إبراهيم غالي.. “زعيم” ميليشيات البوليساريو آلة قديمة متآكلة يرممها النظام الجزائري لإحماء عقيدة العداء ضد جيران أشقاء
حسن عين الحياة
بدا إبراهيم غالي في افتتاح المؤتمر الـ16 للبوليساريو كآلة قديمة متآكلة، وهو يتهجَّى ما خُطَّ له في الورق بمطبخ قصر المرادية.. كان يقرأ ما كُتب له أمام 13 ميكروفونا للقنوات والمنابر الإعلامية الجزائرية، بعضها تحمل هويات بصرية مُكررة بشكل فاضح لتضخيم العدد.. وبالتالي لا يمكن لغالي أن يخطئ أو يرتجل حتى، أمام هذا “الزخم الإعلامي”.. كل كلمة محسوبة، وكل خروج عن النص، يعني الخروج من السباق، وبالتالي التنحية عن “الزعامة”.
كان غالي المنهك يخطب في وفود أجنبية ليس بينها شخصية معروفة، بعد نقلها عن طريق الخطوط الجزائرية إلى تندوف، ويخطب أيضا أمام حشد يعلم أنهم محتجزين، وآخرين مستوردين من إفريقيا جنوب الصحراء، جنَّسهم النظام العسكري الجزائري وصبغهم بألوان الجبهة، بالإضافة إلى مئات العسكريين الجزائريين بزي مدني، جيء بهم كي يصفقوا لغالي، وفي الوقت نفسه، تأمينه من أي انفلات للغاضبين في تندوف.. ومع ذلك، واصل “الزعيم” خطبته في “مسرحية المؤتمر”، دون أن ينسى حرفا منها، ودون أن ينسى كيل المديح لتبون ونظامه كراعي رسمي وحصري للبوليساريو.. بعدها أرغى وأزبد.. تنهد وندَّد وتوعد. فالعسكر الجزائري الذي يراهن عليه للاسمرار في ولاية ثانية على رأس الجبهة، ما يزال يؤمن بأن “البوليساريو” قادرة أن تحدث الفارق.. والفارق هنا هو توسيع مساحة الوهم، من خلال خطبته الحماسية الغارقة في شعارات الحرب الباردة، التي أكل الدهر عليها وشرب.
والفارق هنا، والذي يبعث على الضحك، هو أن قلة قليلة جدا في تندوف بقيادة غالي، تعاني من الأمراض وتتعرض للقمع من نظام الكابرانات وتمارسه على القاعدة في المخيمات، وتتسول المساعدات الجزائرية والأجنبية وتعيش البؤس في الخيام والمنازل الطينية، والتي لا تعرف حتى طرقا وشوارعا من الإسفلت، تريد بشكل سريالي، تحرير الأقاليم الجنوبية المغربية التي يعيش فيها الصحراويون أحرارا وبكرامة، وتسجل معدل نمو مرتفع، وتعتبر من أكثر النقط المضيئة والآمنة استقطابا للسياح في القارة السمراء، والأكثر من ذلك، تضم ملايين الصحراويين الأحرار في اختياراتهم وتنقلهم.
ذلك أن الصحراء المغربية لها زعماؤها من أبناء الدار، يسيرونها بطريقة ديمقراطية، بعدما أفرزتهم صناديق الاقتراع في أكثر من محطة انتخابية، قبل أن يعطي هؤلاء الصحراويون درسا قاسيا للجزائر من خلال نسبة مشاركتهم في مختلف الانتخابات المغربية، التي اعتبرت الأعلى مقارنة مع باقي جهات المملكة.
لقد بدا غالي الذي يعلم كل هذا، أكثر من أي وقت مضى، مستسلما للواقع.. والواقع يوجد في الصحراء المتشبثة بمغربيتها، والتي تحصد الدعم الدولي بكثافة، فضلا عن احتضانها للتمثيليات الدبلوماسية للدول من خلال القنصليات.. وبالتالي، بدا “الزعيم” ببزته العسكرية في المؤتمر الذي هندس له قصر المرادية، كدمية لا تهش ولا تنش، اللهم ترديد شعارات من قبيل “الكفاح المسلح”، أمام أعين أبصرت كيف بدا هذا السلاح كالمفرقعات، في محطة “الكركارات”.
