a24-عبد الهادي الموسولي
سلا الجديدة مدينة جديدة تعيش في عقدها الثالث ، تأسست وفق مبدأ مدن الضواحي أو المدن الكوكبية ، وذلك لتخفيف الضغط عن مدينة الرباط أولا ثم مدينة سلا ثانيا . وهي مدينة عبارة عن حي سكني كبير أغلب مكوناته العمرانية تتكون من عمارات السكن المشترك ، فيما لا يشغل السكن الفردي سوى حيز بسيط من مجالها الجغرافي، ويتكون من منازل عمودية وفيلات . لكن هذه المدينة الحديثة تفتقر للعديد من الوظائف التي تحدد هويتها كمدينة قائمة بذاتها ومندمجة في محيطها الإقليمي والجهوي .
فالمدينة تفتقر الى الهوية الإدارية، باعتبارها لا تتوفر على مجلس جماعي مستقل ، إذ هي مجرد حي تابع للجماعة الحضرية احصين الموجود مقرها بقرية أولاد موسى ذات النسيج الحضري الهجين، الذي يجمع بين عناصر الحداثة العمرانية والتجمعات العشوائية . كما أنها مجرد مقاطعة تابعة لعمالة سلا الموجود مقرها بحي السلام . وبالتالي فإن مركز القرار التنموي خارج سلطتها ، وتدبير شأنها المحلي تتحكم فيه جهات أخرى أهما بلدية احصين . وهذا ينعكس سلبا على جودة بعض الخدمات العمومية .
مدينة سلا الجديدة مدينة عديمة الوظيفة ، فهي مجرد مدينة مباتية للرباط ، تنافس في ذلك جدتها سلا العثيقة . ويصفها البعض بغرفة نوم كبيرة لمدينة الرباط . فجل الموظفين والمستخدمين الذين يقيمون في المدينة هم مرتبطون وظيفيا بالرباط . ولا يلتجؤون الى حضن سلا الجديدة الا هروبا من ليل العاصمة الثمل . فالموضة تقتضي التسوق من محلات العاصمة وشرب قهوتها على ارصفة مزدحمة بالمارة واقتناء العطور والمعاطف ، كأن المغادر للمدينة يقطع وادي ابي رقراق ليجد نفسه في باريس . ومع رحلتي الذهاب والإياب تبدو مسافة العشر كيلومترات الفاصلة بين العدوتين كأنها رحلة حول كوكب الأرض.
عمارات متراصة تكسو المجال الجغرافي ، لم تكمل بعد عقدها الثالث ، لكنها تبدو كأنها بنايات من القرن التاسع عشر ، لا يكسر رتابتها سوى عمارات جديدة نبتت بجانها ، بدورها تفقد زينتها مع أول سقوط للمطر . شوارع منتظمة الهندسة لكن اغلبها ضيق ” شارع محمد الخامس مثلا” الذي يتوسط المدينة . الفضاءات الخضراء شبه منعدمة ومعها تقل ملاعب القرب وتنعدم حدائق الأطفال ، ولولا ساحات المدارس العمومية لحلت كل الكوارث النفسية على أطفال سلا الجديدة . فمجال المدينة يضيق على الأطفال ويسلبهم الأمن النفسي الذي يقدمه أي مجال جغرافي لأطفاله . نفس الوجع يعيشه من كتب له أن يعيش شيخوخته في هذه المدينة . هذا رغم وجود فضاء غابوي مهم يتمثل في غابة المعمورة المهمشة بكل المقاييس . وتهميشها إنما هو اقصاء لفضاء ذو مواصفات عالمية قل نظيرها في المدن المغربية .
لندع المباني جانبا ، سلا الجديدة تبدو ليلا كأنها حضيرة للسيارات إلى حد الجزم بأن عدد السيارات يفوق بكثير عدد المساكن ويقترب من عدد السكان . إذ أصبح من الصعب إيجاد مكان شاغر لركن سيارة واحدة في وقت متأخر من الليل ، وهذا ما جعل العمارات الجديدة تتخذ مآرب تحت أرضية للسيارات كحل لتجاوز هذا المعطى . زد على ذلك احتلال الرصيف العمومي من طرف أصحاب المحلات والمطاعم والمقاهي وانعدام الولوجيات وتآكل الأرصفة وانعدام التشوير الطرقي الأفقي كممرات الراجلين وغيرها من مظاهر الاخلال بالمسؤولية … مما يدخل المدينة في فوضى عارمة لا يقطعها الا سكون الليل .إضافة الى انتشار جحافل الكلاب الضالة في كل أحياء المدينة .
مدينة سلا الجديدة عديمة الوظيفة الاقتصادية ، اقتصادها محلي محض يقوم على مجموعة من المحلات والمراكز التجارية وبعض الخدمات البسيطة . ورغم وجود المركب الصناعي والخدماتي “التكنوبوليس” فانه يظل ذا بعد جهوي اكثر منه محلي ، إذ أن أغلب المستخدمين به يقيمون خارج سلا الجديدة بالأقطاب الكبرى للجهة كالرباط والقنيطرة وسلا . ولا تعدو سلا الجديدة كونها تقدم المبيت لرواده .
سلا الجديدة ذات موقع استراتيجي مهم بالنسبة للرباط كعاصمة للمملكة وللجهة . تأهيلها لتكون مدينة حقيقية إنما هو تأهيل للجهة وللعاصمة ، ولا يمكن تأهيلها الا بتمتيعها بكل شروط الاستقلالية الإدارية والمالية . ولتبسيط ذلك يجب تمتيعها بمجلس محلي مستقل .