حسن عين الحياة
رغم مرور أزيد من 25 سنة على وفاته، ماتزال روح الملك الراحل الحسن الثاني حاضرة بقوة في الذاكرة الجماعية للمغاربة.. ويتجلى حضوره أكثر كلما حل رمضان الكريم، باعتباره شهرا كان يتيح للشعب فرصة التلاقي مع الملك، ولو عبر شاشة التلفزة، وهو يترأس الدروس الحسنية.. تماما كما يفعل نجله الملك محمد السادس حاليا، الذي يجمع من كل البلدان العربية والإسلامية، علماء وفقهاء وأكاديميين، لتدارس علوم القرآن الكريم والحديث الشريف وأصول الفقه والشريعة…
وكنوع من الاحتفاء بالأثر الطيب للحسن الثاني، نخصص هذه الورقة، لعلاقة الملك الراحل برجال الدين ممن ذاع صيتهم في البلدان الإسلامية، وكيف كان يوجه إليهم الدعوات للحضور إلى مجالس العالم التي ينظمها في قصره، وكيف كان يعزهم أيضا ويكرمهم ويناقشهم في أمور الدين، ليس كملك فحسب، وإنما كأمير للمؤمنين، وأيضا كفقيه متنور، يشرح الحديث الشريف ويفسره وفق رؤى معاصرة.
ويرجع الإلمام الواسع للحسن الثاني بأمور الدين، إلى تكوينه الخاص منذ طفولته في مدرسة والده الملك الراحل محمد الخامس، الذي حرص على تنشئة ابنه في المدرسة العتيقة وعلى يد علماء وفقهاء مغاربة، ممن لهم وزن في العالم الإسلامي.
وفي حديث سابق له مع “المنعطف” قال الدكتور سعيد هبال، صاحب كتاب “أصدقاء ملك”، إن الملك الراحل الحسن الثاني زاوج في تكوينه بين ما هو ديني محض، و ما هو حداثي عصري، “بحيث كانت له مربية خاصة فرنسية تسهر على تربيته وتعليمه اللغة الفرنسية منذ الطفولة، وفي الوقت نفسه حرص المغفور له محمد الخامس على تعليمه تعليما دينيا عتيقا في المسيد، يرتكز برنامجه على حفظ القرآن الكريم وترتيله وتعلم قواعده وكتابته بطريقة ورش. وهذا مكنه من تعليم وثقافة مزدوجة، جعلته يتمتع بشخصية قوية ومنفتحة، وفي الوقت نفسه تقليدية محافظة، مما جعل له تصورا خاصا للفن وللدين. وكان مرارا في استجواباته وأحاديثه يدافع عن الفن من منطلق الدين، لأن الفن يجعلك تكتشف مواطن الجمال في الدين وفي القرآن وفي الحياة..”.
إن هذه الثقافة المزدوجة للحسن الثاني، هي التي انعكست على شخصيته كحاكم زاوج في سياسته بين ثنائية تدبير أمور الدنيا والدين، وكزعيم متبصر انصهرت في شخصيته حكمة استشراف المستقبل، فكان بحسب الدارسين لشخصيته ولفلسفته في الحكم، كعالم مستقبليات ينظر إلى الأشياء بحكمة وببعد نظر عميقين، مما دفع بكثيرين، مغاربة وأجانب، إلى وصفه في كثير من المناسبات بـ”ملك سابق لعصره”. ولعل هذا الوصف وأوصاف أخرى، كانت تأتي من رجال الدين أنفسهم.فالشيخ الأردني الراحل عبد الله غوشة الذي حضر عام 1966 لدرس حسني ألقاه الملك الحسن الثاني بنفسه، يقول بنوع من الانبهار “والحقيقة لم أكن أظن أن جلالته على هذا القدر من العلم، ولا أنه واسع الاطلاع بهذا الشكل. فقد استشهد في شرح حديثه بكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية والآثار. وهو يحفظ القرآن الكريم حفظا جيدا، وجلالته يحب العلم والعلماء”. أما الشيخ عبد الفتاح مورو، وهو محام وسياسي من قادة التيار الإسلامي التونسي، فقال عن الحسن الثاني أثناء حضوره لدرس حسني في ستينيات القرن الماضي، ألقاه الشيخ التونسي الراحل محمد الفاضل بن عاشور، إن الحسن الثاني “كان فقيها وعالما وذكيا وجهبذا، هذا الرجل قبل أن تتكلم سيجيبك عما ستقول.. عجيب، عجيب جدا، فهو ألمعي، يقرأ ما في عقول الناس”..
