حوار-ليلى خزيمة
أن تحاور فنانا، واجب عليك لنقل المعلومة للمتلقي و ضمان استمرار خيط الود بينه و بين محبيه. لكن أن تتحدث مع مبدع من طينة إدريس الروخ، فتلك متعة إفادة و تجاوب دون تكلف. وفي حوار مطول لـ “المنعطف24″، تجاذبنا أطراف الحديث مع فنان يعشق الحرفة و يسعى جاهدا للتغيير و التميز و تقديم الجديد المتجدد.
– انتهيتم من تصوير مسلسل “كاينة ظروف” الذي يتحدث عن ثلاث نساء ما بعد قضاء عقوبة السجن. لماذا التطرق لهذا الموضوع خصوصا ضمن مسلسل دونه الفلم؟
كما ذكرتم، ” كاينة ظروف” هي دراما اجتماعية تلفزيونية من 30 حلقة، و كل حلقة 52 دقيقة من إنتاج القناة الأولى و”ديسكونكتد”.،تشخيص و أداء مجموعة من الاسماء المغربية.
ارتأينا أن ننتج عملا تلفزيونيا حكائيا، مسلسلا و ليس فلما لأن المشاهد التلفزي له الحق في الإطلاع على هذا النوع من المواضيع. لذلك يجب أن نشتغل على مواضيع سينمائية لكي تصبح مواضيع تلفزيونية بنفس حكائي طويل و فيه عمق ‘التمغربيت” ، فالمشاهد المغربي يحب الاستمتاع بمواضيع تربطه بالمجتمع و بشخصيته و طريقة عيشه.
كذلك لدينا مادة مهمة جدا للحكي و فيها مواضيع متعددة و متشابكة وبالتالي هناك فضاء كبير جدا لكافة المضامين، لذلك نتمنى أن نكون قد انخرطنا في هذه السيرورة و قدمنا عملا يجسد شخصيات تشبهنا وتقترب منا.
– هل يمكن أن تقربنا بعض الشيء من الأجواء التي مر فيها التصوير؟
الأجواء كانت جميلة جدا رغم صعوبة العمل، فقد استمر التصوير يوميا لمدة ثلاثة أشهر إضافة إلى شهرين من الاستعدادات وما هو آت في مرحلة ما بعد التصوير، لكن و لله الحمد كنا أسرة واحدة و بينا أخوة. كنا نعتبر أنفسنا في البيت و ليس في العمل. نتحدث لغة واحدة و هي “كاينة ظروف”.
كلنا نعرف أن هذا العمل ليس بالهين، لذلك اشتغلنا ونشتغل جميعنا بجد و نعطه من وقتنا و جهدنا وتفكيرنا لإنجاحه و تقديم مادة قابلة للمشاهدة، كما اعتمدت الأجواء على العمل و الاجتهاد و البحث لبناء الشخصيات بناءا دراميا بطريقة “السينوغرافيا” لتصبح بذلك لغة مستعملة داخل أحداث ولقطات المسلسل، وقد صور المسلسل بكل من “المحمدية، حد السوالم، طماريس، داربوعزة والدارالبيضاء”.
– لوعدنا قليلا إلى السنوات الأولى من العمل. فقدبدأتم بالمسرح كتابةو إخراجا و تمثيلا تحدث لنا عن هذه المرحلة؟
آه! المسرح، هو المنهل و المصدر و العودة. هو مدرستي الأولى دراسة و بحثا وتمثيلا وإخراجا و كتابة و جولات و تداريب، وبالتالي المسرح بالنسبة لي هو المعلم هو الإحساس بالتواجد و التأقلم و الإنفلات من الرتابة، هو الإقتراب من الأدوات الحقيقية، من الإشتغال و الإستعمال اليومي و هو محط اهتمام الزمان و المكان و حيثيات الحياة.
و بالتالي تخرجي من المعهد العالي للفنون المسرحية و التنشيط الثقافي و تواجدي بالمعهد الوطني العالي بباريس، وجميع المدارس التي تلقيت و تلقنت فيها مبادئ المسرح انطلاقا من السويد ومصر و الأردن و هولندا و إيطاليا و مجموعة من البلدان الأخرى، سواء منها الكلاسيكية أو الحداثية كلها أدوات و آليات قدمتني إلى عوالم أخرى منها التمثيل والسينما والإخراج و الكتابة.
كلها كانت عوامل إيجابية للإقتراب من الذات ومن شخصي ومحيطي ومن مفاهيم معينة، أريد أن أعبر عنها و أن أركز اهتمامي بها و بالتالي هذا الاهتمام يزداد كل لحظة، وكلما فهمت أو حاولت فهم بعض ألغاز المسرح، فالمسرح سيبقى دائما رحلة طويلة جدا و بحرا عميقا، يجب أن نحسن السباحة فيه حتى يكون هذا اليم العميق ذا جدوى و يوصلنا إلى بر الأمان.
تعلمت من المسرح أشياء كثيرة وما زلت أتعلم منه وأعود إليه، فمنه نتعلم الزمان والفضاء و البناء و الهدم و الدراماتورجيا والتحليل بكل مستوياته، نتعلم السينوغرافيا و الديكور و الملابس و الإضاءة و إدارة الفرقة و قيادتها و الإشتغال بعلم النفس كمادة في الفهم و إيصال المعنى و الوصول إلى المغزى، فهو يعلمنا أشياء كثيرة نستعملها في حياتنا اليومية و بالتالي لا يمكن إلا أن يكون هو المعلم.
