتت التجربة حفاظ “لكرب” على برودة الماء الموجود بداخلها وذلك بفضل طريقة صنعها وجودة الجلد وطبيعة المواد المستعملة في دباغتها.
وهناك أشكال مختلفة من هذه القرب المصنوعة من جلود الأغنام منها التي يجمع فيها التمر، وهناك الدلو المصنوع من الجلد لجذب الماء من البئر وقربة لحفظ الألبان بغية استخلاص “الدهن” أو السمن، وأخرى لحفظ مادة السكر والشاي تسمى “كونتيه”.
تيزياتن: عبارة عن كيسي جلد كبيرين مملوئين بالحشيش. وهما من أثاث الخيمة التي ترجع ملكيتها للنساء. و “التيزياتن” ذات شكل شبه مربع منتفخ إلى أعلى تتخلله شرائط من الجلد المطرز المعروف بحلي التيزياتنأو ما يسمى بالحسانية “أحفولالتزياتن”. وتوظف هذه الأكياس كدعامات للهودج الذي تجلس عليه النسوة في موسم الترحال.
أمشقب: يستعمل في الحل والترحال. في الركوب توضع أرجله إلى أعلى. أما تحت الخيمة فيقف على دعاماته، وتوضع عليه الأمتعة، وعلى الجمل يعتبر كراحلة ويمكن أن يكون فوقها غطاء وهو للنسوة والأطفال وصغار الحيوانات من ماعز وخرفان. هذه الدعامة ذات اللوحات المنحوتة تعتبر من أجمل إنتاج الصناعة التقليدية المحلية.
أدرس:إناء مصنوع من الخشب، مستطيل الشكل، وقد يكون مزخرفا، ويستعمل في حلب الأغنام أو الضأن أو الأبقار.
الراحلة: أداة ركوب الجمال مصنوعة من ألواح من الخشب وقطع من الجلد المدبوغ والمزخرف. توضع على ظهر الجمل بغرض الركوب.
الفرو: فراش وغطاء في نفس الوقت مكون من تجميع لعدة جلود خراف وشكله غير متساوي الأضلاع ترتبط الجلود ببعضها بشريط من الجلد الأحمر وأطرافه يمكن أن تطرز برسوم بواسطة ريشة. وهو من أثاث الخيمة الأصلية.
الوزناد: قطعة من الحديد مزخرفة، تستعمل لإشعال الشرارة بضغط على قطعة ومادة من الصوان.
المنكاش: أداة لإزالة الأشواك من الرجلين. وهو مصنوع عادة من الفضة أو من النحاس.
لمسامة: أداة تحمل الكثير من علامات الزخرفة والزينة، وتُعلق عليها الأمتعة عند الخروج والعدول عند الترحال.
الحجبة: وهو ثوب ساتر تستخدمه ربة البيت لعزل أهل الخيمة من النساء والأطفال عن الضيوف من الرجال.
وما هذه إلا بعض المعدات، بالإضافة إلى العديد من أدوات الزينة والحاجيات اليومية التي تستعملها الأسرة الصحراوية. وكلها أغراض مصنوعة بحب وتستخدم فيها المواد الطبيعية في دلالة على البساطة التي تعكس المروءة والكرم والجاه عند أهل الصحراء.
بكل هذه المكونات، تمثل الخيمة الصحراوية التقليدية مرفأ ثقافيا نشطت فيهالملكة الفكرية والابداعية للإنسان، وتعمقت خبرته الاجتماعية، فاستثمر الطقوس والشعائر لتأطير سلوكه وسد احتياجاته الروحية والمادية. كما مثلت الخيمة جزءا كبيرا من الموروث الفني والثقافي وأصبحت حيزا رمزيا وفضاء للذاكرة وعلامة على مجموعة القيم السامية التيتجسد الشجاعة والكرم والنبل والشرف، وكلها قيم إنسانية تستحق العناية والتثمين.