حاورته: ليلى خزيمة
لبق في تعامله مع الناس، شغوف بمهنته، متفرد في تشخيص أدواره، مبهر في تقمص شخصياته، أما الابتسامة فلا تفارق وجه الفنان عزيز داداس. تحس بصدق مشاعره ولو من خلال مكالمة هاتفية. يصغي جيدا لما يقوله الآخر ويتمعن جيدا في ماهية الأشياء. يحب الكوميديا الهادفة ويسعى من خلالها لمعالجة القضايا التي تلامس روح الواقع. عندما تبحث عن عزيز داداس في موقع التصوير، لن تجده بل ستتعامل مع الشخصية التي يلعب دورها. وبعد انتهاء التصوير، ستلتقي بالإنسان المتواضع والخلوق، المحب لأهل بيته وجيرانه وأصدقائه. عندما تواصلت معه جريدة المنعطف، لم يتمنع رغم الحالة الصحية التي كان فيها وارتباطاته المهنية العديدة. بل قال بكل تواضع: «على الرحب والسعة. أنا أحب جمهوريوأحبأن أطلعهم عن كل جديد لدي.» وعن هذا الجديد يحكي عزيز داداس:
-هل ممكن أن تقربوا الجمهور من العمل الذي أنتم الآن بصدد الاشتغال ضمنه؟
السلام عليكم ورحمة الله. شكرا على الفرصة التي منحتموني إياها لأتواصل مع الجمهور الحبيب. أناأشتغل حاليا على عمل يحمل عنوان باسطوف. هو مسلسل يناقش ظاهرة التسول والمخدرات. المسلسل به قامات من الخامة الرفيعة من الممثلين مثل الفنانة دنيا بوطازوت والفنانة ماجدولين الإدريسي والفنان عبد الله ديدان ومجموعة كبيرة من المبدعين. كما ترون، نحن الآن بصدد تصويره وأتمنى أن يروق المشاهدين. لن أحكي قصة المسلسل حتى لا أفسد على الجمهور متعة مشاهدته.
-على الهامش حاز مؤخرا على جائزة أفضل فيلم أجنبي بالنسخة 14 للمهرجان العالمي للفيلم بسوهو في نيويورك. كيف استقبلتم هذا التتويج وهل كان متوقعا؟
أنا أوجه التهاني والمباركات للمخرجة جهان بحار وكل طاقم العمل من ممثلين وتقنيين. فرحنا كثيرا بهذا التتويج وهذه الجائزة التي حصل عليها العمل كأحسن فيلم بالدورة الرابعة عشرة من المهرجان العالمي للفيلم بنيويورك. وهذه ليست أول مرةأعمل فيها مع المبدعة جهان بحار ونجني ثمار مجهوداتنا. فقد سبق وأن عملنا معا في فيلم في بلاد العجائب الذي توج كذلك بمجموعة من الجوائز منها الجائزة التي حصلت عليها بالبرتغال وجائزة أحسن سيناريو بإيطاليا. وهويحكي قصة امرأة غنية ومغرورة، دفعتها الأحداث إلى عيش حياة أسرة متواضعة في جبال الأطلس المتوسط حيث الظروف المعيشية صعبة والحياة اليومية مؤلمة. الفيلم هو محاولة لرفع الحجاب عن معاناة سكان هذه المناطق، من خلال أسلوب كوميدي يستحضر على الشاشة الظروف المناخية القاسية مع قلة البنية التحتية الأساسية. تم تصوير فيلم في بلاد العجائب على بعد 80 كيلومترا من مدينة أزرو.
–هذه كانت ظروف في بلاد العجائب. فهلا تحدثتم قليلا عن مشاركتكم في على الهامش وعن ظروف التصوير والاشتغال؟
حقيقة العمل مع المبدعة جهان بحار رائع. نعمل في جو مرح خصوصا بتواجد ماجدولين الادريسي. هذا العمل يروي ثلاث قصص لمغامرات أشخاص يحاولون كسب العيش وتحقيق بعض الأحلام. أما الإشكالية التي يعالجها فهي تجارة الأعضاء البشرية وهذه أظن أول مرة يقوم فيلم سينمائي بالتطرق لهذا الموضوع. أتمنى أن يلقى نفس الاقبال الذي حظي به فيلم في بلاد العجائب.