ويقربنا الدكتور سعيد هبال أكثر من شخصية الحسن الثاني في علاقتها بأمور الدين قائلا، إن الملك الراحل عُرف عنه “حبه الاستماع للإذاعة الوطنية، وكان من مريدي برنامج الشيخ المكي الناصري قبل صلاة الفجر، والاستماع إلى تلاوة بنموسى المغربية، وهو من أسس الدروس الحسنية للاستفادة منها ومن دروسها، وقد خلق من خلالها نقاشا وحوارا بين العلماء من مختلف المذاهب والاتجاهات، وسبق له أن أوقف مؤذنا في الرباط لأن آذانه كان مشرقيا وليس مغربيا. كما أوقف قارئا مغربيا في الدروس الحسنية وخاطبه: “اقرأ بدون سيكا ولا نهوند”، وهي مقامات موسيقية في القراءة المشرقية”. ويضيف هبال بخصوص الدروس الحسنية، أن العلماء كانوا يضربون ألف حساب للحسن الثاني أثناء المثول بين يديه، “لأنه لا يترك كبيرة أو صغيرة تمر، ولا يمكن أن تخطأ أو تحرف أو تنسب حديثا لغير صاحبه، مع حرصه الشديد على الوسطية والاعتدال ورفضه لكل أشكال التطرف…لقد كان ملكا فقيها، فبقدر ما هو على إلمام بالقانون والتاريخ والعلاقات الدولية واللغات، فهو فقيه حتى النخاع، وله تكوين ديني متين يقارع به العلماء وكبار الفقهاء. وكان المذهب المالكي مقدس بالنسبة له، بعد القرآن والسنة”.
في هذه الورقة، نورد بعضا من نوادر الحسن الثاني مع الفقهاء والعلماء والمقرئين والمؤذنين، وهي في عمومها تبرز في الملك الراحل حبه الشديد للعلم ولأهله، وحرصه على إشعاع الفكر الإسلامي، من منطلق حمله لصفة “أمير المؤمنين”، وأيضا لكونه ملك ملم بأمور الدين. لنتابع.
بطلب من الحسن الثاني.. الشيخ عبد الباسط يحضر إلى المغرب لتسجيل القرآن الكريم
مثل ابنه الحسن الثاني، عُرف عن الملك الراحل محمد الخامس حب للعلماء والشيوخ ورجال الدين، واستضافتهم أيضا في قصره.. ومن أبرز هؤلاء، المقرئ المصري الشهير الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.
وبحسب بعض القصاصات المصرية، كان المغفور له محمد الخامس دائم الاتصال بالشيخ عبد الباسط، بل إنه عرض عليه ذات مرة أن يترك القاهرة والإقامة الدائمة في المغرب حتى يظل قريبا منه. وتبعا للمصادر ذاتها، كان محمد الخامس كلما حل بالقاهرة يتصل مسبقا بالشيخ عبد الباسط عبر التلفون، ويحددان موعداللقاء، حبا في الاستماع إليه وهو يقرأ القرآن الكريم بتلك الطريقة التي ميزته عن كثير من القراء في العالم الإسلامي، حيث كانا يلتقيان في “مسجد السيدة نفيسة فيصليان الفجر سويا ثم يمكثان بعد الصلاة بالمسجد ويقرأ الشيخ عبدالباسط ما تيسر من القرآن حتى تطلع الشمس”. وفي آخر زيارة للملك محمد الخامس للقاهرة، تقول القصاصات نفسها، عرض على الشيخ عبدالباسط أن يترك العاصمة المصرية ويذهب معه إلى المغرب ليستقر هناك، لكن الشيخ اعتذر بلباقة بسبب ظروفه الخاصة، فقبل محمد الخامس اعتذاره تقديرا لهذا الشيخ ومكانته في قلوب المسلمين.
