حوار: سناء كريم
في حوار مع جريدة “المنعطف”، أوضح عدنان المتفوق، عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب إيجابيات العقوبات البديلة كوسيلة للتخفيف من اكتظاظ السجون، وأكد على ضرورة التعاطي مع مقتضيات العقوبات البديلة بنوع من الضبط، و الحزم قصد ضمان نجاحها..
** في تصريح لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، أبرز هذا الأخير أن العقوبة السالبة للحرية لاسيما القصيرة المدة وسيلة عقابية باهظة التكاليف لاسيما في ظل الارتفاع المتزايد للساكنة السجنية. ما هو تعليقك؟
إن المؤسسات السجنية اليوم أصبحت تعاني من معضلة التضخم والاكتظاظ نظرا للأعداد الهائلة من النزلاء الذين يقطنون داخلها، والذين غالبيتهم محكوم عليهم بعقوبات حبسية قصيرة المدة، ولكون هذا المشكل تعاني منه غالبية الدول بدأ التفكير في إطار السياسة الجنائية العامة التي تنهجها جل دول العالم، و من بينها المغرب التفكير في إيجاد بدائل العقوبة، عوضا أن يقضي المحكوم عليه عقوبته بالسجن خاصة بالنسبة للعقوبات البسيطة التي لا تتجاوز خمس سنوات حبسا نافذا، ومن بين البدائل التي اعتمدتها بعض التشريعات المقارنة نجد:
– السوار الإلكتروني، و هو جهاز يوضع على اليد أو الرجل و له رقم تراقب من خلاله الضابطة القضائية مدى التزام المحكوم عليه بعدم مغادرة الدائرة المحددة من طرف جهاز العدالة و ذلك خلال مدة معينة، و ذلك في إطار احترام حقوق و حريات المحكوم عليه المكفولة له دستوريا و قانونا.
– العمل من أجل المنفعة العامة و ذلك عن طريق إدماج النزلاء داخل المجتمع و ترسيخ مبادئ المواطنة لديهم من خلال تعويض العقوبة الحبسية بإجراء آخر يستفيد منه المجتمع، و كذا النزيل من خلال قيام هذا الأخير ببعض الأعمال لصالح بعض المؤسسات كالجماعات الترابية.
– الغرامة اليومية (أو ما يصطلح عليه بغادي تشري الحبس ديالك) ظاهريا يبدو من خلال هذا الإجراء أنه لن تكون هناك مساواة بين المحكوم عليه الميسور، و المحكوم عليه غير قادر على أداء الغرامة، وهنا يجب أولا الإشارة أن العقوبات البدلية لا تطبق على جميع الجرائم فقد حدد لها المشرع في التشريعات المقارنة قيودا سواء من ناحية الجرائم المرتكبة أو من خلال الأشخاص المستفيدين من هذا الإجراء (انعدام السوابق والاستفادة لمرة واحدة)، كما حدد المشرع حدا أدنى، و أقصى لهاته الغرامات تراعي الحالة الاجتماعية للمحكوم عليه، يمكن الحكم على الشخص إذا كان لخوله أداء هاته الغرامة بعقوبة بديلة أخرى كالعمل من اجل المنفعة العامة، كما أنه لا يمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية إلا بعد الإدلاء بما يفيد صلح أو تنازل صادر عن الضحية حسب بعض التشريعات المقارنة.
– إما بتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية
** ما هي فلسفة العقوبات البديلة؟
يعتبر مصطلح العقوبات البديلة مصطلحا جديدا رغم تطبيقاته على بعض القوانين الجنائية التقليدية، ويقصد بها كل العقوبات التي تكون بديلا عن العقوبة الحبسية القصيرة المدة، أي يسمح باختيارها في حالات محددة قانونا مكان العقوبة السالبة للحرية، وهذا لا يعني استبعادها بل يعني فقط إمكانية استبدالها بعقوبة بديلة تتخذ مظهرا غير تقليدي، وعرفها غالبية فقهاء القانون الجنائي بأنها تلك الجزاءات التي يضعها المشرع أمام القاضي لكي تحل بصفة ذاتية، أو موازية محل العقوبة السالبة الحرية قصيرة الأمد، وبالتالي يمكن القول أنها تتخذ نفس الإجراءات الجنائية العادية وتصدر عن طريق حكم قضائي ولكن بدلا من صدور هذا الحكم بعقوبة سالبة للحرية فإنه يصدر عقوبة بديلة لا تنطوي على سلب حرية المحكوم عليه، إذن فالعقوبات البديلة فيما يعود لدينا من اعتقاد متواضع، تعتبر بمثابة نظام قانوني يتيح قضائيا إحلال عقوبة من نوع آخر محل عقوبة الحبس الاصلية، ولهذه الاعتبارات فإن فلسفة العقوبات البدلية تتمثل أساسا في التخفيض من عدد الساكنة السجنية، خاصة أمام اكتظاظ السجون و التكلفة المالية والاجتماعية للعقوبة السجنية، إضافة إلى تأثير العقوبة الحبسية على أسرة المحكوم عليه من خلال فقدان مورد دخلهم في بعض الأحوال والإنقطاع الدراسي للأطفال في بعض الحالات الخرى و انحرافهم…
** ما مدى تقبل عائلات الضحايا منح المتهم عقوبة بديلة عن السجن؟
إذا أخذنا بعين الاعتبار ما هو شائع بالدارجة المغربية “الحبس كيربي” و ما ساد بمواقع التواصل الاجتماعي أن العقوبات البدلية سوف تشجع على الإجرام
الإجابة على هذه التساؤلات تحيلنا على أن المشرع المغربي شأنه شأن باقي مشرعي دول العالم، قبل أخذه أو اعتماده لأي مقتضى تشريعي، فإن الأمر يقتضي إجراء دراسات في عدة مجالات سواء أكانت في علم الاجتماع أو في غيرها مع استنباط بعض المقتضيات من القوانين المقارنة.
