عبد اللطيف بوجملة
تنتهي سنة 2022 وهي مشرعة بكثير من الآمال، وبكثير من الفرح والاغتباط، ولكن أيضا تنتهي وهي ثقيلة بالكثير من الانتظارات المرجأة وبكثير من الغضب الشعبي على اختيارات حكومة اخنوش في مواجهة ارتدادات ما بعد جائحة كورونا وأثار الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تركت هذه الحكومة عموم المغاربة يواجهون غول التضخم ومهاول انهيار قدراتهم الشرائية لوحدهم، وبكثير من العبث.
وإن كانت هذه الحكومة تصغي فقط لما تريد سماعه، فلا شك أن الفرحة العارمة التي حققها المنتخب الوطني في ملحمة مونديال قطر، تتجاوز بكثير ما كنا نحلم به نتيجة تضخم إحساسنا الاستيهامي بالنقص وبجلد الذات، وبعدم الثقة في العنصر البشري، وعدم الوعي بأصالة وتميز ورسوخ قيمنا الحضارية والثقافية.
قد نتساءل كغيرنا عن سر النجاح الباهر الذي حققه منتخب الساجدين في قطر، وقد نتفق وقد نختلف في المكاسب الحضارية التي حققها المسار المتميز للنخبة الوطنية وهي تصعد صعودا، ولكن قد لا نختلف كثيرا في تشخيص الأسباب.
تمت الكثير من الأبعاد السياسية والثقافية والفنية والتربوية والحضارية التي اجتمعت وقد حان وقت قطافها تماما كما يفعل المنتخب الوطني.
فنحن أولا وأخيرا شعب للتحدي منذ القدم وسنبقى شعبا للتحدي كما أراد الراحل الفذ الملك الحسن الثاني، وهذا ارث سياسي لا نظير له إقليميا لأنه علمنا أن المعارك أيا كانت طبيعتها يربحها فقط أولائك الذين لا يستسلمون، كما علمنا أن تكريس التنمية ومكتسباتها لا يستقيم إلا بالمحافظة عليها، وأن هذه الأخيرة لا معنى لها إن لم تجعل من المغاربة غاية و وسيلة لكل مجهود تنموي، مجهود هو في المحصلة مسؤولية فردية قبل أن تكون جماعية.
ونحن ثانيا شعب أصولي. وأصوليتنا لا يمكن أن تقود إلى التطرف كما نبهنا إلى ذلك الراحل الفذ الملك الحسن الثاني، وهي صمام أمان حضاري من كل المزالق والانحرافات التي تنتج على الفردانية الفائضة التي تكتسح المجتمعات الصناعية نتيجة التحولات العميقة وتطرق أبوابنا بعد اكتساح الأسر النووية وانسحاب مؤسسة العائلة، ونحن غير مهيئين لهذا الانتقال والتحول المجتمعيين العميقين.
لقد أبانت، ثالثا، المساهمة الفارقة للشعب المغربي و للدولة المغربية ومؤسساتها، بقيادة متبصرة لجلالة الملك محمد السادس في إنجاح فعاليات مونديال قطر، بشكل لا نظير له، أن هذه الانجازات هي محصلة للثقة و الاستثمار في العنصر البشري، بدليل النجاح الأمني الباهر في تأمين فعاليات المونديال، فلم يكن ممكنا تحقيق هذا الانجاز دون المجهود الاستثماري القوي للدولة المغربية في عنصرها البشري و الذي انطلق منذ سنة 2002 و بعد عشرية واحدة استطعنا أن نؤسس ونبني مدرستنا الأمنية المغربية باعتماد كفاءاتنا الوطنية التي حازت على تكوين امني عالي و رفيع و مكلف بالخارج، و ها هي اليوم تجني ثمار ثقتها في عنصرها البشري.
وأخيرا أبانت النخب الفنية والإبداعية المغربية، ولاسيما مغاربة العالم، في مونديال قطر، أن الثقافة والفن كالرياضة وكرة القدم هما صناعتان حاسمتان قادرتان على خلق الثروة والمساهمة في التنمية والنهوض بالوطن تماما كباقي القطاعات المنتجة، مساهمتهما في تقديم صورة لامعة عن المملكة الشريفة باعتبارهما سفراء حضاريين فوق العادة.
أظهرت المساهمة القيمة ذاتها في مونديال قطر، عن ارث المملكة الثقافي والحضاري العريق والأصيل سواء في الفنون والصنائع والمطبخ، إظهارها للارتباط الوثيق للمغاربة، ولمغاربة العالم، بهذه الثقافة وبالإبداع فيها بما يحقق مرقاة العالمية، مما يؤكد أن الإحساس بالنقص مجرد وهم ليس إلا.