وتضيف مصادر أخرى، أن رؤساء مصر كانوا يعرفون قيمة الشيخ عبد الباسط عند ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية، وكانوا أحيانا يقلدونه أدوارا ديبلوماسية. وبحسب المصادر ذاتها، حدث ذات مرة أن غضب الملك الراحل محمد الخامس من موقف للرئيس المصري جمال عبد الناصر، فطلب الأخير من الشيخ عبد الباسط أن يلطف الأجواء بين مصر والمغرب، خاصة وأن عبد الناصر كان يتخوف من رفض محمد الخامس طلبه، في حال دعوته للمشاركة في افتتاح السد العالي. وتقول المصادر نفسها، إن الشيخ عبد الباسط حلق إلى المغرب عبر طائرة الرئاسة المصرية، وتم استقباله في مطار سلا استقبال الدبلوماسيين، والتقى بمحمد الخامس وسلمه دعوة عبد الناصر. وعلى كعس توقع الرئيس المصري، قبل ملك المغرب آنذاك الدعوة، ووضع بالفعل إلى جانب عبد الناصر الحجر الأساس للسد العالي، كما استغل محمد الخامس هذه المناسبة وذهب مع الشيخ عبد الباسط إلى الأقصر (مسقط رأسه)، وصليا الفجر معا في مسجد أحمد النجم.
بعد وفاة محمد الخامس، حافظ نجله الملك الحسن الثاني على علاقة القصر مع الشيخ عبد الباسط.. كان يعزه كثيرا، ليس لأنه واحدا من أبرز المقرئين في العصر الحديث فحسب، وإنما لأنه صديق للمغرب ولوالده أيضا.
في عام 1986، أي قبل عامين من وفاته، تلقى الشيخ عبد الباسط دعوة خاصة من الحسن الثاني للحضور إلى المغرب. ويروي طارق عبدالصمد نجل الشيخ عبد الباسط في حديثه مع الصحافة المصرية عن هذا الاتصال قائلا، إن السفير المغربي وقتها اتصل بالشيخ عبد الباسط الذي كان في زيارة إلى محافظة “قنا” لإحياء ذكرى مولد سيدي عبد الرحيم القناوي، وقال له إن الملك الحسن الثاني يدعوك لأمر هام.
وبحسب طارق، عندما عاد والده إلى القاهرة، علم أن ملك المغرب “يطلب منه تسجيل القرآن الكريم برواية ورش عن نافع المدني، وهي القراءة التي يقرأ بها أهل المغرب، وعندما حاول الشيخ الاعتذار بسبب اقتراب شهر رمضان الذي سيحيي لياليه خارج مصر، ألح السفير على الشيخ أن يجيب طلب الملك”.
ويضيف طارق “بدأ الشيخ عبد الباسط بالفعل في تسجيل القرآن برواية ورش التي تمتاز بكثرة مدودها، ولذلك تحتاج إلى نَفَس طويل، وكان يقرأ جزءً في الصباح وجزءً في المساء حتى أتم تسجيل القرآن الكريم كاملا في نحو 15 يوما”.
ورغم أن هذا التسجيل أذيع عبر الإذاعة والتلفزيون المغربي لسنوات، إلا أن التلفزيون المصري لم يتسلم نسخة منه إلا عام 2020، كهدية من عائلة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وقال عبدالعزيز عمران، رئيس الإدارة المركزية للشئون الدينية بالتليفزيون المصري أثناء تسلم هذه النسخة النادرة: “يعد هذا الإهداء السابقة الأولى من نوعها في العصر الحديث، وأراها لم ولن تتكرر…”، مضيفا أن “هذه الخاتمة المرتلة سُجلت بدولة المغرب بناء على طلب من جلالة الملك الحسن الثاني الذي أهداها لروح والده الملك محمد الخامس عام 1986، قبل وفاة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد بعامين”.
الملك يستغرب من طلب الشيخ متولي الشعراويزيارة بعض الأضرحة في المغرب ضمنها “سبعة رجال”
بعيدا عن الشيخ عبد الباسط، استقبل الملك الراحل الحسن الثاني ذات مرة، الشيخ المصري الراحل محمد متولي الشعراوي الذي يحظى بمكانة بارزة ضمن كبار علماء الإسلام في العصر الحديث، وكان آنذاك وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر الشريف.. ولأن الملك أعجب به كثيرا، أصبحت علاقة الشعراوي بالمغرب مميزة أكثر، مما دفعه إلى زيارة المملكة في كثير من المناسبات.
