روبورطاج
حسن عين الحياة
لا يمكن أن تسلك شارع محمد السادس في الدارالبيضاء، في تقاطعه مع شارع أبي شعيب الدكالي، صباح كل يوم أحد، دون أن تثيرك الحركة غير العادية للراجلين والاختناق المفرط في حركة المرور.. بالنسبة للوافدين من المدن الأخرى على هذا الفضاء المفتوح على “حي الإدريسية”، فإن هذه الزحمة المثيرة للضجر والاستغراب والاستياء، قد تكون بسبب الأشغال البطيئة لخط “طرامواي” في شارع “مديونة” سابقا. بينما سكان البيضاء، فهم يعرفون سبب هذا الاختناق، وقد طبَّعوا معه منذ زمن بعيد، باعتبار هذه الطرقات تؤدي لواحد من أكبر الأسواق في المغرب (القريعة).
ويعرف سوق “القريعة” صباح كل يوم أحد توافدا منقطع النظير للزبناء، من مختلف مدن المغرب، باعتباره سوقا يلبي كل الاحتياجات.. من الأشياء المستعملة في “الجوطية” المحاذية للطريق السيار، إلى الملابس الفاخرة في “البوتيكات” ذات الماركات العالمية الشهيرة، مرورا بـ”قيسارية” الملابس المستعملة (البال)، وانتهاءً بـ”سوق لعيون” الشهير في المغرب بالتجارة في الحيوانات الأليفة، من قطط وكلاب وأرانب… إلى الطيور بكل أشكالها، فضلا عن الأسماك التي يتم استيراد بعضها من أمريكا اللاتينية وأخرى من المناطق الاستوائية.
في هذه الورقة، توقفت جريدة “المنعطف” عند “سوق العيون”، وتحديدا عند سوق الكلاب الذي يعرف توافد باعة متخصصون في تربية الكلاب وزبناء من نوع خاص، همهم الوحيد، العودة بصحبة كلب من فصيلة نادرة.. ويبقى لكل منهما (البائع والمشتري) مآرب أخرى في بيع أو تربية هذا الحيوان الأليف.
وفي “الكلاب النادرة” مآرب أخرى
في وقت مبكر من صباح الأحد الماضي، أخذ باعة الكلاب في التوافد على مدخل “سوق العيون”، بعدما تم إغلاق فضاء شاسع مترب، محاذي له، كانوا يستغلونه في هذه التجارة التي تدر على أصحابها آلاف الدراهم.. بعضهم قدم إلى هذا السوق بصحبة كلبه مشيا على الأقدام، في غياب شروط السلامة، والبعض الآخر استقل “الكوتشي” من قرب سينما العثمانية، حاملا علبا كارتونية بها بعض الجِراء، أما آخرون فقد استقلوا سياراتهم باعتبارهم من التجار الكبار.
الكل يعرض حيوانه للزبناء التواقين لتربية فصيلة محددة من الكلاب. ولكل واحد منهم أسلوبه في إثارة الانتباه والعرض من خلال “ماركوتينغ” خاص يغري بالشراء. محمد (25 سنة) يقف بدوره على الرصيف بشارع محمد السادس، يحمل كلبا صغيرا من نوع “الهاسكي” الشبيه بالذئب، ويبدو مميزا بجماله وفروه السميك الناعم. بالنسبة لمحمد، إن هذا الكلب الذي قدم به للبيع، من فصيلة نادرة، وليس هجينا، باعتباره جروا لأبوين أصليين، لذلك، وضع له ثمنا محددا في 2500 درهم. يقول محمد “هناك بعض الكلاب في السوق يستعرضها أصحابها على أنها من فصيلة الهاسكي، سعرها يتأرجح بين 1000 و1500 درهم، لكنها هجينة، بينما هذا الكلب الذي أحمله، أصيل، فضلا على أنه حديث السن، إذ لا يتجاوز عمره 3 أشهر فقط”. أما يوسف (31 سنة) فهو يستعرض بعض الجِراء من نوع “براك الألماني” في قفص متوسط الحجم، عمر الواحد منها حوالي 4 أشهر. وعن خصائصها يقول يوسف، إنها متخصصة في الصيد، وتظل من بين أكثر الأنواع نجاعة في اصطياد الطرائد، وزبناؤها في الغالب من هواة الصيد. ويضيف يوسف، أن ثمن الجرو الواحد 1800 درهم.
وغير بعيد عن يوسف، قدم شاب للتو، حاملا بيده جروا لم يتجاوز الشهر من عمره، من فصيلة “المالطي”.. وما كاد يأخذ له مكانا في السوق، حتى هرول إليه أحد الباعة. أخذ الجرو، وتفحصه جيدا، ثم قال للشاب “تاخذ فيه 700 درهم؟”. تردد الشاب قليلا وطلب أن يزيد عن المبلغ 100 درهم، فتم البيع. كان جروا جميلا بفرو أبيض سميك، أشبه ما يكون بالثعلب. وبالنسبة للمشتري، إن هذا الجرو سهل التدريب، ويتعايش كثيرا مع الأطفال.
