ندوة
” الوحدة الترابية ومقومات الحسم النهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”
الورقة التقديمية للندوة
يطرح موضوع الوحدة الترابية للمغرب، في علاقته بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وفي أبعاده التاريخية والسياسية والإنسانية، عددا من الجوانب التي ينبغي توضيحها. لذلك تطرح هذه الأرضية مقدمات استجماع مقومات الحسم النهائي لهذا النزاع.
تصفية الاستعمار و افتعال مشكل الصحراء إبان استعادة المغرب لأقاليمه الجنوبية.
كان المغرب من آخر قلاع المقاومة التي سقطت أمام المد الاستعماري، الذي بلغ أوجه خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث لم يتمكن الاستعمار من إحكام سيطرته العسكرية على مجموع التراب المغربي إلا في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، ول تكد تهدأ المقاومة المسلحة، حتى تبلورت مقاومة من نوع آخر، متمثلة في الحركة السياسية الوطنية، التي توجت نضالها، مع استئناف المقاومة المسلحة على يد جيش التحرير بداية الخمسينات، بعودة ملك البلاد جلالة المغفور له محمد الخامس من منفاه، واستعادة المغرب لاستقلاله منتصف الخمسينات.
هكذا، لم تسمح المقاومة الشرسة، التي واجه بها الشعب المغربي الغزو الاستعماري ، للاستعمار بإحكام سيطرته على البلاد إلا على مراحل، وبعد إبرام تحالفات بين القوى الاستعمارية لاقتسام أراضي البلاد. وعرف المغرب من جراء ذلك، شر تمزيق لأراضيه التي تقاسمتها الدول الاستعمارية، حيث اقتسمت فرنسا وإسبانيا المناطق الصحراوية، وسيطرت فرنسا على المنطقة الوسطى، كما سيطرت إسبانيا على منطقة الريف، وأخضعت مدينة طنجة لإدارة دولية، فضلا عن سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما الخاضعة للاستعمار منذ القرن الخامس عشر.
وهذا ما اضطر المغرب، بعد إلغاء معاهدة الحماية، واسترجاع المنطقتين السلطانية و الخليفية، والمنطقة الدولية بمدينة طنجة، إلى بدء معركة جديدة لاسترجاع باقي مناطقه المستعمرة واستكمال وحدته الترابية، طارحا على الأمم المتحدة مطالبه باسترجاع باقي أراضيه المغتصبة. وتم بالفعل في هذا الإطار استرجاع طرفاية، وبعدها سيدي إيفني، وواصل مطالبته باسترجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب، وسبتة ومليلية والجزر التابعة لهما.
في نفس السياق والاتجاه، عندما قرر الاستعمار الفرنكوي بداية السبعينات، خلق كيان مستقل منفصل عن المغرب في الأقاليم الصحراوية الجنوبية المستعمرة، قرر المغرب إعلان التعبئة الوطنية لإفشال المخطط الفرانكاوي، واسترجاع أقاليمه الجنوبية. وبعد حصول المغرب على رأي محكمة العدل الدولية الذي أقر بأن الأقاليم الصحراوية لم تكن أرضا خلاء، وأن روابط بيعة سكان هذه الأقاليم للعرش المغربي ثابتة تاريخيا، توجت التعبئة الوطنية بتنظيم المسيرة الخضراء التي أعادت للمغرب منطقة الساقية الحمراء سنة 1975، ومنطقة وادي الذهب سنة 1979، واستكمل المغرب بذلك تصفية الوجود الاستعماري بأقاليمه الجنوبية.
معاداة الوحدة الترابية في سياسة النظام الجزائري
لم يسبق للجزائر قبل السبعينات من القرن الماضي، أن نازعت المغرب في مغربية أقاليمه الصحراوية الجنوبية، بل وعبرت مرارا عن مساندتها لحق المغرب في استرجاع ما تبقى من أراضيه المسعمرة. لكن لما عزم المغرب على استرجاع أقاليمه الصحراوية الجنوبية من يد الاستعمار الاسباني، انقلب النظام الجزائري على مواقفه المعلنة سابقا، وانحاز بشكل سافر إلى الأطروحة الفرنكوية القاضية بخلق كيان مصطنع بالأقاليم الصحراوية الجنوبية، وفصلها عن وطنها الأم.