في أول زيارة له للمغرب، التقى الشعراوي بالملك الحسن الثاني، وأثناء حديثهما، فاجأ الشيخ الملك بطلب بدا للجالس على العرش غريبا بعض الشيء، حيث طلب منه زيارة ضريح المعتمد بن العباد في أغمات بنواحي مراكش، وزيارة قبر الوالي الصالح سيدي عبد السلام بن مشيش، إضافة إلى زيارة “سبعة رجال” في مراكش.
وبحسب المصادر التي نقلت تفاصيل هذا اللقاء، إن الحسن الثاني استغرب أن يلجأ شيخ من كبار علماء المسلمين إلى زيارة الأضرحة والقبور، قبل أن يعلم أن الشعراوي من مريدي الطريقة الشاذلية، وأنه حافظ لكثير من أوراد الشيخ أبو الحسن الشاذلي. وقتها كلف الجنرال مولاي حفيظ العلوي، وزير القصور الملكية والتشريفات والأوسمة آنذاك، أن يرافق الشعراوي لزيارة الأماكن التي يرغب فيها، ووضع رهن إشارته مروحية خاصة.
الحسن الثاني يحضر بمفرده لزيارة الشعراوي في بيت صديقه مولاي حفيظ العلوي
حل الشيخ محمد متولي الشعراوي ذات يوم بالمغرب، وكان وقتها قد ذاع صيته كفقيه متنور وعالم من أعلام الأزهر، وأيضا كمفسر للقرآن الكريم في العصر الحديث. وجاءت زيارته للمملكة بعدما اشتد عليه المرض، خاصة وأنه كان يعاني من مرض الربو. كما أناختياره للمغرب كان تنفيذا لنصيحة قدمها له بعض المقربين، ممن اقترحوا عليه أن يستقر مؤقتا بشاطئ الهرهورة.
وتقول المعطيات، أن الشيخ حل بالمملكة، وأقام في منزل صغير، لكن عندما علم الجنرال مولاي حفيظ العلوي بوجوده في المغرب استدعاه لتناول وجبة العشاء في بيته، وهكذا لبى الشيخ الدعوة بالنظر إلى وجود علاقة سابقة بين الرجلين، تعود إلى تلك اللحظات التي رافقه فيها لزيارة بعض الأضرحة في المملكة..
حضر الشيخ الشعراوي إلى بيت الجنرال وكان معهم رجل ثالث هو محمد التازي.. تناول الثلاثة وجبة العشاء، لينطلق الشعراوي في شرح معاني كلمة “بسم الله الرحمان الرحيم (البسملة)”، وأخذ يطوف من مصدر إلى آخر، مبينا فضلها وأجرها وأحاديث العلماء حولها.. فجأة، تقول المعطيات ذاتها، دخل عليهم رجل رابع لمشاركتهم الحديث، ولم يكن سوى الملك الحسن الثاني، وكان يرتدي جلبابا أبيض و”رزه” خضراء، فعانق الشيخ قبل أن يلومه عن عدم إخباره بمجيئه، ليعرض عليه الانتقال من الشقة البسيطة في شاطئ الهرهورة والإقامة في “فيلا” مجهزة على شرفه، لكن الشيخ اعتذر، بداعي أنه سينتقل إلى العاصمة البريطانية لندن للقيام ببعض الفحوصات الطبية..
كان الحسن الثاني مهووسا بمجالسة العلماء الكبار وإكرامهم أيضا، لذلك، بمجرد توصله بخبر وجود الشيخ الشعراوي في بيت مولاي حفيظ العلوي، حتى ألغى كل مواعيده في تلك الليلة، وغير هندامه، وتوجه سريعا إلى بيت الجنرال بمفرده،هدفه الوحيد قضاء وقت ثمين مع شيخ يعد واحدا من كبار علماء الإسلام في عصره.. جلس الحسن الثاني على كرسي في الصالون وقال للشيخ “أتمنى أن تكمل حديثك”، فاسترسل الشيخ حديثه حول البسملة وقال “كنت أقول يا جلالة الملك، إن سورة الفاتحة اشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء وهي، الله والرب والرحمان، وأبرزتِ السورة، الإلهية والربوبية والرحمة، فإياك نعبد مبني على الألوهية، وإياك نستعين مبني على الربوبية، وطلب الهداية مبني على الرحمة”.. وكان الحسن الثاني وفق المعطيات نفسها معجبا بشرح الشعراوي لسورة الفاتحة..
