a24-عبد اللطيف بوجملة
2/3
إن الثروات المعدنية و الطاقية الهائلة التي يتوفر عليها بر و بحر الصحراء المغربية بقي في عداد الطابو وطنيا و حتى دوليا، وهي لا تفتح شهية فرنسا و أذنابها فقط بل تفتح شهية العالم برمته، و لاسيما في الراهن المتقلب و المتوتر و المحموم بصراعات على مصادر الثروة و الطاقة و التسابق التكنولوجي بفعل رقمنة العالم الجارية. و لحسن حظ المملكة أن يشتهي العالم ثرواتها لان في ذلك ضمان و حماية لسيادتها من كل اعتداء مباشر أو بالوكالة ….
إن الأبحاث العلمية التي قدمها علماء أوروبيون كالجغرافي الألماني برينيسن (Brenneisen ch. M) ، فإن تربة الصحراء المغربية و ساحلها يتوفران على احتياطيات ضخمة من معدن التيتان titane و الفناديوم vanduim و الزنك و النحاس و الذهب و الحديد .
هذا الأخير لوحده و في منجم واحد هو منجم (Agrache) بوادي الهباب يبلغ احتياطياته ازيد من 70 مليون طن. ينضاف إلى ذلك الاكتشاف الجديدة و التي تمنح للملكة احتياطيات ضخمة لمعدن الليثيوم (Lithium) و الكوبالت.
لكن المحير في الأمر هو مصادر الطاقة الأحفورية و التي أعلن في غشت 1969 عن وفرتها بعد أن قامت شركات أمريكية و اسبانية بحفر بئر بساحل طرفاية، حسب المجلة المتخصصة journal of the American of geologistsl .
المجلة ذاتها أكدت أن اكتشافات شركة Esso في ساحل طرفاية كانت الأهم و الأضخم في أفريقيا تلك السنة.
ويؤكد برينيسن ( Brenneisen) ذاته أن الاستغلالية المنجمية الجديدة ” تتوفر على كميات هائلة من المحروقات ( نفط و غاز) و غنية بالفناديوم و المنغنيز، لكنها تحتاج إلى يد عاملة من البلدان المجاورة بسبب قلة عدد الساكنة”، ليخلص إلى استنتاج واحد هو توفر الصحراء المغربية على ثروات هائلة من المحروقات و المعادن، و هو ما يؤكده الكثير من المتخصصين تحت عبارة ” مؤهلات مرتفعة” تثير اهتماما قديما لشركات النفط الدولية.
من هنا يبدو أن العودة إلى تاريخ استكشاف النفط والغاز في الصحراء المغربية بات ضرورة ملحة للمغرب، بل و عليها ان توجه العلاقات الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، و تحديدا اسبانيا على أساس عادل يخلو من كل غطرسة استعمارية و يتوجه إلى المستقبل.
ان تاريخ دراسة مؤشرات النفط و الغاز في الصحراء المغربية، بدأ رسميا، عندما سمحت اسبانيا سنة 1960 بالبحث و التنقيب عن البترول و الغاز لفائدة الشركات الأجنبية في ” مستعمرة الصحراء” عبر قانون جديد هو قانون 1958 حول الاستثمار النفطي، حسب الباحث البريطاني توماس هودجيس(T.HODGES) المتخصص في القضايا الإفريقية و خريج جامعة أكسفورد.
و قد تم تقسيم تراب الصحراء المغربية إلى 108 بلوك يشمل كل واحد منها مساحة 70 كلم على 35 كلم. كما تم وضع نظام ضريبي يحدد شروط الرسوم عند الاستخراج . كما وضعت مصلحة المناجم الاسبانية سجلا جيومغناطيسي على مساحة 160 ألف كلم مربع اشترت تراخيصها الشركات النفطية الدولية مقابل 60 مليون “بنس”، كما منحت 40 امتيازا للبحث و التنقيب لفائدة 11 شركة نفطية أجنبية مختلطة، تبين بوضوح توفر النفط و الغاز بأرباح محتملة ضخمة عند استغلال هذه الاكتشافات، غير أن الأمر توقف فجأة، لأسباب يجهلها الباحث البريطاني هودجس.