لقد بدا كل شيء مرتبا له سلفا، بنفس التخطيط والأسلوب والسيناريو القديم، الذي ظلت تعتمدهما الجزائر في كل ما يرتبط بسياستها الداخلية، المُسوَّرة بأسلاك كهربائية عالية التوتر. إذ لا شيء يمكن أن يخرج من قبضتها المحكمة، حتى وإن تعلق الأمر بتركيب مصباح في مخيمات تندوف.. والأخبار القادمة من هناك، تقول إن العسكر الجزائري بمعية مليشيات البوليساريو، طوقوا كل المخيمات في تندوف بالدبابات، مباشرة مع انطلاق مسرحية المؤتمر الـ16، ومنع “التيندوفيين” في ما يسمونه مخيم “الداخلة” من الدخول أو الخروج منه إلى غاية انتهاء المسرحية، وذلك تحسبا لأي طارئ.
ولأن الجزائر تراهن، وفق عقيدتها العسكرية العدائية، على جبهة البوليساريو لزعزعة استقرار المغرب والمنطقة برمتها، فقد كان لابد لها من ضبط كل كبيرة وصغيرة تجري في هذا المؤتمر الذي ترعاه بالعدة والعتاد، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تعاني فيها الجبهة من شيخوخة القيادات، وتعالي الأصوات الشابة التي ترى في الحكم الذاتي حلا حقيقيا لحل مشكل الصحراء الذي افتعلته الجزائر منذ نصف قرن تقريبا. لذلك، فإن اختيار إبراهيم غالي على رأس “الجمهورية الوهمية”، لولاية ثانية، بالرغم من شيخوخته وتنقله الدائم للعلاج، يبرز إلي أي حد تعاني الجزائر من إيجاد خلف له، يخدم أجندتها ويترجم نزعتها العدائية لجار تعتبره عدوا كلاسيكيا.
ارتبط اسم إبراهيم غالي البالغ من العمر 74 سنة، خلال السنوات القليلة الماضية، بتنقلاته الكثيرة للعلاج بعد معاناته الطويلة، وفق مجلة “جون أفريك”، مع سرطان الجهاز الهضمي. فقد سقط مغشيا عليه، بسبب انهيار عصبي حاد، أثناء تطهير الجيش المغربي لمنطقة الكركارات من ملشيات البوليساريو، ليتم نقله على وجه السرعة إلى مستشفى ميداني جزائري، قبل أن يصاب مرة أخرى معية غالبية قيادة البوليساريو بعدوى فيروس كورونا، حيث تم نقله في حالة جد حرجة، وفي تكتم شديد عن سكان المخيمات، إلى أحد المستشفيات بالعاصمة الجزائر، لتزداد حالته خطورة، ومن تَم تهريبه، كشحنة ممنوعة إلى مستشفى في إسبانيا، باسم مستعار.. وقتها علق “التندوفيين” بسخرية أنهم آخر من يعلم بمرض “الرئيس” وبالمستشفى الذي يرقد فيه “الرئيس”، خاصة وأن غيابه الطويل عن الرابوني، كانت تبرره البيانات والبلاغات القائلة بأنه يتفقد المعسكرات أو يوجد في مهام رسمية.
وهنا علق منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف المعروف اختصارا باسم منتدى “فورساتين” على تهريب “الزعيم” إلى إسبانيا، خاصة بعد افتضاح أمره أمام العالم، مخاطبا سكان تندوف بسخرية “يرونها عصابة وترونها دولة.. يرونه “بطوش” وترونه “غالي”.