عندما أضحك الشيخ الأزرق الحسن الثاني في الدروس الحسنية وسجل سابقة فيها
رغم انفتاحه على العلماء والفقهاء والمقرئين المشارقة، لم يكن الملك الراحل الحسن الثاني يطيق أن تتسلل نفحة مشرقية للجانب الديني في المغرب.. فهو حارس هاذ المجال وضابطه والآمر الناهي فيه.ومن نوادرهمع رجال الدين أنه ذات مرة، وبينما هو في قصره في الرباط، سمع الملك آذانا على الطريقة المشرقية، فأغضبه ذلك كثيرا، ليسأل بعضا ممن كانوا حوله عن صاحب هذا الآذان، فقال له أحدهم، إنه منبعث من أحد المساجد القريبة،ربما في مدينة سلا، أو بجوار القصر، فقال الملك غاضبا “هاذ السيد يجمع حوايجو ويمشي بحالاتو.. واش أنا فالقاهرة.. هاذي راها الرباط والعدوتين”.
ومن نوادره أيضا، خاصة المرتبطة بالعلماء والفقهاء المغاربة، أن العلامة المغربي محمد الأزرق قدم درسا بين يدي الحسن الثاني، وكان درسا مرتجلا، خاصة وأنه كان يعلم أن إلقاء درس مكتوب في ورقة أمام الملك فيه عيب كبير، لكنه في معرض حديثه ارتبك، ليغيب عنه الخيط الناظم لدرسه، ما أدى به إلى التوقف عن الكلام.. وأمام هذا الموقف الصعب، لم يجد هذا الشيخ الكبير الذي يعتبر من خيرة علماء القرويين سوى أن قال “والله يا سيدي لقد أعطاك الله هيبة خاصة”، فضحك الملك كثيرا لتنطلق موجة ضحك عمت المجلس كله..
وللشيخ محمد الأزرق حكاية طريفة مع الحسن الثاني أيضا.فهو كما قال سعيد هبال الذي اشتغل كثيرا على شخصية الملك الراحل الحسن الثاني،كان شيخا ضليعا في أصول الفقه والنحو، ما أهله للمشاركة في الدروس الرمضانية التي كان يقيمها الملك في قصره.
وحسب هبال، ألقى الشيخ محمد الأزرق ذات يوم درسا أمام الحسن الثاني في إحدى الدروس الحسنية الرمضانية، لكن الشيخ أطال الدرس، وكان موعد الإفطار قد قرب ببضع دقائق. ولأن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية العلوي المدغري كان جالسا بالقرب منه، يقول هبال،جر الشيخ من جلبابه برفق، وقال له شيئا ما في أذنه، لكن الأزرق لم يعر كلام الوزير أي انتباه، بل فضحه أمام الملك، حيث قال له “واش حنا جالسين مع سيدينا كينديرو فالدرس وأنت كتقول ليا حبس.. إلى قال لينا سيدنا وقفو غادين نوقفو، وانت من قبيلة وانت كتجر فيا”. وكان الأزرق حسب سعيد هبال الذي حضر هذا الدرس جريئا للغاية، آنذاك أعجب الملك بموقف الأزرق وانطلق في الضحك، قبل أن يقول له: “والسي الأزرق، راه بالفعل قريب لفطور، وإلى باقي عندك ما يتقال خود الحصة ديال غذا”، فأجاب الأزرق “معلوم عندي ما يتقال أسيدنا”، فاهتزت القاعة كلها بالضحك، ثم أضاف “يا صاحب الجلالة، يقول الفقهاء من له أول له ثاني، ومن له ثاني له ثالث”، وكان هذا العلامة حسب سعيد هبال أول شيخ في تاريخ الدروس الحسنية يقوم بإلقاء درسين متواليين في يومين متتابعين.