حوار :احمد العلمي
قرار وزارة التعليم، بإلغاء التعاقد هو أمر جاء بعض مفوضات مراطونية، لكن الأسئلة المطروحة في هذا الباب، يضع علامة استفهام حول تعامل الحكومة مع النظام الأساسي والتحول في كيفية خلق مناصب مالية. مجموعة من المعطيات حول الموضوع في الحوار التالي:
القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة بشأن الغاء التعاقد هل سيكون في صالح الجسم التعليمي بكل اطيافه؟
أولا لابد من الإشارة الى ان الاسرة التعليمية الان تعيش لحظة تاريخية متميزة, والمتجسدة في اصدار وزارة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة للنظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية والذي تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 09 أكتوبر 2023 بعد مصادقة المجلس الحكومي عليه في جلستها المنعقدة في 27 شتنبر 2023.)ودون الخوض في تفاصيله( حيث ستتبنى الأسرة التعليمية موفقا رافضا للعديد من مواد هذا النظام الجديد معتبرة إياه نظاما مجحفا لا يرقى وتطلعاتها المنتظرة لتدخل الشغيلة التعليمية بشتى أطيافها في إشكال متعددة من الاحتجاجات. وهنا لابد لنا من طرح التساؤل
التالي :
ما الفائدة من الحوارات و اللقاءات الماراطونية والتي دامت أكثر من سنة ليقابل هذا النظام الأساسي الجديد بالرفض؟
المطالبة بالتجويد والتعديل امر استجابت له الوزارة الوصية على القطاع لتنطلق حلقات جديدة من الاجتماعات المطولة بين الوزارة الوصية و اللجنة الثلاثية والنقابات الأكثر تمثيلية في حوار مؤسساتي يحترم الصيرورة التاريخية حيث سيصادق المجلس الحكومي على مشروع القانون رقم 03.24 والذي يقضي بتغيير القانون رقم 07.00 بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين .
ويندرج مشروع هذا القانون في إطار التدابير التي تتخذها الحكومة من أجل تفعيل بنود الاتفاقين الموقعين في 10 و26 ديسمبر 2023 بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، ولاسيما تلك المتعلقة بإضفاء صفة الموظف العمومي على كافة العاملين بقطاع التربية الوطنية، بمن فيهم الأطر النظامية الذين تم توظيفهم منذ سنة 2016 بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. واضعا بذلك حلا للازمة التي تراكمت عبر سنوات حول تسمية ما كان يسمى سابقا بأطر الأكاديمية وأطرالوزارة.
أكيد أن الوزارة عبرت عن حسن نيتها في العديد من الموافق وذلك من خلال الحوار الصريح والواضح حول مختلف القضايا المختلف عليها وأبدت نية واضحة للإصلاح لإعادة الثقة بين الوزارة والشغيلة التعليمية ومختلف مؤسسات الدولة، ومن هنا أرى ان القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة هو قرار حكيم ويحتل مكانة هامة في سياق التعديلات المتخذة من طرف الوزارة الهدف منه إحداث تلك النقلة النوعية المنتظرة واجراء إصلاحات جدية تعمق دور الفاعل التربوي في النهوض بمنظومة التربية والتكوين ببلادنا.
الوضع التربوي يمر من ازمة حقيقية عرفت تراجعات غير مسبوقة كيف تشخصون هذا الوضع وكيف يمكن التعامل معه أنتم أصحاب الاختصاص؟
يمكن اعتبار مشكلة تراجع المستوى المعرفي لمخرجات التعليم في مستوياته الثلاثة – المستوى الأساسي، والمستوى الثانوي بشقيه، والمستوى الجامعي – مشكلة مركبة ترتبط بعدة معايير محددة، منها ماهو اقتصادي، وماهو اجتماعي، وماهو تربوي. فالنظرة الشاملة لتدبير القطاع ككل هو ما يمكننا من تحديد مكامن الخلل فيه.
اظن ان أي اصلاح و بالضرورة يجب ان يستحضر كل التجارب السابقة واستخلاص الدروس منها، ومما يشان في هذه البرامج السابقة كونها كانت بعيدة عن التفعيل الواقعي، حيث ظلت تنظيرات تحوم حول جسد المنظومة دون أن تقترب منه وتعالج نقائصه بعيدة كل البعد عن باقي المجالات التي ستحقق الإقلاع الاقتصادي المنشود. إذ تؤكد الحقيقة التاريخية أن أي مشروع ناجح ينطلق من حاجيات المجتمع ونظرة شمولية تحدد توجهاته الكبرى من خلال تقاطعات وتكاملات المجالات المتنوعة وفق نسقية مدروسة لا تحوم حول حلقة مفرغة.
فرغم أن المنظومة التعليمية فاعلة ومؤطرة في مجال صيرورة الحياة المجتمعية، إلا أنها تبقى تابعة للمنظومة الاقتصادية شئنا ذلك أم أبينا. ومن هنا تتحدد قيمة المخرج من خلال مفهوم المطلب الاجتماعي : La commande sociale المرتبط بدينامية المجتمع وحركيته.