-في تصريحات عدة، قلتم إنكم لا تحبون أداء أدوار أو الاشتغال بأعمال تشعرون أنها مجرد نوع من الكذب على المشاهد. فكيف توفقون ما بين هذه القناعة وبين العمل من أجل العيش والكسب؟
أقول دائما إن الله سبحانه وتعالى هو الميسر وهو الرزاق. ولله الحمد، يكتب لي دائما أعمال جميلة وجيدة. وأنا أطلب من الله أن يرزقني بأعمال تشبهني وتزيد من قيمتي الفنية وأن يبعدني عن الأعمال التي من الممكن أن تسيئ لمشواري الفني وتهز صورتي أمام جمهوري. فأنا لا أقبل الأعمال التي أحس أنها غير قريبة من الناس ولن تشكل إضافة لي. صحيح أن القوت اليومي يبقى هوالواقع والحتمية التي نعيشها وهذا شيء مفروغ منه، لكن أتمنى أن تبقى لنا دائما فرصة للاختيار وألا نضطر لقبول ما لا نرضى عنه بسبب القوت اليومي.
-في كل مرة يكتشف المتتبع وجه جديد لداداس. فما سر ذلك؟
في الحقيقة الوجوه التي تتغير في أعمالي تتطلب مني الكثير من العمل على الشخصيات والكثير من العناء. فأنا من النوع الذي يلعب بصدق وتفاني أو كما نقول بلهجتنا الدارجة ” أنا من النوع اللي كيلعب من قلبو”. أنا لا أقتصر على ما هو تقني في لعب الأدوار، بل أجند كل جوارحي لأعطي الشخصية الأبعاد التي تستحقها. وهذا يؤثر على عزيز داداس الإنسان ويرهقه كثيرا. فخلال أي عمل، أسعى في البحث عن التفاصيل في كل شخصية سأقوم بها من خلال التجوال في الشارع والأسواق والتعامل مع المواطن. أُخْضِع نفسي لحميات غذائية ربما تكون قاسية في بعض الأحيان. يعني أعطي كل ما بوسعي لأُتقن الدور وأُقرب الجمهور ما أمكن من المغزى والمقصود. والحمد لله، ألقى التوفيق من عند الله. أتمنى أن أبقي بهذا الشكل الذي أَلِفه الجمهور وتعود عليه.
-من خلال التجربة، ما هي في نظر عزيز دادس مفاتيح إقناع وكسب الجمهور؟
الصدق هو أول مفتاح لإقناع الجمهور. الصدق في الأداء والصدق في المعاملة وكما نقول في المثل المغربي” وجه واحد”. أن تبقى علاقتك بالناس علاقة عادية وألا تترك مجال للممثل ليهيمن على حياتك العادية كشخص وإلا أصبح الأمر صعبا على الطرفين. أظن أن هذا هو سر وبهارات إقناع وكسب الجمهور. فالخلطة السحرية هي الصدق مع الناس لتتمكن من كسب حبهم ودعمهم. أفرح كثيرا عندما أشعر أن جمهوري يعتبرني كأخ أو خال أو جار أو فرد من العائلة. وهذا فضل من عند الله.
-كيف ترون التطور في ميدان السينما، هل هو موضوعاتي أم على مستوى الكتابة أم المكونات التقنية أم ماذا؟
التجربة السينمائية في المغرب حاليا متميزة ولله الحمد ونِسَبُ المشاهدة عالية. المشكل هو أننا لا زلنا نعاني من بعض التعثرات على مستوى السيناريو ويجب أن نعمل أكثر في هذا المنحى. أما بالنسبة للتقنيين فهم أكفاء ويعملون بإنتاجات عالمية. كما أنني عملت مع ممثلين كثر، وصراحة لدينا العديد من الممثلين المبدعين والمتمرسين. لا زلنا نعاني من ضعف المواضيع التي نشتغل عليها. فهناك العديد منها لم نتطرق لها ولم نعالجها في أي عمل. ومن أجل السير قدما، يجب أن نتوفق في طرح هذه المواضيع المسكوت عنها من خلال أعمالنا وأظن أنه عما قريب سنتمكن من ذلك. ما يثلج الصدر هو أن أرى إنتاجات مغربية تحصد الجوائز العالمية في المهرجانات والمناسبات الدولية. وهذا مؤشر واضح يقول بأن السينما المغربية بصحة جيدة ولله الحمد.
-بما أنكم تحدثتم عن المهرجانات، فما هي في نظركم أكثر المهرجانات في المغرب التي تُمثل السينما المغربية بالشكل الجيد شكلا وموضوعا؟
أحب مهرجان طنجة ومهرجان مراكش. كما أنني أكون سعيدا عندما أحضر المهرجانات ويكون الفيلم المغربي له سمعة كبيرة ويتنافس ضمن مهرجانات كبيرة. كتتويجات الفيلم المغربي بمهرجان دبي أو مهرجانات أوروبية كالجائزة التي حصلت عليها بالبرتغال أو غيرها.فمثلا فيلم على الهامش سيكون إن شاء الله ببانوراما مراكش وأنا سعيد لحضور العرض. نحن نسير بخطي حثيثة ونطلب من العلي القدير أن يوفقنا لما هو أفضل.