ثم ستعود الاستكشافات النفطية مجددا سنة 1966 ، و هذه المرة على الساحل، و هي الاكتشافات التي أكدت وجود النفط في الجنوب المغربي و لكن من نوعية رديئة و بالذات سنة 1971، و استمرت الاكتشافات بدخول شركتا I.N.I و .union carbidge pétroleur
و عند خروج اسبانيا سنة 1976 ، استمرت الاكتشافات و التنقيب برا و بحرا على عشر المساحة الإجمالية للصحراء المغربية و البالغة 266 ألف كلم. إذ ستوقع شركتا “بريتيش بتروليوم” و “فليبس اويل كوباني ” على اتفاقية مع مكتب الأبحاث و المساهمات المعدنية سنة 1977 على مساحة 35 ألف كلم مربع بين مدينتي العيون و بوجدور، و لم ينفذ الاتفاق بسبب حرب الاستنزاف التي تخوضها الجزائر بالوكالة ضد المغرب.
في السنة ذاتها سيتم اكتشاف حقل نفطي بمدينة السمارة حسب ما نشرته الاقتصادية الفرنسية الزا أسيدون في كتابها حول الصحراء بدار ماسبيرو سنة 1978 .
التباس آخر يضاف إلى موضوع اللبس الذي أحاط بالثروة النفطية في الصحراء المغربية هو المتعلق بأسباب توقف الاكتشافات بموريتانيا لمدة عشرين سنة، على بدئها منح عقود للتنقيب عن النفط و الغاز على الحدود البحرية للصحراء المغربية على مساحة 24 ألف كلم مربع بحري لشركات GETTY و AGIP و PHILPS . كما وضعت موريتانيا سنة 1981 خريطة لتراخيص بحرية انطلاقا من خليج جوبي إلى حدود مدينة الداخلة على بعد 60 كلم، و امتدت على مساحة 260 كلم طولا و 60 كلم عرضا، وعلى مساحة إجمالية بلغت 15 ألف كلم.
و بعد 20 سنة ستعتبر المصلحة الجيولوجية للولايات المتحدة الأمريكية ” u.s geological survey” ان موارد الغاز و البترول كانت ضخمة و من المحتمل أن تكون واعدة و مربحة.
و ان كانت المحروقات من الرهانات التي يختزلها الصراع على الصحراء المغربية، إذ إن أضفنا الثروات المعدنية في مجملها و لاسيما ثروة الفوسفات و الثروة السمكية و المعادن النفيسة الناذرة، سنفهم جيدا المعطيات الاستراتيجية الجديدة و التي ستجعل من المملكة المغربية تتربع على عرش الدول التي تؤمن للعالم جزءا غير يسير من طاقته غير النظيفة و الخضراء و معادن صناعة الذكاء التكنولوجي و الأهم تأمين غذاء العالم من خلال الثروة السمكية و الأسمدة و هذا ما يخيف فرنسا و سليلتها دولة ” جيش إفريقيا الامبريالي”. و لان فرنسا بطبيعتها البرغماتية التاريخية و إيثار مصلحتها أولا وأخيرا، فان هذه المصلحة تمر من الرباط عاجلا أو آجلا، و سنرى في الأيام القليلة القادمة كيف ستنبطح لمصالحها الاستراجية عبر الاعتراف بمغربية الصحراء، و إلا سيفوت الأوان اعترفت أم لم تعترف.
أما بعبع الحرب الكبرى في الصحراء الذي تتوعدنا به من خلال سليلتها الوظيفية و غير الشرعية دولة “جيش إفريقيا” فمجرد نباح، في ظل المتغيرات الاستراتيجية الجارية و الحاسمة في المنطقة الأطلسية التي تتشكل و تشي بصعود لافت لقوة إقليمية ضاربة و موثوق بها لدى حلفائها الاستراتجيين الجدد، غربا و شرقا و جنوبا و شمالا، اسمها الإمبراطورية الشريفة.