يندرج مشروع “إحياء الأغاني النسائية بمنطقة تارودانت”،في إطار المجهود الذي تقوم به “جمعية بحاير الداليا” بتعاون مع وزارة الثقافة والاتصال – قطاع الثقافة ، و بتمويل من طرف صندوق التراث الثقافي غير المادي ، في إطار تفعيل اتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ال”يونسكو” لسنة 2003 الخاصة بصون التراث غير المادي ، والتي صادق عليها المغرب منذ سنة 2006 .
ويسعى هذا المشروع الممتد على سنتين ( 2018 و 2019) بصفة خاصة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تشمل على الخصوص جمع و تحقيق متون الأغاني النسائية بمنطقة تارودانت . وتوثيق واستعادة الحلي والملابس والآلات الإيقاعية التي كانت تستعمل قديما . وإعداد شريط وثائقي حول خصوصيات هذا الفن التراثي . و تنظيم ورشات تكوينية لفائدة ممارسات هذا الفن التراثي الأصيل .
وتهدف “جمعية بحاير الداليا” من وراء هذا المشروع ،ليس فقط إلى إحياء هذا الفن التراثي ، بل أيضا إلى تثمينه وترسيخه في أوساط المجتمع الروداني ، وذلك عن طريق توعية النساء اللواتي يمارسنه بأهميته الثقافية والهوياتية والاجتماعية والاقتصادية ، وضرورة انخراط المؤسسات العمومية والخاصة ومراكز البحث والأساتذة الجامعيين والمجتمع المدني من أجل تحقيق هذه الغاية .
وحسب الورقة التعريفية التي تم توزيعها بمناسبة تنظيم اللقاء التواصلي الذي نظم مؤخرا في مدينة تارودانت من أجل إطلاق هذا المشروع ، فإن الغناء النسائي الروداني، هو عبارة عن”غناء قديم يمارس من طرف مجموعة نسائية تحيي المناسبات الاجتماعية و الدينية ، حيث جرت العادة قديما على تقديمه للنساء فقط . و هو مكون من عدة أنماط “.
ومن جملة هذه الأنماط الغنائية هناك “فن الك ريحة” ، وهو فن ارتبط بالوجدان ، ومن أغراضه هناك الغزل و المدح و المناجاة الصوفية . ويتميز بكون بناء المتن فيه مركب و يشمل ” الغ ن اي ة” ، التي غالبا ما تكون أغراضها متعددة ،و تختم ب ” الع داي ة ” التي تتفنن فيها الناظمة في مدح الحضور و التغني بأسمائهم . ثم هناك ” الش د ة” التي لا تخص “غ ن اي ة” دون أخرى ، وتتميز باستقلالية تامة .
ويختلف نمط ” الك ريحة” عن باقي الأنماط في الإيقاع و الآلات المستعملة ك”الرق”، و “الطر ي ر” و” الص ين ي ة و الك يسان” و ” الر ش ” (الضرب بالأكف) ، إضافة إلى “الط ع ارج”. أما ” الب نادر” ، فتمت إضافتها في ممارسة هذا الفن في الأعوام الأخيرة .
وإلى جانب فن “الكريحة” هناك نمط ” أحيدوس”، وهو إبداع وليد اللحظة ، عبرت فيه الناظمات عن مواقف اجتماعية وسياسية ، كما ساهم في توثيق مجموعة من الأحداث التاريخية المحلية منها والوطنية و الدولية .
وعلاوة عن ذلك ، فإن فن أحيدوس عبارة عن ديوان يعكس ثقافة المجتمع الروداني بكل تقاليده ،حيث نجده حاضرا في جل مراحل العرس التقليدي من ” أب ر از”، إلى “الص ب اح” حتى” الر و اح” . ويعتمد في ممارسته على” 2 طعارج”، و”2 بنادر”، و”الن اق وس ” (أداة إيقاعية معدنية) . ويتكون متنه من “الغ ن اي ة”، و “الع د اي ة “، وأحيانا يختم كذلك ب ” الش د ة” .
ومن هذه الأنماط الغنائية أيضا نمط “شد الميزان” الذي يتميز بسرعة إيقاعه ، وتنوع أغراضه الاجتماعية و السياسية . كما أن هذا الفن يشترك في خصائصه مع الميزان ” الهو اري ” (نسبة إلى منطقة هوارة بإقليم تارودانت)، و الميزان ” ا لي ح ي او ي ” ( نسبة إلى منطقة أولاد يحيى) ، في الإيقاع و مواضيع المتون.
أما بخصوص الأدوات الإيقاعية المستعملة في ممارسته ، فالإضافة إلى ” 2 طعارج ” و ” 2 بنادر ” و ” الن اقوس ” ، ن جد آلة ” الت ق ط اع ” ، وهي عبارة عن ” ب ن د ير ” صغير الحجم يستعمل في مرحلة الرقص .
أما ن مط ” ح ور ان” ، فهو فن يجتمع فيه الرقص بالغناء ، مع غياب تام للآلات الإيقاعية ، ويعتمد على الضرب الإيقاعي على الأكف فقط . وهو فن أصيل يمارس من طرف قبائل “هوارة” و “أولاد يحيى”، مع احتفاظ كل جهة بخصوصيتها ، ويكون حاضرا في العرس التقليدي الروداني.
وبالنسبة ل نمط ” الحضرة “، فهو فن المديح الذي ينقسم إلى ثلاثة أنواع ، وهي “العيساوية” التي لها خصوصيتها حيث تستعمل البنادر فقط ، وذلك على خلاف ” الحضارية” و”الضراوية” التي تستخدم فيها إلى جانب “البنادر”، الأدوات الإيقاعية الأخرى مثل “الطعارج” و” الن اقوس” . ويبقى مدح النبي صلى الله عليه و سلم هو الموضوع الغالب على متونها ، حيث كان فن الحضرة بجميع أنواعها يؤدى خلال المناسبات و الأعياد الدينية ، وخصوصا في رمضان.