-مراحل عدة مر بها عزيز داداس، وأصبح الجمهور اليوم يتابع أعمالكم بحب وشغف. فهل توفقتم في تحقيق كل ما تصبون إليه؟
أبدا. فأنا ما زلت في مرحلة البحث عن أعمال راقية للتلفزيون. لازلت أرغب في أن أكون عند حسن ظن الجمهور وفي مستوى تطلعاته لأنه يتابع أفلاما عالمية وقنوات ضخمة. فلكي تحقق له المتعة، يجب أن تكون الأعمال التي تشتغل ضمنها صادقة ونابعة من القلب.أمنيتي أن يعود كبار السن من الممثلين الذين لا زالوا بصحة جيدة للاشتغال وأن تُكتب سيناريوهات من أجلهم. لأن التلفزة المغربية موجهة لعامة الناس. والجمهور يتمنى أن يرى ذلك التآزر العائلي ويحلم برؤية كبار الممثلين في الأعمال التي نشتغل عليها. كما نحلم بالعمل مع ممثلين يجسدون أدوار آباء وأعمام لجيلنا نحن. فهي قيمة مضافة للمسلسلات وللأعمال السينمائية على حد سواء.
-ما الذي يلبي أكثر غروركم الفني، هل هي السينما أم التلفزيون؟
ما يلبي غروري الفني هو السيناريو الجيد سواء على مستوى التلفزيون أو السينما. أحاول أن أعمل بنفس الهمة سواء كان العمل سينمائيا أو تلفزيا. يعتريني نفس الخوف وأجتهد بنفس المقدار. وأدعو الله دائما ليوفقني. أفرح دائما عندما أرى الجمهور يستقبل أعمالي سواء على مستوى التلفزيون أو على مستوى السينما بحب. يبقى دائما التخوف من المستقبل. هل سأحقق نفس المتعة للجمهور أم لا.
-ماذا عن تجربة الإخراج، ألا تستهويكم؟
صراحة، لا طالما حلمت بإخراج فيلم كوميدي مائة بالمائة. لكن المسألة لازالت بعيدة المنال كما نقول.
– لما هذا الغياب عن المسرح؟
عزيز داداس هو بالأصل ممثل مسرحي. قَدِمْتُ إلى السينما والتلفزيون من خلال المسرح. لكن للأسف الوقت أو ربما عدم توفر عمل مسرحي في المستوى الذي أتطلع إليه هو ما يبعدني عنه. ربما في يوم ما سأجد ضالتي وأجد فرقة أعمل معها، عندها سيرى الجمهور عزيز داداس على خشبة المسرح.
-مؤخرا، في حفل افتتاح الدورة 23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، تحدث وزير الثقافة عن العقد النموذجي المرتبط بقانون الفنان. ما هي قراءاتكم لهذا العقد؟
هذا العقد النموذجي هو أمنيتنا. أمنيتنا تحقيق التقاعد للممثلين. العقد يجب أن يكون. الكل يسعى سواء النقابات أو الوزارة أن يكون هنالك عقد نموذجي يحافظ على كرامة الفنان. فالفنان يعمل ضمن المحافظة على الكرامة. فعندما لا يجد ما يحافظ على ماء وجهه لن يسعى للعمل وهذا هو الإشكال. والحمد لله، اليوم أصبحت لدينا الحقوق المجاورة وأشياء أخرى محفزة. بقي لنا مشكل تقاعد الفنان وبعض المطالب التي يمكن تحقيقها بكل بساطة وستعم بالنفع على الجميع وتُتَرجم بالجودة والتفاني أكثر في العمل.
-ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
بعد الانتهاء من مسلسل باسطوف، أحضر لمسلسل آخر. وهنالك فيلمان سيَريان النور قريبا هما على الهامش لجهان بحار وفيلم آخر تجاري لم نَبُث بعد في مسألة عنوانه. أو بالأحرى له عنوان مؤقت هو “أنا ماشي أنا”، لكن الإنتاج يفكر في عنوان آخر يكون قريبا أكثر من الجمهور. هذه هي أعمالي المستقبلية وأتمنى أن تلقى استحسان من الجمهور الحبيب.