حوار- ليلى خزيمة
أكد ادريس الروخ، في حوار مطول لـ ” المنعطف24″، ان المسرح هو دراسة وبحث علمي وأكاديمي وتقني فني، بحيث هي فرصة تمنح لك لتأكيد الذات وفرصة للإبداع وتتسلح باليات لأجل خلق جسور ثقافية والانفتاح على العالم الخارجي.
– ليس كل الممثلين من خريجي المعهد. فهل يمكن لهذه الفئة أن تبدع أكثر من الخريجين؟ و اذا كان الجواب بنعم، ما هو السر؟ هل هو التوظيف الجيد للمخرج أم فقط الاجتهاد الشخصي للممثل؟
بالنسبة لي المعهد هو مسألة مهمة جدا في دراسة المسرح والبحث العلمي والأكاديمي والتقني و الفني، فالمعهد يمنحك الأدوات التي تهتم بالحيثيات وبأشياء مهمة جدا، هو مرحلة أساسية تعطيك فرصة للإبداع بطريقة مختلفة وتتملك من خلالها الآليات العلمية التي تمنحك فرصة الانفتاح على الآخر، وعن المدارس الأخرى، هي تلاقح ثقافات المبدعين سواء الذين درسوا بالمعهد أو لديهم مواهب، و لم يدرسوا وكانت لديهم فرصة ليتعلموا عن طريق الورشات أو مراكز أخرى للتكوين و التدريب.
أظن أن هناك الآن و لله الحمد في المغرب، مدارس كثيرة ومتعددة سواء من خرجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، أو من الرواد الذين تعلموا في مراكز أخرى للتكوين أو من المواهب والشباب الذين وصلوا باجتهاداتهم، وتلاقحوا في نفس الوقت بآليات وأدوات التمثيل الأخرى، بمعنى آخر إن المبدع في التمثيل و في المسرح أو السينما أو التلفزيون، يجب أن تكون لديه الموهبة وأن يكون لديه الخط الأكاديمي وخطوط أخرى توصله إلى مبتغاه.
من جهة أخرى، هناك من ليس لديه كل هذا، لكن لديه القدرة على التتبع و المسايرة ليصبح فنانا مبدعا وخلوقا ومنسجما مع ذاته ومحيطه، لأنه استطاع أن يحل لغز الانخراط مع جميع مكونات الصنعة المسرحية و الفعل المسرحي و الإبداع المسرحي، ووجد نفسه أمام أدوات وآليات بدأ يسيرها عن طريق التجربة والممارسة والفهم و لدراسة والقراءة و الاطلاع، و بالتالي يمكنه أن يحدث تراكما فنيا مهما جدا.
لهذا أقول أن المسرح يشكل قوة ضاربة في حل لغز العلاقة ما بين من التحق بالمعهد و من لم يلتحق به، وتبقى القدرة على الإبداع والخلق و التأقلم والتشخيص بطاقة هائلة تساير كل مستجدات التمثيل في العالم هي الفرصة للالتحاق بجيل الدارسين و الباحثين في فن التمثيل و الإلقاء والأداء عموما.
– كمخرج، هل تغلب العقل أم العاطفة في التعامل مع الممثل؟
صراحة، عندما نتحدث عن إدارة الممثل هناك سيكولوجيا يجب أن نستعملها، أولا يجب أن نتفهم الكثير من الأشياء المحيطة بعالم التمثيل، وبأجواء الممثل ككل، فالممثل قد يعطيك أشياء كثيرة إذا كنت قادرا على استخراج ما هو جميل بداخله، بطبيعة الحال هناك أشياء يجب أن نستعملها و نعتمدها في التعامل مع الممثلين وكل مبدعي الأداء و التشخيص.
لا بد أن يكون هناك تجاوب حقيقي، لذلك فعملية اختيار الممثل (الكاستين) مهمة جدا بالنسبة لأي دور يجب أن يكون هنالك تناغم و تناسق بين ما تراه في الشخصية و ما يمكن أن تستخرجه من الممثل، لكي يكون لصيقا بالشخصية ويلبس كل منهما الآخر، يجب أن تكون هنالك أشياء ذات قيمة و صلة بواقع الممثل وظروفه و محيطه.
