a24- عبد اللطيف بوجلمة
1/3
قبل أن تولد القضية التي وصفها الراحل الفذ الحسن الثاني، و هو يوجه الكلام الرسمي لمحاوره على الضفة الأخرى الجنرال فرانكو، بابتلاء قريب “بفيروس اسمه تقرير مصير الصحراء” في دهاليز مجلس الأمن الدولي، كانت و لا تزال مسألة تتجاوز أبعادها الإقليمية، المغاربية تحديدا، إلى ما هو دولي .
و قد يفهم من هذا الأخير أن الرهان السياسي و الاقتصادي لمسألة الصحراء المغربية قد يقتصر فقط على القوى الكولانيالية، لكن المتمعن و المتتبع لهذا الملف سيدرك بيسر أن الصحراء المغربية كانت و لا تزال تثير اهتماما قديما لشركات النفط العالمية.
الأمر، إذن، يتجاوز الدول المستعمرة القديمة و التي تعي و تدرك و تعرف بالتفصيل المؤهلات و الموارد الاستراتيجية للصحراء المغربية و حان الوقت لرفع الحرج على اطلاع الرأي العام الوطني على هذه التفاصيل و التي كان الراحل الحسن الثاني على معرفة دقيقة بها، لكي لكي نفهم حجم الشراسة التي تتعاطى بها فرنسا على عهد “دوغول الصغير” وزنيمها الوظيفي سليل دولة” جيش أفريقيا ” و البساط يسحب من بين أقدامهما، هذا من جهة، ومن جهة ثانية،لكي يفهم و يعي المغاربة حجم تحديات الوجود الكبرى التي تواجه المملكة الشريفة و هي في الطريق لتستعيد موقعها التاريخي و الحضاري و الاستراتيجي كقوة إقليمية منبعثة و صاعدة، و من جملتها حرب الوثائق و الخرائط و البحث التاريخي الاقتصادي و لاسيما في الموارد الاستراتيجية كالنفط و الغاز و المعادن الثمينة.
امامنا حروب شتى نخوضها و من جملتها رفع وهم قدر أن نكون تابعين بل تلاميذ نجباء للغرب، و الا يتعدى طموحنا هذا السقف. هذا ما تريده فرنسا منذ القديم و انكشف فاضحا على عهد دوغول الصغير، القوة الكبرى التي تقاسمتنا و تعتقد أننا نتقاسمها أيضا .
و كما فخخت هذه القوة الغاشمة استقلال مستعمراتها المغاربية بألغام العبث بالحدود الموروثة باتفاقيات و عهود بين سلاطين العثمانيين و سلاطين الامبراطورية الشريفة و بسلب مساحات شاسعة لفائدة فرنسا الثانية وفي التخطيط بعيد المدى لإرساء شروط العداوة و الصراع الاقليمي بالمغرب الكبير عبر السماح بقيام أنظمة حكم وظيفية متناقضة عضويا و متصارعة على الدوام ، و موزعة بين حكم ملكي متأصل و وريث لتاريخ مديد من الحكم و النظام حتى قبل أن تولد فرنسا ذاتها، وبين حكمين استبداديين واحد بلبوس جمهوري و الأخر عسكري ديكتاتوري بلبوس اشتراكي هجين.
و السؤال الجوهري و الذي يطرح مجددا هل كان لفرنسا بالفعل دور في تدبير الأزمة المغاربية الطاحنة حول الصراع على الصحراء المغربية، المغربيةبقوة التاريخ و بقوة الوثائق و مواثيق البيعة، ؟ و ان كان كذلك ، فكيف دبرت هذه الازمة المستعصية لما يزيد عن ستة عقود؟ و ثم اي دور لها اليوم بعد الاختراق الدبلوماسي غير المسبوق للمغرب و يتجه إلى حسم الصراع و الملف دون رجعة؟
لكي نفهم السلوك السياسي الفرنسي المتذبذب، منذ قيام الجمهورية الخامسة إلى اليوم و هي تعيش لحظات أفولها، والذي تارة ينحاز إلى طرف مغاربي أثير بسبب الغاز و النفط والسوق ضد طرف أو أطراف أخرى و تارة ضد الأثير ذاته، والتي سمحت بوجوده و حمته، وهي اليوم تستعمله بالوكالة في فرض سياستها الخارجية و حماية مصالحها ما بعد الكولونيالية، لكي نفهم سلوكها العدواني علينا ان نتوسل الموضوعية العلمية و البحث عن الحقيقة التي أريد إخفاؤها على الدوام، بأن نكشف و نقارب رهانات الصراع على الصحراء المغربية، وهي رهانات سياسية استراتيجية ترتبط أساسا بثرواتها و مواردها الطبيعية والمعدنية و الطاقية الاحفورية، و التي من شأن استغلالها ان يجعل المملكة الشريفة بلدا مزدهرا في زمن قريب جدا، قادرا على اللحاق بدول جنوب أوروبا أسرع مما توقعه خبراء البنك الدولي.
بسبب خوفها المزمن من الامتداد المغربي في فضائه الاقتصادي الإقليمي و القاري كقوة صاعدة، تضع فرنسا يدها على قلبها و تسارع من أجل أن توقف هذه العجلة و مآلاتها الجارفة و التي تهدد مصالحها الحيوية و الاستراتيجية و التي حافظت عليها و هي تفقد آخر قلاع إمبراطوريتها الاستعمارية.