هذه الدراسات أبانت أن العقوبات القصيرة المدة لا تؤدي الغرض منها و هي إعادة إدماج المحكوم عليه في المجتمع، بل إن هذه العقوبات يمكن أن تعطي نتيجة عكسية و تشكل منطلقا لتشجيع المحكوم عليه على ارتكاب جرائم أخرى
فالشخص الذي يرتكب جريمة لأول مرة (ليست له سوابق قضائية) يكون قد أخطا، و من يخطئ يتعين إعادة تربيته و إدماجه في المجتمع وليس الانتقام منه، لأن الانتقام هو إجراء تجاوزته القوانين المعاصرة لكونه ليس في مصلحة المحكوم عليه و لا في مصلحة المجتمع ولا مؤسسات الدولة.
إضافة إلى أن العقوبات البديلة لا يستفيد منها الشخص إلا إذا كان عديم السوابق القضائية، ولمرة واحدة فقط حسب ما ذهبت إلى ذلك بعض التشريعات المقارنة و هو ما يمكن أن يدحض ما قيل أن هاته العقوبات من شأنها أن تشجع على الإجرام. فضلا عن هذا فالقانون هو أسمى تعبير عن إرادة المجتمع، وهنا أقول إن عائلة الضحية القانون بدوره تدخل لحماية حقوقها عبر إمكانية انتصاب الضحية كمطالب بالحق المدني والتماس التعويض عن الضرر الحاصل له، أما عدا ذلك فهو اختصاص حصري وأصيل للقضاء في اختيار العقوبة الملائمة للجاني وتحديدها وتقديرها
** هل سينجح المغرب فعليا في تفعيل العقوبات البديلة على أرض الواقع؟
أي إجراء جديد، أو مقتضى تشريعي جديد سيطرح عدة إشكاليات أثناء تطبيقه على أرض الواقع، و هنا سيتم تحيينه في عدة مناسبات حتى يحقق الغاية المتوخاة منه وتجاوز الإشكالات، أما عن نحاح تجربة من عدمها ينبغي الحديث عنه بأرقام ومؤشرات توضح لنا إلى أي حد استطعنا التعامل مع العقوبات البديلة في علاقة بتحقيق أغراضها، وهذه معطيات لا نتوفر عليها حاليا. لذلك أقول أنه يتعين إشراك كافة المتدخلين كقطاع الصحة و الفلاحة والتعليم و كذا الجماعات المحلية، والمجتمع المدني، والإعلام في إنجاح هذا الورش التشريعي.
**في نظركم، هل اعتماد نظام العقوبات البديلة حل حقيقي لتجاوز الاشكالات المطروحة”؟
ينبغي التذكير على أن حالة العود للجريمة أصبحت مقلقة جدا، حيث أن نسبة العود للإجرام مرتفعة جدا بعد قضاء عقوبة قصيرة المدة، لذلك تم اقتراح عقوبات بديلة اقل تكلفة، وأكثر نجاعة، حيث إنه في بداية الأمر كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان سباقا بدعوته إلى الانفتاح على التجارب المقارنة، وتبني المرجعية الدولية الصريحة لإقرار تشريع ينص فيه على العقوبات البديلة، خاصة الرجوع إلى مختلف قواعد الأمم المتحدة والوثائق المختلفة الصادرة عن مختلف هيئات مجالس أوربا في مجال العقوبات البديلة. لقد أخذ مفهوم العقوبات البديلة للحبس مكانا مميزا جعله يطفو بقوة على الساحة القانونية والقضائية من خلال الدعوات التي أطلقت سواء من قبل الفقهاء والباحثين في مجال الجريمة نتيجة لما كشفه الواقع العملي وكذا الدراسات والأبحاث الميدانية من مساوئ السجون وما يترتب عليها من أضرار ومخاطر تلحق سواء بالسجين، وأسرته وكذلك الميزانية العامة للدولة، مما دفع الأمم المتحدة من خلال مؤتمرات والاتفاقيات على الدعوة بضرورة البحث عن بدائل تحل محل السجن تراعي من خلالها حقوق الإنسان، وبالتالي فإنه ممكن جدا أن يكون هذا النظام المعتمد- العقوبات البديلة- حلا حقيقية على الأقل من أجل التخفيف من مشكل الاكتفاء وظاهرة الإجرام البسيط.