أما النقطة الثانية فتتمثل في الانفتاح على التطورات والتحولات الدولية في مجال التربية والتعليم، فتسارع التطور الذي نشهده في البيداغوجيا والديداكتيك لا يوازيه تسارع مماثل في المنظومة التربوية، وهذا ما يكرس التخلف الملاحظ عن التجارب المتطورة في التعليم. ويوسع المسافة بين التعلم المرتكز حول المكتسبات : Les acquis الأقل استخداما وتوظيفا، وبين التعلمات المتمركزة حول إمكانيات الفعل : Les potentiels d’action في مختلف السياقات.
فالنقلة النوعية التي ستحذو بنا نحو مجتمع المعرفة هي التي تستبدل Les savoirs faire بـ Les savoirs، أي تجاوز المضامين واعتماد المهارات كمطلب تسعى المنظومة لإكسابه للمتعلمين. وذلك عبر أجرأة وتنزيل برامج تتضمن هذه الفلسفلة.
أما بغياب هذه النقلة، فسيبقى التعليم لا يجاوز مكانه، وستظل البرامج خطابات جوفاء ليس لها موطئ قدم على أرض الواقع.
يجب علينا ان نجد تلك الحلقة المفرغة ,حلقة ربط وسطى بين الخطابات والتوجهات الكبرى للسياسة التعليمية وبين التفعيل الميداني، وهو ما يتضح من خلال علاقة المتعلمين بالمناهج وبالأساتذة وبالاختبارات وغيرها من الملامح. ولهذا تجتهد الدول المتقدمة في وضع أرضية مبنية على أسس علمية مستمدة من مناهج تشكل تلك الحلقة المفقودة. وتتبنى بعدا سوسيولوجيا وبعدا سيكولوجيا متعلقا بالتعلم، وهذا ما يوجه الفاعلين في الميدان. بدءا من الفرق التي تنكب على التخطيط ووضع البرامج إلىالحلقة الأخيرة في السلسة والتي تخرجعلى شكل وضعيات ديداكتية ملموسة تستهدف المتعلمين.
فالمنظومة تواجه تحديين اثنين: التحدي الداخلي، والتحدي الخارجي. فالأول يقتضي معالجة المنظومة من الداخل، والثاني يقتضي الانفتاح على التجارب الرائدة في المجال التربوي التعليمي، والقطع مع السياسات المتقادمة التي أثبتت عجزها. لحيث لوحظ عبر السياسات والإصلاحات المتوالية في القطاع تغير جوهري في معايير تقييم الجودة، ففي الماضي كان معيار قياس نجاعة النظام التربوي متعلقا بالمنسوب المعرفى للمتمدرسين، وفي مرحلة لاحقة تحولت هذه المعايير الكمية إلى معايير كيفية، بمعنى: الانتقال من النظر للمكتسبات إلى النظر لأثر هذه المكتسبات على المتعلمين سواء على مستوى التفكير، او على مستوى السلوك المشكل للشخصية.
واليوم نحن امام تحد جديد ومرحلة ثالثة في ظل هذه المتغيرات التي شهدتها الأنظمة التعليمية على الصعيد العالمي، وهو : كيف يمكننا تضمين البرامج التعليمية المعارفَ القابلة للنقل والتوظيف؟
وهذا يستدعي مرة أخرى الى إعادة النظر في المحتويات التعليمية في المدارس والجامعات، لأن الكم وحده لم يعد مطلوبا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لتحقيق غايات وظيفية في سياقات مختلفة : إيكولوجية، ثقافية، صحية، غذائية، فنية، وغيرها من السياقات المستثمرة لهذه المعرفة في مجالات الحياة المعاشة.
وتزداد حدة الإشكال عندما يتعلق الأمر بمدى قدرة المتعلمين على الاحتفاظ بالتعلمات الأساسية التي اكتسبوها، حيث يمكن اعتباره مرضا مزمنا، وناقوس خطر يهدد المنظومة التعليمية. وهذا ما تؤكده الدراسات والأبحاث الميدانية، كما تؤكده نتائج المشاركات الدولية في مباريات خارجية للمتمدرسين المغاربة، وكمثال على ذلك : برنامج “بيزا” الأخير، الذي احتل فيه التلاميذ المغاربة صفوفا متأخرة بالنظر للمطلوب منهم كممثلين للمغرب. فهذا من بين أهم الاختلالات التي يجب معالجتها في منظومتنا التربوية.
كما تجدر الإشارة إلى نوعية الظروف المهيأة للممارسة التعليمية داخل المؤسسات ومدى استجابتها للتغيرات وقدرتها على تحقيق الآمال المعقودة على المنظومة. ومن ذلك رصد التعثرات المدرسية وتصنيفها ثم معالجتها، وهذا التراكم الممتد عبر محطات المستويات التعليمية هو الذي يسهم شيئا فشيئا في تعميق الهوة بين الواقع والمأمول.
