ليلى خزيمة
ضم معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية في نسخته الاولى، مجموعة متنوعة من المحترفين في القطاع، وعشاق ألعاب الفيديو، ومستثمرين، وممثلي الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا. وقد شكلت منصات العرض مسرحا إبداعيا خصبا لهؤلاء. التقت الشركات الناشئة بحاضنات الأعمال وممثلي التكوين والاستثمار، لتصميم ملامح المغامرة في صناعة الألعاب. فضاء حقيقي للابتكار، فكل مؤسسة أو شركة هي عبارة عن نافذة مفتوحة على خيال رواد الأعمال والمبدعين الشباب.
المعرض مساحة لإنعاش وتجديد الطاقات
أظهرت فعاليات معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية 2024 على أنه منصة رئيسية لتغيير الأفكار والتعاون والتطوير في مجال الألعاب. كما أبرزت طموح المغرب في لعب دور الريادة في هذه الصناعة المزدهرة. وفي هذا الإطار، قال أوليفييديلاند مدير شركة “سايد” للمنعطف 24: «سعيد جدا لأنه تمت دعوتي للمشاركة في النسخة الأولى لمعرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية. كمستثمرين في الميدان، مهمتنا هي مساندة مطوري البرامج الالكترونية من الفئة المتقدمة فيما يخص التجارب والتموقع والفن ومساندة اللاعبين. فنحن دائما في خدمة الصناعة في شموليتها، مما يلزمنا بالتأقلم مع متطلبات مطوري الألعاب والبحث دائما عن محاور جديدة ومراكز جديدة في صناعة الألعاب. وهذا مهم جدا لأننا في حاجة دائمة إلى موارد وأفكار وطاقات جديدة. بالنسبة لخدماتنا فتعتمد على المترجمين والمجربين والمبدعين. لذا فنحن بحاجة إلى التجدد واكتشاف مناطق فتية تتوفر على هذه الطاقات وبها دعم من الحكومات وتمويل ومبادرات. لذا،فحضوري هنا ليس فقط فخر بتقاسم معارفي في الصناعات الالكترونية التي طورتها لما يقارب 25 سنة، بل أيضا هي فرصة لإنعاش وتجديد الطاقات والمحاور لأن هذا هو المستقبل. فصناعة الألعاب الالكترونية تتطور وتنتقل باستمرار من مكان إلى آخر، والمراكز تتوالى الواحدة تلوى الأخرى. فتلك التقليدية باليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا تحتاجإلى المنافسة. وهذا المعرض هو المطلوب».
وفي مداخلته، قال تاكايا إيمامورا، المبدع الفني السابق في “نينتندو” وضيف شرف المعرض، أنه على يقين من أن معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية له تأثير كبير على المستوى المحلي والدولي لتطوير صناعة ألعاب الفيديو. فالمغرب فتح آفاق جديدة للشباب الموهوبين في البلاد: «إن تطوير ألعاب الفيديو في أفريقيا يتطلب من المطورين إطلاق العنان لخيالهم، وهو ما سيسمح بظهور العديد من الأفكار الجيدة».
الإنتاج والترويج، الرؤية الاستراتيجية للمعرض
اقترح المعرض على زواره مسابقات رياضية إلكترونية مع جوائز تحفيزية مغرية، الشيء الذي أضفى على الحدث بُعدا تنافسيا ومتعة، جذبت العديد من المشاركين.وهذا ما أكدته لنانسرين السويسي مديرة معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية: «هذا المعرض أتاح أربع منصات: منصة البطولات، منصة العرض، منصة التبادل والتعاون ما بين الشركاء والمهنيين المشتغلين في القطاع ومنصة الندوات.الهدف من هذا هو الترويج لصناعة الألعاب الالكترونية على الصعيد المغربي والعالمي. اكتشفنا أنه بالنسبة للعديد من المواطنين، الألعاب الالكترونية تتلخص فقط في اللعب،بينما نحن نريد الترويج لصناعة الألعاب الالكترونية. ولهذا الغرض قمنا باستدعاء جميع الفاعلين في القطاع من شركاء في البنية التحتية، شركات الاتصال، وشركات ناشئة تعمل في مجال صناعة الألعاب الالكترونية، والجامعات التي توفر إمكانية الدراسات العليا في المجال وكذلك المستثمرين الذين يواكبون الشركات الناشئة لتتطور في مجال صناعة الألعاب الالكترونية.