وبعد جلاء جيش الإحتلال الاسباني واندحاره أمام المسيرة الخضراء، تبنى النظام الجزائري المشروع الفرنكوي الانفصالي برمته، وأصبح راعيه الأول. ومنذ ذاك، لم يدخر النظام الجزائري أيا من امكاناته ووسائله المالية والدبلوماسية والسياسية لتحقيق المشروع الانفصالي بالأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية. بل ولم يتردد خلال السبعينات في التدخل العسكري المباشر كما حدث في واقعة امغالة1979.
لقد تأكد بالملموس الواضح، مع استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية الجنوبية، أن النظام الجزائري، مستندا إلى دعم عدد من الدول في ظل الحرب الباردة ، وإلى موارده المالية الضخمة من الغاز والبترول، يحلم بالتحول إلى ” قوة عظمى” تفرض هيمنتها على منطقة شمال غرب افريقيا، من خلال خلق كيان مصطنع بالأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية ، يضمن له منفذا على المحيط الأطلسي من جهة ، ويضمن له تطويق المغرب من أجل إضعافه ، من جهة ثانية.
ومنذ استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية الجنوبية، ظلت معاكسة المغرب في الحفاظ على وحدته الترابية وسيادته الوطنية، خطا ثابتا واختيارا استراتيجيا في سياسة النظام الجزائري، مسخرا في ذلك “دبلوماسية” الغاز والبترول ومواردها المالية لكسب دعم الدول الفقيرة لمشروعه الانفصالي، وإرشاء أوساط أممية كثيرة لتشويه صورة المغرب ومحاصرته، وإفشال كل المساعي الأممية لإيجاد حل سلمي عادل للنزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية.
وفي هذا السياق كان دور النظام الجزائري حاسما في إفشال الاستفتاء الذي اقترحه المغرب خلال الثمانينات لإنهاء مشكل الصحراء، حين أصر النظام الجزائري على إقحام عشرات الالاف من الاسماء التي لا تمت بصلة للأقاليم الصحراوية في لوائح المصوتين، في الوقت الذي يرفض فيه رفضا قاطعا السماح للمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بالقيام بإحصاء للسكان المحتجزين في مخيمات تندوف.
وتبعا للكم الهائل من مناورات النظام الجزائري، اضطرت الأمم المتحدة في نهاية المطاف إلى التخلي عن خيار الاستفتاء لعدم قابليته للتطبيق. مؤكدة من خلال ذلك، ضمنيا، أن خيار الاستفتاء ليس هو الآلية الوحيدة لـ”تقرير المصير” الذي يتشبث به النظام الجزائري. ورغم تغير السياق الدولي للنزاع حول الصحراء مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، وتغير معطيات النزاع على الأرض، فإن النهج الجزائري في معاكسة المغرب ظل قارا .
فقد كانت صلابة الإجماع الوطني حول وحدته الترابية منذ البداية، والانكسار العسكري الجزائري في الصحراء المغربية، ونجاعة الجدار الأمني الذي شيده المغرب، وانهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب الباردة، وتمسك المغرب على الدوام بنهجه السلمي وبالشرعية الدولية، كلها عوامل تظافرت ليخلص الأمر إلى اتفاقية وقف إطلاق النار، والشروع في مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة، للسعي إلى التوصل إلى حل سياسي نهائي عادل متوافق عليه لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وبالرغم من كل مبادرات المغرب الرامية إلى تسهيل مهمة الأمم المتحدة وممثلها في رعاية المفاوضات للتوصل إلى الحل السياسي المنشود، أصر النظام الجزائري والمؤتمرون بأمره في البوليزاريو على رفض كل المبادرات والاقتراحات المغربية، وعلى التمسك بتكرار نفس شعار ” تقرير المصير ” الذي رفعه خلال السبعينات، دون تقديم أي مقترح يسهم في البحث عن حل واقعي وجدي للنزاع.
