بروفايل
حسن عين الحياة
لا يمكن أن يطفو اسم محمد الكحص، كاتب الدولة المكلف بالشباب في حكومة إدريس جطو، إلى سطح التداول الإعلامي، دون أن يشد إليه الانتباه ويستقطب الضوء ويترك أثرا في النفس، على الأقل بالنسبة للجيل الذي واكب تجربته كوزير، وقبلها كصحافي لبِق، وأيضا كمناضل في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.. ومَردُّ هذا الاهتمام بالكحص، هو هالة الغموض التي ظلت تلفه، منذ قرر الابتعاد عن عوالم السياسة والصحافة والتواري عن الأنظار والتزام الصمت، بعد انتهاء تجربته الوزارية سنة 2007. إذ لا يخرج إلى العلن إلا لماما، وحينما يخرج، أو يكسر طوق الصمت الذي أحاط به نفسه، يشكل ذلك حدثا بعناوين عريضة، تحتل صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية. ويرجع ذلك بالأساس، بحسب من يعرفونه جيدا، إلى كونه أضرب عن الصحافة وعن الإدلاء بأي تصريح، وفاء للصمت الذي يعتبره منزها عن التأويل، وإن كان صمته، وفق بعض القراءات، يعتبر موقفا في حد ذاته إزاء ما يجري من أحداث في الساحة الوطنية.
ورغم هذا الغياب الطويل، يُرى محمد الكحص بين الفينة والأخرى في أحد شوارع أكدال في العاصمة الرباط، برفقة كلبه الجميل، وهو يتبادل التحية مع المارة.. لا تفرقه ابتسامته الخجولة، أنيق وهادئ، ويبدو كما لو أن الزمن لم ينل من شبابه شيئا، وإن كان عمره الآن يناهز 59 سنة.
فهو مزداد في 30 شتنبر 1963 بمدينة تازة.. عشق الصحافة، فمنحته عشق القراء لأسلوبه المميز في تشريح الأوضاع بلغة فرنسية أنيقة، وقد ساعده في ذلك، تدرجه في حزب الوردة ونشاطه في نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
ومن خلال سيرته الذاتية، يبدو أن الكحص لم يتردد في التحليق نحو الديار الفرنسية، في أول فرصة ستتاح له بهدف إتمام مشواره الدراسي، إذ بعد حصوله على شهادة الباكلوريا، حط رحاله بمدينة نانسي الفرنسية، فالتحق بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة نانسي 2، التي حصل من خلالها على شهادة “المتريز” في العلوم الاقتصادية ودبلوم الدراسات المعمقة في التسيير، كما حاز على دبلوم الدراسات العليا في الصحافة من مدرسة الصحافة بستراسبورغ..
وككل شاب مغربي في ديار المهجر، طموح ومستدفئ بدبلومات ثمينة، عاد الكحص إلى أرض الوطن
في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، فاحتضنته جريدة “ليبيراسيون”، اللسان الفرنسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، لما يزيد عن 12 سنة (من 1993 إلى 2005)، بحيث تحمل مسؤولية مدير مساعد، وبعدها مدير التحرير وكاتبا لافتتاحيتها.
وفضلا عن هذا المشوار في درب الصحافة، خاض الكحص تجربة انتخابية في استحقاقات 2002، فحاز على مقعد بمجلس النواب عن دائرة البرنوصي زناتة، ليدخل مباشرة إلى عالم الاستوزار، بعدما عينه الملك محمد السادس كاتبا للدولة في الشباب في حكومة إدريس جطو.
مناصرو الحكص، ما زالوا إلى يومنا هذا، يكبرون فيه المبادرات التي اتخذها ككاتب للدولة لدى وزير التربية الوطنية مكلفا بالشباب، فهم يقرون بأن ابن تازة نفث شيئا من السحر في منصبه، بعدما حول مكتبه في الوزارة إلى ما يشبه هيئة للتحرير ومختبرا للتفكير، فكان أن ابتكر “الجامعات الشعبية” التي قربت الجامعة من المواطنين، فضلا عن إطلاقه لعدة مشاريع كـ”العطلة للجميع”، التي استفاد من خلالها آلاف الأطفال من المخيمات الصيفية، وأيضا “زمن الكتاب” الذي أعاد للقراءة عنفوانها، فضلا عن “مسرح الشباب”، الذي جاء وقتها كبديل لمسرح الهواة، خاصة في زمن الدعم المسرحي الذي أطلقته وزارة الثقافة آنذاك، والذي ظل حكرا على الفرق المسرحية المحترفة، ناهيك عن مبادرات أخرى، جعلت قطاع الشباب الأكثر حركية بين باقي القطاعات.
وبعيدا عن مناصري الرجل، يعيب كثيرون على الكحص غيابه عن الساحة الوطنية، لما يزيد عن 15 سنة.. إذ لم يجدوا له مبررا في اختياره الانعزال، خاصة وأنه، بالنسبة لهم، خرج من الحكومة سنة 2007 برصيد مشرف.
الآن، وفق بعض المقربين منه، يفضل الكحص الدخول إلى معتكفه الخاص، لا يغادره إلا لماما، وحينما يظهر في بعض التجمعات، ينزع عنه صفة السياسي، ويتحلى بعباءة المثقف، خاصة في بعض الندوات القليلة التي يحضرها أو المهرجانات التي تستهوي ميوله الفكري.. عدا ذلك، فهو يشعر بأريحية في عزلته، حتى أن هاتف أخيه أصبح المدخل الوحيد للاتصالات الممكنة به، إذ ليس له سوى شلة صغيرة جدا من الأصدقاء ممن يتقاسم معهم أفكاره ورؤيته للأشياء، وهو بحسب هؤلاء، ما يزال متابعا للأحداث، يقرأ كثيرا، ويتابع بنهم تطورات الصناعة السينمائية، ويدون أفكاره، لعله يخرج يوما ما بكتاب يكسر عقدا ونصف العقد من الصمت.