التعليم العالي في المغرب: الكثير من الجامعات، لكن أين العلماء؟
في الحاجة لإعادة التفكير في المناهج الدراسية.

عبد العزيز الخطابي
في بلد يُعدّ فيه التعليم العالي جزءًا من التراث الثقافي، حيث تُعتبر جامعة القرويين من أقدم الجامعات في العالم، قد يتساءل الكثيرون: “أين ذهب كل هذا العلم؟” يبدو أن لدينا العديد من الجامعات، لكن النتيجة هي أن عدد العلماء في المغرب لا يُقارن بالمؤسسات التعليمية. إنها مسألة مثيرة للسخرية، لكن دعونا نتعمق في هذا اللغز.
نحن نعيش في عصر يُعزز فيه التطور التكنولوجي والابتكار من مكانة الدول، لكن المغرب، مع وجود 13 جامعة خصوصية و14 جامعة حكومية، يبدو وكأنه عالق في زمن قديم. ربما نحتاج إلى التفكير في أن هذه المؤسسات ليست أكثر من أرقام في قائمة، تُظهر كم نحن
متقدمون على الورق. لكن عند النظر إلى الواقع، نجد أن الكثير من الطلاب يتخرجون بشهادات لا تعني شيئًا في سوق العمل. لذا، هل هذه الجامعات مجرد مصانع لشهادات بلا قيمة، أم أن هناك شيئًا أكثر تعقيدًا يحدث؟
إذا نظرنا إلى جودة التعليم، نجد أن الكثير من الطلاب يتخرجون من الجامعات وهم في حالة من الضياع الفكري. هل تعلم أن بعضهم لا يعرف الفرق بين “الفيزياء” و”الفلسفة”؟ هذا ليس بسبب نقص الذكاء، بل لأن المناهج الدراسية تفتقر إلى التحديث، وكأنها مُصممة في القرن التاسع عشر. نتخرج من هذه الجامعات بشهادات، لكن مع مهارات تُشبه تلك التي نحتاجها في لعبة “من سيربح المليون” وليس في سوق العمل.
البحث العلمي، وهو المفترض أن يكون قلب الجامعات، يُعاني من حالة من الانهيار. يُظهر عدد قليل من الجامعات تفوقًا في الأبحاث، لكن معظمها يعيش في ظل التخلف العلمي. الميزانية المخصصة للبحث العلمي تكاد تكون نكتة، مما يجعل من الصعب على الأساتذة والطلاب تحقيق إنجازات حقيقية. كيف نتوقع أن ننافس الدول المتقدمة بينما لا نملك حتى مختبرات مجهزة؟
وفيما يتعلق بسوق العمل، يبدو أننا نعيش في عالم موازٍ. يُخرج التعليم العالي أعدادًا كبيرة من الخريجين، لكن معظمهم يجدون أنفسهم يتجولون في الشوارع باحثين عن عمل. الفجوة بين التعليم واحتياجات السوق تشبه الفجوة بين الخيال والواقع. هل من المعقول أن نُخرج طلابًا بشهادات في مجالات لا يحتاجها السوق؟ يبدو أن هناك حاجة ماسة لإعادة التفكير في المناهج الدراسية، ولكن من يهتم؟ ربما نحتاج إلى تسويق “شهادة البقاء في المنزل” كخيار أكاديمي جديد.
أما الثقافة العلمية في المغرب، فهي في حالة من التدهور. يُفضل الكثير من الطلاب متابعة المسلسلات التلفزيونية على قراءة كتاب علمي، وكأننا نعيش في عصر الجهل. إذا أردنا أن نكون جزءًا من العالم المتقدم، علينا تعزيز الثقافة العلمية، وليس فقط في الجامعات، بل في المجتمع ككل. لكن، من يحتاج إلى العلوم عندما يمكنك مشاهدة “الدراما”؟
في نهاية المطاف، يبدو أن التعليم العالي في المغرب يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة. نحن بحاجة إلى المزيد من الاستثمارات، والمزيد من التفكير النقدي، والمزيد من التعاون بين الجامعات وسوق العمل. إذا استمررنا على هذا المنوال، فلن نرى علماء مغاربة يحصلون على جوائز نوبل قريبًا. سنظل نحتفل بوجود عدد كبير من الجامعات، بينما ننسى أن العلم هو ما يُحدث الفرق. لذا، نأمل أن يتغير هذا الواقع، قبل أن نصل إلى النقطة التي نحتاج فيها إلى شهادة “ماجستير في السخرية” لنفهم ما يحدث.
