مدارات: تراثنا بين الثقافة و السياسة_ الجزء الأول.

بقلم: عبدالحكيم قرمان.

يعكس ثراء وتنوع التراث الثقافي في المغرب، بشكل واضح، مدى عراقة التاريخ المغربي وعمق ثقافية. لذلك سينصب هذا القسم على التذكر بالمكونات الأساسية للتراث الثقافي الوطني يتعلق الأمر بالتراث الثقافي المادي والتراث الثقافي غير المادي، ويتسم التراث الثقافي المادي الوطني بمميزات خاصة سواء من حيث تجدره التاريخي أو تنوعه أو غناه، مما يوفر العديد الفرص، ويتوزع التراث الوطني ما بين الموقع الأثرية البرية والمغمورة بالمياه ومواقع الفن الصخري، والمدن العتيقة والمراكز التاريخية، القصور والقصبات، المواقع والمباني التاريخية، التراث المعماريالتراث الثقافي والمنقول، التراث الثقافي غير المادي، مهارات الصناعات التقليدية، مهارات الصناعات التقليدية، فنون الطبخ واللباس ومعارف الطب والصيدلة، ولفنون الشعبية الشفهية وغيرها كثير.

تختزن المواقع الأثرية بقايا ودلالات هامة تشهد على قدم الاستقرار البشري بالمغرب خلال فترة ما قبل التاريخ والعصر القديم والحقبة الإسلامية، وهي تشكل مادة علمية لتتبع أطوار تاريخ الإنسان من خلال إجراء الحفريات والدراسات المختبرية. وعلى امتداد ما يفوق قرن من الزمان، تم الكشف عن عشرات المواقع الأثرية أو تحديد مجالاتها. وشهدت مناطق مختلفة من البلاد. ومن بين المواقع الأثرية العديدة في البلاد نذكر مايلي:

• مواقع ما قبل التاريخ: مقالع طوما، سيجى عبد الرحمان، مغارة تافوغالت، الروازي الصخيرات، مغارة دار السلطان، جبل إغود، مدافن فم لرجام، مواقع النقوش الصخرية بالأطلس الكبير والمناطق شبه الصحراوية وغيرها.
• مواقع العصر القديم: تامودا، كوطا، الدشر الجديد، زليل، لقواس ، ليكسوس، غيما، بناصا، تاموسيدا، وليلي، سلا(سالة)، موكادور….؛
• المواقع الإسلامية: سجلماسة، القصر الصغير، بليونش، البصرة، أغمات، مراكش، شيشاوة، تنملل، تامدولت، نول لمطا، المومة، فزاز، أمركو، قصبة النصراني، حجر النسر، دمنا، سادينا….

تتميز المدن العتيقة بأسوارها التي كانت في الماضي تحصينات للحماية، وأضفت عليها في الحاضر جمالية ورونقا. أما من زاوية نظر التحليل الاقتصادي، فتتشكل المدينة القديمة من ثلاث مجموعات فرعية ومنسجمة هي المعالم والنسيج العتيق والمنظر الحضرية التاريخية، بما يجعلها تتسم بقية تراثية مندمجة. فكل النسيج القديم، المحاط بالأسوار والمشكل من المعالم الأثرية ذات القيمة العلية من حيث الفن المعماري والجمالية، يسبغ بصمة مميزة على المدن القديمة. كما أن طبيعة تخطيط وتصميم التجمعات السكنية وفضاءات الأنشطة التجارية والحرف التقليدية، وكذا نمط العيش في الحي وقيم الجوار والتعايش والتضامن بين الساكنة، كلها عناصر ببث روحا مجتمعية وثقافية في هذه المجمعات التاريخية التي اندمجت حاليا ضمن التجمعات الحضرية الكبرى.

ويحتضن المغرب 31 مدينة عتيقة، سجلت سبعة منها في لائحة التراث العلمي ليونسكو، وهي: المدينة العتيقة لفاس (1981) والمدينة العتيقة لمراكش( 1985 ) ومدينة مكناس التاريخية (1996) والمدينة العتيقة لتطوان( تطاون قديما( 1997) والمدينة العتيقة بالصويرة (موكادور قديما( (2001) والحي البرتغالي مازاغان- الجديدة (2004) والرباط، العاصمة الحديثة والحاضرة التاريخية: تراث مشترك (2012).

اعتمد المغربة، خاصة بالمناطق الأطلسية والوديان شبه الصحراوية، على أساليب معمارية متميزة في فن البناء بتقنيات متوارثة، أنتجت أنماطا سكنية أصيلة ضاربة في القدم هي القصور والقصبات.