الغرض من المعرض كذلك كان هو المرور من الاستهلاك إلى الإنتاج ومحاولة تغيير طريقة تفكير المواطن حتى لا يضل فقط مستهلكا للألعاب الالكترونية. فلدينا عدد كبير من الشباب يعملون في هذا المجال، لكن للأسف غير معروفين. دور المعرض كان محاولةإبراز هذه الطاقات لإنتاج الألعاب الالكترونية التي يشتغلون عليها ويروجون لها على الصعيد العالمي في إطار رسمي.»
من جهته، صرح أوليفييويلاند: «أنا جد متفائل بمعرض الرباط مدينة الألعاب. ما ألمسه هو أن الاستثمارات والقابلية والرغبة متوفرة لتمثيل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيافي هذه الصناعة من خلال المغرب. وأنا معجب كذلك بالمحاور التي تمت مناقشتها ونوعية المتدخلين والرغبة في مساندة ثقافات لم تحظ من قبل بتمثيلية كافية. وأظن أن إفريقيا تتوفر على مؤهلات كثيرة وعالية يمكن أن يتجدد بها الميدان وسيكون لها وقعها الخاص».
الألعاب الالكترونية بنون النسوة
شمل برنامج المعرض العديد من الندوات والموائدالمستديرة تطرقتلمواضيع متنوعة، ناقشت اتجاهات مختلفة انطلاقا من صناعة ألعاب الفيديو إلى منظور الرياضة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وصولا إلى وضعاستراتيجيات إنشاء نظام بيئي للألعاب بالمغرب. وقد تقاسم المهتمونوالخبراء الدوليين المعرفة والخبرات. كما أكدت حوارات المتدخلين في المعرض على أن هذا الميدان هو من أكثر الصناعات تطورا وإدرارا للمداخيل وبالتالي فهو يستدعي تواجد العديد من الكفاءات التي يتوفر عليها المغرب. كما تطرق النقاشإلى الحضور النسوي الضئيل في مجال الألعاب الالكترونية. فغالبا لا يتعدى تدخلهم مرحلة التصميم. خير دليل على هذه المعطيات هو أن 80 بالمائة ممن تم تسجيلهم هم من الشباب الذكور بينما مثل العنصر النسوي فقط 20 بالمائة. وقد أكد المتدخلون على أن المسألة لا تتعلق بالكفاءة والإمكانيات العلمية والمعرفية، بل بالعكس، فالمرأة لها قابلية ورغبة وطموح يمكنها من الخوض في أي مجال. لذلك سيتم تعزيز الترسانة التحسيسية لدمج عدد أكبر من النساء وتوفير التوازن في هذا الميدان.
الألعاب الالكترونية في قلب الترسانة التعليمية
شاركت العديد من المؤسسات في هذا الحدث غير المسبوق للتعريف بمشاريعها والبحث عن آفاق جديدة للتعاون. تقول الدكتورة هناء بلمجدوب عن كلية العلوم بالرباط: «أنا والأستاذ خالد ميناوي نشرف على تأطير طلبة يقومون بتطوير تطبيقات للألعاب. نحن اليوم في هذا المعرض نمثل جامعة محمد الخامس وبالتحديد مختبر المعلوميات والتواصل. في مختبرنا، نشتغل على العديد من المواد من بينها تطوير تطبيقات الألعاب الكترونية. حاليا، الكل يشتغل ضمن الذكاء الاصطناعي. فالهدف من عملنا في المختبر ليس الألعاب الالكترونية بالمعنى المتعارف عليه وإنما الهدف هو إدراج الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين أو تطوير تطبيقات الألعاب من خلال استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي والعمق الآلي. مشاركتنا في المعرض هي من أجل عرض ما قمنا به وكذلك من أجل البحث عن شركاء».
وفي هذا الإطار، تحدث لنا أيوب حسوان طالب بالسنة الأولى ماستربمختبر المعلوميات والتواصلبجامعة محمد الخامس عن تطبيقه: «مشروعنا يتضمن معظم جوانب المعلوميات مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الموزعة والتوازي. فاللعبة تعتمد على خلق تطبيق يُمَكِّن العديد من الاعبين من الانخراط فيه من أجل هدف مشترك هو السيطرة والتحكم في مجريات اللعبة. كل طالب يتوفر على حاسوب وآلة تحكم يلعب بها، يلج الملعب مع البقية للمنافسة. ميزة اللعبة هي عوض أن يكون اللاعب ثابتا خلف حاسوبه، سيتمكن من التفاعل عن طريق حركة اليد. وهنا يتدخل الذكاء الاصطناعي. أما نظام التوزيع، فيترجم من خلال إمكانية ولوج العديد من الطلبة لنفس التطبيق ونفس اللعبة في نفس الوقت. فكرة اللعبة تعتمد على مبدأ لعبة “أغاريو”. كل لاعب له شخصية خاصة به، هدفههو التهام أكبر قدر ممكن من الأكل لتنمية حجمه وفي نفس الوقت، عليهتجنب أن يكون الفريسة. من يستطيع أن يتجاوز كل هذه المخاطر هو الذي سيتحكم في مجريات اللعبة».