– رغم هذا الحب الكبير مرت سنوات عديدة من الابتعاد، فهل لازال الوقوف كممثل أمام الجمهور على خشبة المسرح يستهوي إدريس الروخ؟
صحيح مضت سنوات كثيرة لم أقف على خشبة المسرح كممثل منذ أخر أعمالي في السويد ومصر والعديد من البلدان الأوربية سنة 2000، منذ 23 سنة لم أحظ بهذا الاحتفال الكبير على خشبة المسرح أطير كالفراشة ، أغني وأرقص وأمثل على الركح، وأؤدي الأدوار التي أحلم بها دائما أمام الجمهور، هذا الغياب له أسباب متعددة ربما لم يحن الوقت لذكر بعضها.
لكن في نهاية المطاف صحيح أنني أحن دائما و سيبقى هذا الحنين إلى الركح و أضوائه، إلى الملابس في الكواليس وإلى تصفيقات الجمهور، وربما الصمت الرهيب في بعض الأحيان. أحن إلى أداء دور بطولي بصوت يصل مداه إلى قلب الجماهير.
عزائي الوحيد والشيء الذي يعوضني عن ذلك هو أنني منذ فترات طويلة أقوم كل ثلاث أو أربع سنوات بإخراج عمل مسرحي، وأكتب مقالات وكتب عن المسرح وأدرس للطلبة فنون المسرح وحب المسرح، وأعطيهم شيئا من ذاتي ومن روحي و من شخصيتي، وبالتالي هذه الأعمال التي أنجزها هي بالنسبة لي نوع من أدائي للمسرح، أحب أن أرى الممثلين يؤدون أدوارهم وينجحون فيها، أكون فرحا و منتشيا، أكون في قمة السعادة عندما أجد ممثلا أو ممثلة فاز بجائزة أحسن تمثيل،أسعد كثيرا وأنا أرى الجمهور، يصفق لعمل مسرحي قمت بإخراجه و إدارته، هذا يعوضني نوعا ما عن عدم وقوفي فوق الخشبة.
-ماهي المواضيع التي تحبون طرحها على المسرح و التي في نظركم سيتجاوب معها الجمهور خصوصا أن رد الفعل يكون مباشرا؟
أعشق أن تكون مواضيع المسرح خطابا ذا قوة وإرادة، أن تكون حالة نفسية لشخصيات من المهمشين والذين يشعرون بقلق وبحالة نفور من الأخر ومن العالم و إحساسهم يزيد انهيارا في كل لحظة حاولوا الابتعاد ولو في الضحك والكوميديا. تلك الشخصيات التي تنفلت من ذاتها، من مكانها وزمانها ومن محيطها، التي تحاول أن تعبر عن ذاتها بطريقتها الخاصة. أن تكون شخصيات ذات علاقة بالمستقبل أو الماضي و في نفس الوقت بعلاقة مع الآن.
علاقة تعبر عن وجودها، عن الإرادة و الذاتية، عن القوة والضعف مثل شخصية ‘غيثة’ في آخر عمل مسرحي قمت بإخراجه أو شخصيات أخرى ك’عويشة‘ أو شخصيات ‘يامات لبلاد’أو ‘الرقصة الأخيرة’، هي شخصيات تعبر عن التعسف ولامبالاة الآخر، عن الحب الذي يكون فيه نوع من الشك والإحساس بالانكسار، الذي يعود على الذات وعلى الإنسان والعالم والبشرية، هي مواضيع لا تهم فقط ما هو يومي، رغم أنه مهم، لكن تتخطى اليومي لتهتم بسيرورتنا ما بين الماضي والحاضر و المستقبل.
– مابين الدراما التلفزيونية و المسرح، في أيهم تفضلون العمل كمخرج و في أيهم تفضلون التمثيل؟
صعب أن أختار ما بين التمثيل والإخراج، أو أن أكون ممثلا هنا و مخرجا هناك،التمثيل والإخراج بالنسبة لي هما في نفس شجرة الإبداع، أن تكتب وأن تعبر فهو دائما في شجرة الإبداع.
التمثيل هو تعبير عن الذات وعن محيط فيه ذوات الآخرين، التمثيل هو إيمان و صدق وقوة مشاعر وتقديم هدايا للجماهير عن طريق أحاسيس ومشاعر نبيلة و صادقة و قادرة على أن تخلق الإثارة والجدال و أن تنعم بشيء من الاستقرار الداخلي كلما نظرت في أعين الآخرين وشعرت بدفيء قلوبهم.
الإخراج وأن تنظر إلى كل ما هو حولك و تقدمه في قالب تجمع فيه الآخر وكل ما تود أن تتشارك معه من إسهاماتك. هو نظرة شاملة عما يدور في خاطرك وفي محيطك. و بالتالي فهذا منحى و ذاك منحى آخر و بينهما متشابهات، فالتمثيل و الإخراج هما شيئان متقاربان متباعدان ولكن الأهم هو أن هذا و ذاك في نفس الشجرة التي تنمو منها مبادئك و إبداعاتك و تتزايد فيها عطاءاتك المثمرة، فشجرة الإبداع التي لا تثمر هي شجرة ميتة.