وتعتبر القصور قرى جماعية، محصنة أو غير محصنة، منتظمة حول شارع مركزي، زمشكلة من قصبة أو عدة قصبات. والقصبات عبارة عن دور أو إقامات محصنة مخصصة لسكنى الأعيان وعلية القوم، مشيدة في مواقع استراتيجية داخل القصر أو في محيطه.

وتتمتع القصبات والقصور، بعد أن لعبت دورا رئيسيا لعدة قرون، بقيمة معمارية وثقافية وجمالية معترف بها، لما يختزنه هذا التراث المعماري المبني بالتراب أو الحجارة من شواهد عن المهارات المتوارثة وقابليته للتكيف والتأقلم المنسجم مع البيئة الطبيعية والظروف المناخية والخصائص الاقتصادية والاجتماعية للسكان. وفي الواجهة الجنوبية لسلسة جبال الأطلس، يبرز هذا الإرث شواهد عن تاريخ المنطقة أو الجهة، ويحمل السمات المميزة للفن الأمازيغي. وتعكس هذه التجمعات السكنية في نمطها المعماري المتفرد الذكاء في تأقلم الإنسان مع محيطه، فضلا عن روح التضامن الشائد في المجتمعات المحلية المستقرة بها. كل هذه المميزات والقيم شفعت لهذا النمط العمراني بنيل اعتراف اليونسكو من خلال تسجيل قصر آيت بن حدو المتواجد قرب ورزازات في قائمة التراث العالمي. وفي حهة سوس ماسة درعة، تم جرد أكثر من 86 قصر و300 قصبة، إلا أن 200 قصبة منها تعرف وضعية متقدمة من الأندثار.

وهي كل ما يتعلق أساسا بالمساجد والمدارس العتيقة والزوايا وأضرحة الأولياء الصالحين والعابد اليهودية والكنائس المسيحية. وفضلا عن كونها أماكن لتأدية العبادات، فالمساجد مؤسسات اجتماعية وتربوية مشفوعة غالبا، بمدارس للتعليم العتيق، وفي بعض الحالات بجامعة عتيقة كما هو الحال بالنسبة لمسجد القرويين بفاس. كما أن المدارس الدينية هي مؤسسات مخصصة حصريا للتعليم الديني ظهرت ا،طلاقا من عهد الدولة المرينية ابتداء من القرن 13 الميلادي.

يعكس التراث المعماري الديني حيوية الإسلام وقيم التعايش مع الطوائف اليهودية والمسيحية التي سادت أغلب الحقب التاريخية بالمغرب. وكصورة أصيلة لمظاهر التسامح والعيش المشترك اللذان طبعا، المغرب دوما، يقدم هذا التراث الديني، المتنوع والغني، للأجيال اللاحقة شواهد خالدة عن مغرب الأجداد. لهذا فإن مسؤولية المحافظة على هذا الإرث بأمانة تامة اقتداء بقيم الاحترام المتبادل والتسامح هو واجب يحتم علينا صيانة هذه الذاكرة. لهذا، أصبح من الضروري اتخاذ تدابير استعجاليه لحماية وتثمين هذا التراث الثقافي النفيس لإنقاذه من الزوال.

يشمل التراث المعماري نمطين من البنايات: (أ) المعالم التاريخية أو البنايات التي تقع داخل المدن العتيقة أو بالأحياء المعاصر التي تعود لفترة الحماية؛ (ب) المعالم التاريخية أو البنايات التي توجد بالوسط القروي. ويندرج في الصنف الأول على سبيل المثال المدارس العتيقة ومسجد القرويين ومسجد الأندلس وقصر البطحاء بفاس. مسجد حسان وقصبة الأوداية ومقر بنك المغرب ومقر البريد المركزي بالرباط. المسجد الأعظم والمدرسة المرينية بسلا. فندق لينكولن وكاتدرائية القلب المقدس والجازر القديمة بالدار البيضاء. المنارة وقصر الباهية وقصر البديع بمراكش.

يتألف هذا التراث الثقافي من المجموعات المتحفية العمومية والخصوصية، والتي تبققع غالبيتها تحت وصاية قطاع الثقافة، وتشرف على إدارتها وتدبيرها المؤسسة الوطنية للمتاحف المحدثة سنة 2011. وتتكون هذه المجموعات من صنفين: التحف الأثرية والتحف الإثنوغرافية. يعود مصدر التحف الثرية إلى مجموع  المكتشفات المتحصلة من برامج الحفريات الأثرية المنجزة طيلة ما يقرب من قرن من الزمان على امتداد التراب الوطني، في حين شكل الصنف الثاني ولا زال، في نطاق ضيق، جزءا من التراث المادي المنقول الذي تنتجه الثقافة الوطنية.