الذين رافقوا إبراهيم غالي عند تأسيس الجبهة على يد الوالي مصطفى السيد سنة 1973، يقولون إنه مغربي أبا عن جد، إذ ولد سنة 1949 بمنطقة الرحامنة، قبل أن تغادرها أسرته وهو مجرد طفل رضيع، لتضع رحالها بمدينة السمارة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، مؤكدين أن له عم في مدينة مراكش، ولا يعلمون إن كان ما يزال على قيد الحياة.. وتشير بعض التقارير إلى أن غالي لم يتلق تعليما مدرسيا نظاميا، بل اقتصر تعليمه على الكتاتيب. والآن، يقول هؤلاء، ما تزال لعائلة غالي زاوية في منطقة الرحامنة يقال لها “زاوية الفقراء”.. فيما يؤكد آخرون، أن الاسم الحقيقي لإبراهيم غالي، هو غالي ولد سيد المصطفى، من مواليد مدينة السمارة، ركيبي الأصل، ينتمي إلى أسرة يقال لها ولاد الطالب بالسمارة.
كما كشف مصطفى سيدي البشير قبل عام، وهو قيادي في جبهة البوليساريو، في لقاء له في باريس، أن لا أحد خارج تندوف يعتبر إبراهيم غالي رئيس دولة، معتبرا أن “غالي مجرد لاجئ بدائرة لكويرة في تندوف، ومسجل باسم غالي ولد سيد المصطفى وليس ابراهيم غالي.. هذا اسمه عند منظمة غوث اللاجئين، ولا يعتبرونه رئيسا، ولا يُعتبر حتى إطارا لدى غوث اللاجئين التي تعطي التمويل”.
أحد الذين رافقوه في بداياته الأولى يقول، كانت انطلاقة إبراهيم غالي معنا لتأسيس البوليساريو سنة 1973 بالزويرات في موريتانيا، لكن قبل ذلك، كان غالي جنديا في الجيش الإسباني برتبة “كابرال”، كما كان مترجما للحاكم الإسباني بمدينة السمارة، لكن سرعان ما بدأ اسمه في البروز أكثر.. فقد شارك في النضال السياسي الذي كان يقوده محمد بصيري المفقود، والذي كان قد أسس حزبا في الصحراء سمته إسبانيا آنذاك بالحزب المسلم.
ويضيف رفيقه القديم، “لما التحقنا بالزيورات في موريتانيا، وكنا 26 عضوا، وأسسنا البوليساريو يوم 28 أبريل 1973، تم اختيار إبراهيم غالي أمينا عاما، وكان أول أمين عالم للبوليساريو لما له من مواصفات تؤهله للمنصب آنذاك، ضمنها انتماؤه للأراضي التي توجد وقتها تحت سيطرة إسبانيا”.
بعد مهمته كأول أمين العام بجبهة البوليساريو، ترك غالي بأمر من الجزائر المنصب لعبد العزيز المراكشي الذي جيء به من آخر الصف، فشغل منصب وزير الدفاع للبوليساريو الذي قضى فيه مدة طويلة، قبل أن يتم بعثه كممثل للبوليساريو في مدريد، وبعدها تم تعيينه سفيرا للجبهة في الجزائر.. هناك، يقول الذين يعرفونه جيدا، قضى مدة طويلة بالعاصمة، قريبا من قصر المرادية، وكان هذا التعيين بمثابة “سطاج” لتهييئه لمرحلة ما بعد عبد العزيز المراكشي، وإن كان غالي، يجر خلفه ماضياً أسودَ من نهب المساعدات واغتصاب نساء في تندوف وفي إسبانيا، وجرائم أخرى، يُتابع فيها قضائيا، ضمنها ملفات اغتيال وتعذيب وقتل تصل إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، وهي الملفات التي ما تزال بعض المنظمات الحقوقية في الخارج تطالب، على ضوء هذه الانتهاكات، باعتقاله، وتقديمه للمحاكمة.
اليوم، وهذا ما كشفت عنه “مسرحية المؤتمر”، بدا إبراهيم غالي مجرد بوق يصدح نظام الكابرانات من فوهته الضيقة، وفي اعتقاده أنه سيصدر الصدى، لكن هذا النظام، من شدة عقيدته العدائية للمملكة، لا يريد أن يصدق أن هذا البوق ينطبق عليه المثل القائل” فاقد الشيء لا يعطيه”.