وعن سبب هرولته إلى الشاب، قال إن زبونة طلبت منه منذ حوالي أسبوعين هذا النوع من الكلاب تحديدا، لذلك، سارع إلى الشاب حتى لا يسبق إليه أحد. بعدها مباشرة، هاتف زبونته، وطلب منها المجيء إلى السوق، محددا للجرو ثمن 2700 درهم.
سوق الأغنام أم سوق الكلاب؟
في هذا السوق يعرض آخرون كلابا من فصيلة نادرة، بعضها أليف، وبعضها الآخر شرس وغاية في الخطورة. فهناك أنواع من كلاب “البيشون الأبيض” الأشبه بالدمى والتي تعيش بين 10 و12 سنة، وكلاب “الكوكيط” المميزة بأذنيها الطويلتين المرتخيتين، فضلا عن كلاب “روت وايلر” الألمانية الشرسة، ذات الفرو الأسود المنقوع ببقع نحاسية والفك السميك، إلى جانب كلاب “ستاف الأمريكي” الشرس هو الأخر، والذي يعتبره بعض الخبراء في تربية الكلاب من الأنواع الخطرة إلى جانب “روت وايلر” و”بيتبول” وأنواع أخرى.
حميد (27 سنة) أطلق كلبا من نوع “مالينو” أمامه، أثناء تفاوضه مع زبون قدم خصيصا من الرباط لشراء هذا النوع من الكلاب. “راه مالينوا دورجين.. والديه في فرنسا”، يقول حميد، في محاولة لإقناع الزبون بـ”جودة” كلبه، وأضاف “راه باقي صغير.. عندو 3 أشهر ونصف، وبوراقيه وملقَّح”.
وفي مشهد شبيه بسوق الأغنام، حمل حميد كلبه، وأخذ في تعداد مزاياه للزبون، بعدما فتح فم الكلب “شوف باقي سنان لحليب ونقي..”. وبعدما أُعجب الزبون بالكلب، سأله عن الثمن، فأجاب حميد “1500 درهم، نخليه ليك بـ1400″. وبعد تفاوض دام حوالي 5 دقائق استقر السعر على 1250 درهما”.
“سوق العيون” أنعشَ حيا بكامله
وغير بعيد عن السوق، وتحديدا بحي الإدريسية، اعتبر (ع. 32 سنة) وهو خبير في تجارة الكلاب، وبائع كل لوازم الحيوانات، أن “سوق العيون” يشكل متنفسا للعشرات من أبناء الدارالبيضاء ممن يعانون البطالة، فهو بالنسبة لهم محطة أسبوعية لجني المال من خلال تجارة الكلاب والقطط وطيور الزينة.
وعن المتاجرة في الكلاب، قال (ع) إنه يمكن للواحد من هؤلاء الباعة أن يجني بين 500 درهم في الأسبوع إذا باع كلبا واحدا من فصيلة جيدة، أو 15000 درهم إذا كان له 5 أو 6 كلاب ذات أصول نادرة. وأضاف أن هناك من يبيع الكلاب يوميا، وقد ساعدهم في ذلك، استعانتهم بموقع “يوتوب”، بحيث “يعرضون في قنواتهم الخاصة ما توفر لهم من كلاب وجراء، وعرضها للمشتركين والمهتمين بالموضوع، وفي هذه الحالة من رغب في اقتناء كلب أو جرو يتصل مباشرة بالبائع من خلال الرقم المعروض في الفيديو”
وقال هذا البائع الذي فضل عدم ذكر إسمه، إن “سوق العيون” أنعش العديد من الأزقة بحي الإدريسية، التي فتح بعض سكانه متاجر خاصة ببيع لوازم الحيوانات، من الكلاب إلى القطط والأسماك والطيور.
وأضاف “إن هذا الحي يضم أكبر سوق لببيع الدرجات النارية ولوازمها.. لكنه عُرف أكثر ببيع الأسماك والطيور والكلاب والقطط أيضا”، يقول (ع)، قبل أن يضيف أن في متاجر هذا الحي (الإدريسية) لا يمكن أن تطلب شيئا يخص حيوانا ولا تجده، كلبا كان أو قطة أو أرنبا أو سلحفاة أو “الهامستل” والقوارض الأخرى، كل شيء موجود من الأكل إلى الدواء والطوق والسلاسل والأقفاص، حتى احتياجات الأسماك بكل أنواعها، من التي تعيش في المياه الباردة إلى الأخرى التي تعيش في البيئة الدافئة، كل شيء متوفر.