حسن عين الحياة
من كان يظن أن فوزي لقجع القادم من مدينة بركان، دون سند عائلي قوي، سينفث كل هذا “السحر” في كرة القدم المغربية، بمنتخباتها وأنديتها، التي أصبحت، منذ اقتحامه للقلاع الحصينة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في نونبر 2013، تحتل مراتب متقدمة في القارة الإفريقية وفي التصنيف الدولي؟ اليوم، وفي محفل دولي ضخم، تتبارى فيه أعرق المنتخبات العالمية للظفر بكأس العالم في نسخة )قطر 2022(، لا حديث في هذا المونديال العربي إلا عن المغرب، وعن منتخبه القوي بعناصره الممارسة في أكبر الأندية الأوروبية، وعن إدارته التقنية، وعن جمهوره الواسع، الذي يشد إليه الانتباه وتتوقف معه الأنفاس، وهو يجلجل بصوته الموحد مدرجات ملاعب قطر، مرددا النشيد الوطني المثير للدهشة. وفي خضم هذا الحديث، كان اسم فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، يطفو إلى سطح التداول في التقارير الدولية، كمسؤول كبير، وفرَّ كل الإمكانيات للمنتخب المغربي، كي يُشَرِّف كرة القدم الإفريقية والعربية، خاصة بعدما فاجأ العالم في دور المجموعات كمتصدر للمجموعة السادسة بـ7 نقاط، وهو يقف الند للند أمام المنتخب الكرواتي، وصيف بطل كأس العالم في 2018، ويطيح بـ”الشياطين الحمر” الذين ظلوا في صدارة أفضل المنتخبات في العالم، قبل أن يستأسد أكثر أمام المنتخب الكندي ويلحق به الهزيمة.
لقد تداول كثيرون في المغرب والعالم العربي، صور فوزي لقجع، وهو يتابع بشغف المباراة التي جمعت أسود الأطلس بالمنتخب الكندي.. كان وقتها وهو يشاهد الأسود في الميدان، برفقة أسود أخرى للأمن والدبلوماسية المغربية.. عبد اللطيف الحموشي، مدير مديريتي الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، وياسين المنصوري مدير مديرية الدراسات والمستندات )لادجيد(، وناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الإفريقي ومغاربة العالم.. الكل كان يستعجل إطلاق الحكم لصافرة النهاية، للاحتفال مع عموم المغاربة بهذا الفوز، الثاني من نوعه في نسخة “مونديالية” واحدة.. وهي صورة لها دلالاتها القوية، في ميزان حب الوطن الذي يجمع المسؤولين والمشجعين المغاربة على صعيد واحد.
الآن، يضاف إلى لقجع، الذي اخترق بسرعة دواليب التسيير في الـ”فيفا” والـ”كاف”، إنجاز آخر، وهو تجاوز المنتخب المغربي لدور المجموعات، للمرة الثانية بعد نسخة “ميكسيكو86″، وهو أول إنجاز مغربي وعربي في تاريخ القدم.
ينتمي فوزي لقجع الذي وُلِد في 23 يوليوز 1970 بمدينة بركان، إلى عائلة وصفها ذات مرة بـ”العائلة المتعلمة”.. فوالده الذي اشتغل في مجال التدريس أنهى وظيفته كمفتش متقاعد.. بينما والدته، فهي تنتمي لعائلة “لهبيل” التي كان ابنها “امبارك البكاي لهبيل” أول رئيس حكومة في المغرب. وقد كانت أمه ربة بيت، هَمُّها الوحيد، تربية أبنائها الأربعة، وضمنهم فوزي الذي كان شديد التعلق بجده لأبيه.
وبحسب المهتمين بمسار لقجع، شكلت وفاة الجد صدمة للطفل فوزي، فآثر جده لأمه أن يصطحبه للعيش معه لأسبوع، كنوع من المواساة، وأيضا لإبعاده عن أجواء العزاء.. لكن هذا الأسبوع سيمتد لأعوام.. خاصة وأن فوزي نفسه، يقول إن السنوات التي قضاها مع جده لأمه، كانت بمثابة المدرسة الأولى له في الحياة، والتي ما يزال يستلهم منها عديد الأشياء إلى غاية الآن، كالقدرة على التحليل والتعامل مع الغير.