لذا يجب على المخرج أن يكون الأب والأخ و الصديق والقريب و الطبيب النفسي وكاتم السر حتى يتمكن من اكتشاف أعماق هذا الفنان، هذا النجم وهذه الطاقة الهائلة،و بالتالي في ظل التجاوب والعلاقة الحميمية والوطيدة بين المخرج والممثل منذ اختياره على الورق إلى المشاركة، في التداريب وتشخيص الدور أمامك كل يوم وأنت تشاهده يبدع و يؤدي و يلقي بأحاسيسه، داخل الشخصية لقطة بلقطة و مشهدا بمشهد، لا بد أن تتخلل مشاعرك العاطفة.يجبأن تكون قريبا جدا و أن تستمع للممثل و تشاركه بعضا من أفكاره وتحاول فهمه، يجبأن تصغي إليه بشكل دقيق حتى يصغي إليك بشكل أدق.
في نفس الوقت لابد أن يكون للعمل بشكل عام وللشخصية بشكل خاص منطق وفرض وواجب، وهنا يتدخل العقل بشكل كبير و يتدخل الحزم و يتدخل المخرج كمخرج لكي يقوم ببناء الصرح، عن طريق الممثل والتقنيات التي يخرج من خلالها عملا متكاملا. بالتالي، يكون العقل عند الحسم في الأمور أما العاطفة فلاستخراج الكثير من المبدع سواء الممثل أو التقنيين الذين يبدعون في صناعة الفلم.
– اشتغلتم على اعمال رمضانية عدة. في نظركم ما الذي يميز الانتاج الرمضاني عن سائر إنتاجات السنة؟
ما يميز الأعمال الرمضانية هو أولا تلك المتابعة المهمة جدا من طرف الجمهور، وهناك نقطة مهمة جدا، أن العائلة تجتمع بشكل حميمي يعطيها القوة والقدرة على أن تخلق جوا مثاليا للفرجة، وبالتالي فالأعمال الرمضانية هي أعمال للعائلة، أعمال أيضا لتلاقي الأسرة، أعمال لكي نشكل بها مناحي مهمة جدا من حياتنا اليومية.
المتابعات تكون بشكل متصل والاهتمام يكون متزايدا والانسجام أيضا. هذه المتابعة الجماعية تكون ذات صلة بالمجتمع ككل وبالتالي الكل يجتمع حول مائدة الإفطار، حول موائد تلفزيونية وبرامج تلفزيونية ومشاهدات تلفزيونية. الجميع يتحدث و يشتغل و يتابع و يترجم ذلك إلى ملاحظات، الشيء الذي يخلق فعلا حركية ذات أبعاد سوسيولوجية و بالتالي هذه كلها تفيد، من منطلقات متعددة، التواصل الحقيقي مع المنتوج وتفيد في نفس الوقت تقديم هذا المنتوج بجودته و بقدرته على التأثير والتأثر.
أعتقد أن فترة رمضان باعتبارها تجمع الروحي بالاجتماعي، بالأسري، بالأخوي، بالمحبة وبأشياء كثيرة جدا قد تخلق هذا البعد الكبير داخل الأسرة والمجتمع و داخل كل الذين يشاهدون ذلك بصيغ أو بأخرى ولكن بمفهوم التواصل مع ما ينتجه المبدع المغربي خلال رمضان.
-ماهي الأشياء التي لم يتوفق ادريس الروخ في الوصول اليها الى حد الان كممثل و كمخرج؟
في الحقيقة هناك أشياء كثيرة لازلت أسعى إليها و أتوقإلى تحقيقها سواء في التمثيل أو في الإخراج، في المسرح أو في التلفزيون أو في السينما أو الكتابة أو في تلقين و تدريس أشياء تخص مجال الأداء.
في التمثيل لازلت أبحث عن أدوار أصل بها و قد تصل بي أيضا في انسجام تام إلى مراحل بعيدة في الأداء من ناحية المعنى و المفهوم و العمق و فلسفتها، وترجمتها إلى طريقة في الإبداع المتقن و طريقة في إخراج ما هو مكتوب على الورق إلى ما هو ملموس في واقع الشخصية .
كمخرج لازلت أبحث عن نصوص مهمة في السينما و التلفزيون أقدمها بشكل مختلف للجمهور، لازلت أرغب في أن أصور أعمالا ذات جودة في شموليتها، لازلت أبحث عن فكرة تعطي قيمة لمعنى الإنسان. لازلت أريدأن أقدم شخصية تاريخية، أفلاما و مسلسلات بأبعاد إنسانية. يعني هناك أشياء كثيرة لازلت أبحث في الوصول إليها وأسعى كي أقدمها بصورة أعمق تشبه إلى حد ما، ما أرغب في الوصول إليه من ناحية الشكل والمضمون و التواجد، بمعنى آخر، لازلت في طريق طويل جدا لكي أصل إلى ما أسعى إليه و أطمح له.