في دفاعه المستميت عن إبقاء النيابة العامة تابعة لوزارة العدل, أحالنا السيد الوزير على مقتضيات المادة الأولى من دستور فاتح يوليوز 2011 والتي تنص على ما يلي: “يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديموقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة” ، في إشارة منه بالذات إلى هذا المقتضى الأخير الذي هو “ربط المسؤولية بالمحاسبة” على أساس أنه, وفي نظر السيد وزير العدل والحريات, أن جعل النيابة العامة تحت إمرة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض , وهو الطرح الذي يذهب إليه أغلب المتمسكين بمبدأ استقلالية النيابة العامة عن الجهاز التنفيذي, يتنافى والمقتضى المذكور ما دام تعيين الوكيل العام للملك بمحكمة النقض لا يأت عن طريق صناديق الإقتراع، أي من الشعب.. ومن تم لن يتسن إخضاع أعماله للمراقبة والمحاسبة من لدن هذا الأخير عبر منتخبيه.
إن تقييم مدى رجاحة هذا الرأي يتطلب منا حتما الإنطلاق من مدى إمكانية مساءلة كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية للسلطة القضائية ككل وليس فقط لأحد أعضائها الذي هو الوكيل العام للملك.
بمعنى آخر هل يتصور إخضاع المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره هرم هاته السلطة بمقاربته الجديدة لمنطق المساءلة هذا والحال أن ضمان استقلالية السلطة القضائية, الذي هو مجال عمله وتدخله, يتعارض وأية فكرة لوضع القضاة تحت تأثير أية سلطة كانت باستثناء القانون ما دام هذا القانون نفسه قد وضع آليات مراقبة القرار القضائي وأحكم تنظيمها من خلال ممارسة طرق الطعن, التجريح, الإحالة من أجل التشكك المشروع, إقرار المسؤولية التأديبية والمدنية والجنائية للقاضي, إقرار مسؤولية الدولة عن الأخطاء المرتكبة في تصريف العدالة,..؟!!!
وإذا نحن أمعنا النظر في مقتضيات الدستور الجديد وجدناها تصب في اتجاه جعل السلطة القضائية في منأى عن أية مساءلة من شأنها المساس باستقلاليتها وبمبدأ فصل السلط : فما معنى أن يخلو الباب السادس من الدستور المنظم للعلاقات بين السلط والمجسد لفكرة المراقبة تلك من أي فصل يتحدث عن السلطة القضائية وموقعها من المراقبة ؟!!! وما معنى أن ينص في الفقرة الثانية من المادة 113 منه على كون وضع التقارير من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بخصوص وضعية القضاء ومنظومة العدالة والتوصيات الملائمة بشأنها إنما تتم بمبادرة منه وليس بناء على طلب أية جهة كانت؟!!!
ولماذا تم التأكيد في الفقرة الأخيرة من هذا الفصل على كون إصدار المجلس لآراء مفصلة حول مسألة تتعلق بسير القضاء بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان يجب أن يتم مع مراعاة مبدأ فصل السلط؟!!!
إذن.. لماذا إقحام مؤسسة “الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض” بالذات في “منطق المحاسبة” ؟!!!
كان هذا ردي في حدود النطاق في انتظار عرض باقي الموجبات المؤسسة لفك ارتباط النيابة العامة عن سلطة وزير العدل.
نائبة رئيس نادي قضاة المغرب