كما يمثل الوسط المدرسي والبيئة المدرسية عاملين مهمين أسهما في هذا التراجع، إذ يتحمل المدرسون جانبا منه لدورهم المحوري في أجرأة البرامج، وقربهم من المتعلمين، كما أن غياب التكوينات الأساسية له أيضا دور في هذا الجانب، كالخطأ الذي حدث في التسعينات عندما تم دمج آلاف من المدرسين في المنظومة دون أن يتلقوا أي تكوين أساسيمكنهم من النجاح في مهمتهم التربوية. وفي أحسن الأحوال تقتصر هذه التكوينات على أيام معدودة لا تسمن ولا تغني من جوع في السنة الدراسية ككل.
ولا يمكن اعتبار الأساتذة قميص عثمان، وإنما باعتبارهم منفذين اجرائيين للمناهج والمقرات الداسية، وفاعلين في تنزيله عبر الحصص الدراسية .
ويمكننا إضافة عامل مهم آخر، هو العامل السيكولوجي المتعلق بالدافعية للعمل المدرسي، وللنجاح المدرسي من قبل المتمدرسين، ففي جيل الستينات مثلا كان التلميذ يطمح لتحقيق رتب مشرفة على صعيد المؤسسة والجهة، أما الآن فجل المتمدرسين لا يتعدى طموحهم الحصول على متوسط ومقبول يمكنهم من المرور للفصل الموالي بأقل جهد مبذول.
كما يمكن أن نعزو بعض العوامل لطبيعة المنظومة وسياستها ككل. وسننجح في تقليص هذه العراقيل بالمتابعة الدورية لسير العملية التعليمية التعلمية وذلك بالتقويم والتقييم المستمرين. وهو الشيء الذي يحتاج إعادة تفكير في نوعية الإصلاحات المقترحة الكفيلة بضخ حياة جديدة في جسد المنظومة التربوية التي عمر فيها الوهن وتقادمت أدواتها الإجرائية مما كرس هذا التقهقر وأرخى بظلاله على طبيعة مخرجاتها الباهتة.
هل لالغاء التعاقد دور إيجابي في إيجاد حلول مستقبلية لسد الخصاص في التعليم العمومي و الرفع من مستواه كما وكيفا ؟
الرؤية الإصلاحية لا يجب ان تكون نتيجة لازمات او اختلالات او كردات فعل لوضع ما وانما هي حسن استخدام الموارد المرصودة مع تحديد مكامن العجز وتجاوزها و التحديات التي يجب رفعها لتحسين جودة منظومتنا التربوية .
الوضع التربوي يحتاج الى مقاربة نسقية (مدخلات – عمليات –مخرجات ) وبشكلها النسقي (نسقية النسق) دون التقليل من شان العديد من الجوانب و المدخلات المهمة و في مقدمتها الجوانب البيداغوجية و الديداكتيكية و (الكريكولومية) والعمليات المصاحبة من استراتيجيات و طرق ووسائل تربوية وانشطة موازية وحياة مدرسية مع تفعيل اليات الدعم والمواكبة التربوية .
الغاء التعاقد له وقع سايكو ثقافي بالدرجة الأولى على الفاعلين التربويين والناقل الديداكتيكي الأساس هو الأستاذ و اظن انه و بالتخلص من تركات مصطلحية قوضت كاهل المنظومة التربوية فقد أن الأوان لاعتماد حقيقي للمقاربة التشاركية والتي تقف اليوم على أربعة أركان تتواشج كلها بهدف الخلوص إلى نتائج مرضية تبلغ المتعلم مأمنه وتعبر به إلى ضفة المجتمع المعرفي الوظيفي بأمان. إذ كل ركن له أهميته في هذا السياق: المنهاج، المتعلم، الأستاذ، البيئة التربوية. ينضاف إليهم ما شهدته التطورات الحديثة في التعليم عن بعد والعالم الرقمي بانضمام أولياء الأمور كفاعلين محوريين في هذا التحدي.
فبهذه التشاركية سنصل لاقتصاد المعرفة، ويحقق الاستثمار في العنصر البشري ما يُتوخى منه من فاعلية وإنتاجية تعود بالنفع على المنظومة التربوية ككل في المستقبل.
لقد كان المهدي المنجرة رحمه الله تعالى مخططا ومهندسا استراتيجيا للمستقبل، امتلك رؤية مجتمعية ووعيا بالواقع، وهذا ما تفتقده دول العالم الثالث لغياب الحرية في هذا المجال حين يتعلق الأمر بمفهوم التخطيط للمستقبل. وهو ما تضمنته محاضرة أجراها الراحل في مدينة مكناس في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول أكتوبر سنة 1993م، تحت عنوان: “الدراسات المستقبلية والوضع الدولي الجديد”، وهو ما سيؤكده الدكتور دوكيتيل De ketele مع بداية القرن الواحد والعشرين، ويقنعنا بمعية خبراء آخرين بأهمية الكفاية التربوية باعتبارها كنه العملية التعليمية التعلمية
و اقصد هنا الكفايات المهنية على وجه الخصوص والتي تلخص استعدادات الأستاذ و علاقته بالمكتسبات و الخبرات السابقة إلى جانب قدرته على الإنتاج و التقييم و الحكم و الإبداع فهي مرتبطة ارتباطا وطيدا بالوجدان و المعرفة و الأداء و الإنتاجية .