درس الطفل فوزي كأقرانه من أبناء الحي الذي ترعرع فيه، الابتدائي بمدرسة عمومية في بركان، وكذلك الشأن بالنسبة للإعدادي والثانوي، قبل أن يحصل عام 1988 على شهادة الباكالوريا في شعبة العلوم التجريبية وعمره آنذاك لم يتجاوز 18 سنة.. بعدها ترك فوزي مدينة بركان بكل ما تحمله في وجدانه من ثقل ثقافي، ومن ذكريات الصبا ودفء العائلة وحرارة الانتماء إلى الشرق، وسافر إلى مدينة الرباط.. كان شغفه للدراسة كبير جدا، وكان يتمنى وقتها أن يكمل مشواره التعليمي في مجال الدراسات الاقتصادية، لكن ظروفا ما حالت دون ذلك، ليجد نفسه مسجلا في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة الذي تخرج منه سنة 1992 بشهادة مهندس زراعي. وقد خولت له هذه الشهادة الاشتغال في وزارة الفلاحة. حيث قضى فيها سنة واحدة فقط، ليغادرها.. ولعل السبب وراء ذلك، هو أنه لم يجد نفسه فيها، أو ربما لم تكون وعاءً يتسع لطموحاته التي كانت تكبر عاما بعد آخر. بعدها ولج المدرسة الوطنية للإدارة، وقد درس فيها عامين، وعاش خلالها متنقلا بين باريس وستراسبورغ والرباط، قبل أن يلتحق بالمفتشية العامة للمالية. بعدها اشتغل فوزي لقجع في مديرية الميزانية في 3 شتنبر 2000، كرئيس لأحد أقسامها، وقد قضى فيه عدة سنوات، قبل أن يتم تعيينه في يناير 2010 مدير مديرية ميزانية الدولة التابعة لوزارة المالية، وقد كان أصغر من يتولى هذا المنصب في تاريخ الوزارة.. ولعل خبرته الطويلة التي راكمها في هذا المنصب الحساس، هي التي قادته للاستوزار، كوزير مكلف بالميزانية لدى وزارة الاقتصاد والمالية في حكومة أخنوش.
وإذا كان البعض قد فوجئ في نونبر 2013، بخلافة لقجع للفاسي الفهري على رأس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فإن ذلك يرجع بالنسبة لهم إلى كونه لم يكون فاعلا أساسيا في اللعبة، عكس كثيرين ممن يدرجهم البعض ضمن خانة المشاهير في كرة القدم، اللهم تواجده لفترة قصيرة بفريق نهضة بركان.. لكن الذين يعرفون لقجع جيدا، فيقولون إنه كان شغوفا بكرة القدم في صغره، وقد فتح عينيه وهو ابن 8 سنوات على واحد من أفراد عائلته، ربما ابن عمه، الذي كان مدربا لنهضة بركان.. وقد كان ذلك بالنسبة له، كافيا للتعلق بهذا النادي.. حيث ظل، رغم اشتغاله في الرباط، مهتما بكل ما يتعلق به، ومن أشد متابعيه.. وبالتالي، سيتمكن في عام 2009، من تولي منصب رئيس “نهضة بركان” الذي كان يمارس نشاطه الكروي في القسم الثاني لكرة القدم.. وقد استمر في هذا المنصب إلى غاية 2013.. وبالتالي، يقول عديد المحللين الرياضيين، إنه تمكن خلال أربع سنوات فقط، من القيام بإعادة هيكلة النادي، مع استثمار تجربته في التسيير بالوزارة لفائدة بناء النادي البرتقالي، خاصة على مستوى الإدارة، والاهتمام بالفئات الشبابية والصغرى.. وهو العمل الذي أتى أكله، حيث تمكن فريق نهضة بركان من الصعود إلى القسم الأول، وبالتالي صعود نجم لقجع في عالم الكرة. خاصة بعد انتخابه رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في خريف 2013، وقد كان وقتها أصغر رئيس يتولى هذا المنصب.
الذين عاشوا بالقرب من لقجع، يقولون إنه محاور جيد، ومسؤول كبير يعرف كيف يقنع محاوريه، بمن فيهم خصومه.. كما أنه عنيد، حين يتعلق الأمر بالدفاع عن ما يراه حقا.. ويضيف هؤلاء، إنه خدوم ومنظم بشكل مثالي، إذ يقسم وقته بين عمله في الوزارة والجامعة، وبين مناصبه في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (كاف)، وفي زحمة هذا الوقت، يجد فسحة لأصدقائه، ولأسرته الصغيرة، خاصة وأنه شديد الارتباط بابنته الوحيدة زينب.