من جهته أضاف شريكه عثمان زروق أن: «هذه هيأول مشاركة لنا في حدث وتظاهرة من هذا الحجم. فعندما سمعنا بتنظيم معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية، تحمسنا للمشاركة في فعالياته لنقدم للمهتمين تطبيقنا والبحث عن شركاء من أجل تطوير مشروعنا. هناك العديد من الأفكار التي نود إدراجها كي يصبح التطبيق أكثر تنافسية في السوق. فالهدف من المشاركة هو البحث عن متعاونين من مؤسساتأخرى وكذلك إبرام شركات في الميدان».
مسار لعبة وتطبيق حسين شاقرا طالب بقسم علم هندسة البيانات،رغم اعتماده على الذكاء الاصطناعي كتقنية لتطوير التطبيق، أخذ توجها مغايرا يركز أكثر على منظومة التعليم كدعامة أساسية للعبة: «فكرة مشروعنا هي المزج ما بين متعة اللعب وحب التعلم والاستفادة. خلال بحثنا، توصلنا إلى نتيجة مفادها أن العديد من الشباب يستخدمون الهاتف النقال بطريقة غير مفيدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومسطحات الألعاب. فارتأينا أنندرج نوعا من التعلم في إطار الألعاب التي تستهويهم. يعني أن يكون التعلم والدراسة ضمن جوهر ومبادئ اللعبة. من هنا جاءت فكرة الاشتغال على لعبة تتشكل من العديد من الجزر. كل جزيرة هي عبارة عن مستوى معين في اللعبة. في كل مرة يجيب الشخص على مجموعة الألغاز سواء في الرياضيات أو اللغة أو الفيزياء أو غيرهافي مجال التعليم والتعلم، يتمكن من فتح باب يوصله إلى جزيرة أخرى أي إلى مستوى آخر من اللعبة. هذا التطبيق وهذه اللعبة مطورة بتقنية الذكاء الاصطناعي. نقوم بالتحكم في المراحل الأولى لتحديد مستوى ذكاء اللاعب كي يقترح عليه الذكاء الاصطناعي المراحل الموالية حسب قدراته التعليمة والمعرفية انطلاقا من إجاباته. اللعبة الحالية هي في مجال الرياضيات والبرمجة التنافسية التي هي أساس المعلوميات والعلوم. واعتمدنا الذكاء الاصطناعي لأنه هو القادر على تشخيص اللعبة حسب الفرد ومستوى ذكاءه. في نفس الوقت هي لعبة لا متناهية، ويمكن لأي شخص في أي سن وأي مستوى دراسي من الخوض فيها دون حواجز أو معيقات. والميزة الأخرى لهذا التطبيق هو توجيه الشخص للمراحل التي يجب المرور منها من أجل تعلم البرمجة التنافسية بأحسنوأسهل طريقة. وللإشارة، ففكرة الجزر هي من اقتراح الذكاء الاصطناعي الذي أصبح أبرز الدعائم في المجال العلمي».
مدينة الألعاب الرباط
ضم المعرض كذلك فضاء خاص بالمسابقات جمعت المشاركين المتأهلين للنهائيات واكتشفهم الجمهور خلال اللعب. كما تمكن الزوار من الاستمتاع بالعديد من الألعاب في فضاء خاص حاول المنظمون أن يمزجوا فيه ما بين ألعاب تقليدية وأخرى جديدة. فالهدف من المعرض هو الترويج لصناعة الألعاب ومساندة الشباب في الميدان. وتتويجا لأهداف معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية، أبرم وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد اتفاقا استراتيجيا مع شركة “تمويلكم”، بحضور مديرها العام هشام الزناتي السرغيني. تهدف هذه الشراكة إلى تنشيط صناعة الألعاب الإلكترونية في مدينة الألعاب بالرباط، وهو مشروع طموح يهدف إلى إنشاء مجموعة من الشركات الوطنية والدولية وجعل الرباط مركزا رئيسيا للألعاب في إفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.فصناعة الألعاب الإلكترونية كما أكد السيد الوزير تمثل عنصرا حيويا في المغرب، وهي قطاع مختلف عن بقية القطاعات، بما أن مادته الخام والأولية ترتكزعلى الجانب الثقافي والإبداعي، ومرتبطةبالشباب على نحو أساسي.فالرهان من خلال هذا المعرض هو:«المرور من مرحلة عنوانها الاستهلاك إلى أخرى سمتها التصنيع، وذلك في إطار الرؤية الملكية التي تجعل الثقافة والتراث ورأس المال البشري أساس مشروعنا للمجتمع والتنمية».