**في ظل ضعف عدد القضاة. ألا ترى أن تفعيل العقوبات البديلة من طرف القضاة ومراقبة تنفيذها سيزيد من أعبائهم؟
أولا يجدر التأكيد على أن الخصاص في الموارد البشرية المتعلقة بالسادة القضاة مشكل يؤرق بال المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي بدوره يحاول قدر استطاعته من أجل تخطيه و التغلب عليه، و لعل دليلنا بذلك هو تعيين 250 قاضيا ينتمون إلى الفوج 45، و هناك الفوج 46 من الملحقين القضائيين و الذي يبلغ عدده 250 مازالوا ملحقين بمختلف محاكم المملكة، والذين ينتظرون تعيينهم من طرف جلالة الملك، ناهيك عن الفوج 47 الذي هو موجود الآن بالمعهد العالي للقضاء في طور التكوين و عدده 300 ملحقا قضائيا، بالإضافة الى إعلان المجلس الأعلى للسلطة القضائية عن مباراة الملحقين القضائيين الفوج 48 حيث ينتظر توظيف 300 ملحقا قضائيا جديدا سيخضع للتكوين الذي قلصت مدته إلى سنة واحدة عوض سنتين مراعاة في ذلك الخصاص الموجود في عدد السادة القضاة.
إن الأعباء المهنية جزء من عمل القاضي، بحيث لا بد في بداية هذه التجربة أن يتم التعاطي مع مقتضيات العقوبات البديلة بنوع من الضبط، و الحزم قصد ضمان نجاحها أولا، و كذلك بغية تحقيق الغاية التي جاءت من أجلها هذه العقوبات البديلة ثانيا، فالسادة القضاة بمختلف محاكم المملكة يستطيعون التغلب على كل العراقيل التي قد تواجههم و حتى إن كانت أعباء جديدة ستضاف لمهامهم لكن بالمقابل ينبغي تحسين ظروف عملهم وكذا تحفيزهم ماديا ومعنويا بما يليق ومكانتهم الاجتماعية ويضمن أمنهم المهني.
** هل سينتهي مشكل اكتظاظ السجون فعليا بتفعيل العقوبات البديلة؟
إن السياسة الجنائية اليوم أصبحت تبحث عن ميكانيزمات جديدة لتنفيذ العقوبات الجنائية، كما تحاول على قدر الإمكان تفادي العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، اعتبارا أن هذه الأخيرة أثقلت كاهل الدولة من حيث نفقات تنفيذها هذا من جهة ومن جهة ثانية بدل أن تكون وظيفة العقوبة ردع المجرمين ومنعهم من العود أصبحت العقوبة الحبسية قصيرة المدة دافعا لإجرام جديد.
لذلك فإن الجزم بانتهاء مشكل اكتظاظ السجون بتفعيل العقوبات البديلة من عدمه لا يستقيم، غير أنه يمكن التأكيد على أنه سنكون أمام نوع من التخفيف من الاكتظاظ الموجود بالسجون إلى حين انتشار فكرة العقوبة البديلة وأبجديات تطبيقها، كما أن العقوبة البديلة ستعطي خيارات إضافية للسادة القضاة يمكنهم اللجوء إليها قصد ترشيد الحكم بالحبس، وعدم اللجوء إليه إلا في الحالات الضرورية، أو التي لا يسوغ تطبيق العقوبات البديلة.
** ساد جدل حول “شراء الحبس” كعقوبة بديلة. ما هو تعليقكم؟
إن السياسية العقابية الحديثة اتجهت نحو خلق عقوبات بديلة ذات طبيعة مالية – الغرامة اليومية – عوض العقوبة الحبسية قصيرة المدة، وذلك عبر جعل المحكوم عليه يقوم بدفع مبلغ مالي يحدد من لدن قاضي الحكم إلى الخزينة العامة المكلفة باستخلاص الغرامات، و تطبق عقوبة الغرامة اليومية في حق الرشداء، لكن ينبغي لنجاح فلسفة هذه العقوبة أن تتظافر جهود مختلف أجهزة العدالة الجنائية بشكل أوثق من أجل التقليص ما أمكن من اللجوء للاعتقال، لأنه لا يمكن تخفيض عدد الساكنة السجنية إلا عبر استراتيجية متشاور بشأنها.
لكن في نظرنا، من الصعب أن تجد هذه العقوبة البديلة مجالا للتطبيق بالرجوع إلى خصوصية طبيعة الجرائم المقترفة، حيث أعتقد على أنه من الصعب على مجرم اقترف جنحة السرقة الزهيدة أن يوافق على تنفيذ عقوبة الغرامة اليومية على اعتبار أن هذه العقوبة قد تساعد المجرم الغني الذي يمكنه أن يؤدي المبالغ المحكوم بها، و بالتالي هنا نكون أمام عدم عدالة النص التشريعي الذي من المفترض فيه أن يكون مجردا، و موضوعيا واجب التطبيق على الجميع.