الرضا والنجاح، كلمات سحرية توجت الحدث
الأيام الثلاثة كانت مساحة زمنية مثمرة على جميع الأصعدة. المنصات الأربع أدت مهمتها بنجاح، فكان الصدى الطيب عند نهاية المعرض في الموعد: «يسعدنيأن أؤكد لكم أن معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونية حقق توقعاتنا بالكامل. لقد كان بمثابة منصة ممتازة لتبادل الأفكار المبتكرة وتقديم عملنا إلى جمهور أوسع. الأمر الذي أثار نقاشات بناءة ومكننا من تلقي تعليقات إيجابية وخلق فرص جديدة للتعاون. لقد أتيحت لنا الفرصة لتحصيل العديد من المعارف المثيرة للاهتمام والثرية. وقد عززت هذه الاجتماعات شبكتنا المهنية وفتحت الباب أمام شراكات مستقبلية محتملة.» تقول الدكتورة هناء بلمجذوب. هذا الرضا سيستشف من نسبة الإيرادات التي تسعى صناعة الألعاب الاليكترونية من تحقيقها. فقد جاء في تصريح السيد محمد المهدي بنسعيد في يوم الافتتاح أن المغرب: «ملتزم بإنشاء صناعة للألعاب الإلكترونية، لتحقيق ما لا يقل عن 1℅ من الإيرادات التي تحققها هذه الصناعة العالمية والتي تبلغ أكثر من 300 مليار دولار. لذلك كان من الضروري إنشاء نظام وبنية تحتية لتكوين وربط العلاقات بين الشركات الناشئة المغربية والشركات العالمية. كما أن هذا المعرض الأول يهدف بشكل خاص إلى استقطاب كبار المستثمرين في هذا المجال من أجل خلق ديناميكية إيجابية حتى تتمكن شركاتنا من التطور».
الزوار كذلك كان تنقلهم بين مختلف المنصات مثمرا. فبوجود اليابان كضيف شرف هذه النسخة الاولى من المعرض، تمكنوا من الحصول على توقيع وإهداء خاص منإلاه الألعاب الإلكترونية الرسام الياباني الشهير تاكايا إمامورا. هذا الأخير، استغل فرصة تواجده بالمغرب لشحن طاقته الإبداعية: «المناظر الطبيعية المغربية ألهمتني كثيرا لمشاريعي»، خصوصا أنه يكرس نفسه حاليا للمونغا التي رسمها في شبابه، “أوميغا 6” والتي سيتم نشرها هذا الصيف على نطاق عالمي. ووفقا لتصريحات إمامورا: «سيتم تحويله قريبا إلى لعبة فيديو».
وقد اختتمت فعاليات هذا الحدث بحفل توزيع جوائز بطولات النسخة الأولى من معرض المغرب لصناعةالألعاب الالكترونية 2024، تكريما للفرق الفائزة في منافسات ألعاب الفيديو.حضر الحفل الكاتب العام لقسم التواصل بوزارة الشباب والثقافة والاتصال عبد العزيز البوزديني والرسام الياباني تاكايا إيمامورا ضيف شرف المعرض وعدد من الشخصيات الفاعلة في صناعة الألعاب. وقد جرى الحفل في أجواء حماسية عكست شغف العديد من الشباب المغربي بألعاب الفيديو. وبهذه المناسبة قالت نسرين السويسي مديرة معرض المغرب لصناعة الألعاب الالكترونيةأن البطولات نُظمت على هامش المعرض: «لتثبت للزوار والمستثمرين الأجانب وجود مجتمع حقيقي للاعبين في المغرب. وقد حققت هذه المنصة نجاحا كبيرا، بفضل هندسة الساحة وقيمة اللاعبين والتنظيم الجيد للحدث». لذلك فوزارة الشباب والثقافة والاتصالتعتزم: «توسيع ساحة الأطلس في الدورة المقبلة، وذلك من أجل السماح لعدد أكبر من الزوار بالاستمتاع بهذا العرض».