وهو الأمر الذي افضى بمحاولات كل ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة ، إلى نفق مسدود. مما دفع المغرب مرة أخرى، في سعيه الدائم لتسهيل مأمورية الأمم المتحدة في حل النزاع، إلى تقديم مقترح الحكم الذاتي كآخر وأقصى عرض يقدمه المغرب ، واضعا المنتظم الدولي أمام مسؤولياته في تحديد من يسعى لحل النزاع، ومن يعرقل الحل ويصر على استدامته.
مقترح الحكم الذاتي والمنظور الجديد للتعاطي مع النزاع حول الصحراء المغربية.
كان للمقترح المغربي بمنح سكان أقاليمه الصحراوية الجنوبية حكما ذاتيا في إطار السيادة الوطنية المغربية، وقع نوعي مؤثر على تعاطي المنتظم والمجتمع الدوليين مع النزاع حول الصحراء المغربية. فقد أقر مجلس الأمن في تقاريره المتتالية، بأن المقترح المغربي مقترح جدي وذو مصداقية. وهو المقترح الجدي وذو المصداقية الوحيد بين يدي الأمم المتحدة لاعتماده في السعي إلى الحل النهائي العادل للنزاع حول الصحراء المغربية.
وبموازاة ذلك أربك مقترح الحكم الذاتي موقف النظام الجزائري على الساحة الدولية، كما زعزع موقف قيادة البوليزاريو في عقر دارها بمخيمات تندوف، حيث اندلعت معارضة شعبية قوية وسط المخيمات ما فتئت تتوسع وتتصاعد، تنازع في تمثيلية قيادة البوليزاريو للصحراويين، وتحملها مسؤولية استمرار المآسي الإنسانية للمحتجزين في المخيمات، والمتاجرة بها لفائدة أغراض حكام الجزائر وإثراء الممسكين بزمام قيادة البوليزاريو.
مقترح الحكم الذاتي، وما لقيه من استجابة على المستوى الدولي، وداخل مخيمات الاحتجاز بتندوف، أعطى زخما جديدا للموقف المغربي، غير العديد من المعادلات التي أرسيت خلال العقود الماضية بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وكان أساسا لانطلاق دبلوماسية مغربية هجومية، لم تستثمر بعد كل إمكاناتها. هذه الدبلوماسية الهجومية التي كانت مضامين الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الأخير، أوضح تعبير عن ملامحها.
لقد شكل الخطاب الملكي، أكثر من ذلك، إعلانا قويا جريئا عن منظور جديد في التعاطي مع النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وطنيا، إقليميا، ودوليا، من أجل التعجيل بالحسم النهائي للنزاع طبقا للحقوق الوطنية الشرعية التاريخية.
فعلى المستوى الوطني، تنطرح ضرورة الرفع من مستوى التعبئة الوطنية والشعبية ، وجعل قضية الصحراء قضية الجميع، بتحمل كل الفاعلين السياسيين والمجتمعيين لمسؤولياتهم في الدفاع عن القضية الوطنية والإسهام في العمل الدبلوماسي بكل تفرعاته ومجالاته، مع تثمين الوطنية الصادقة لمواطني الأقاليم الجنوبية، ووضع حد للمتاجرين بالقضية الوطنية ، ومعالجة ما يشوب تنفيذ النموذج التنموي الجديد للأقاليم الصحراوية من اختلالات .
وعلى المستوى الإقليمي، أضحى لزاما وضع النظام الجزائري وجها لوجه مع مسؤوليته في النزاع حول الصحراء المغربية، ووجها لوجه مع الشعب الجزائري والشعوب المغاربية والمنتظم الدولي، باعتباره الطرف المقابل للمغرب في النزاع، بتدخله السافر واعتداءه على وحدة المغرب الترابية، والتأكيد على أن أي مسعى دولي للبحث عن حل سياسي نهائي لمشكل الصحراء ، يجب التوجه به إلى الجزائر وليس إلى غيرها.
وعلى المستوى الدولي، يلزم وضع المنتظم الدولي أمام مسؤولياته، في الإفصاح علانية عن مسؤولية الجزائر في استدامة النزاع، وعرقلة كل المساعي الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي نهائي دائم ، والكف عن تحميل المسؤولية للمغرب على قدم المساواة مع الجزائر. ومطالبة الدول الكبرى بالتعامل النزيه مع المغرب في قضية وحدته الترابية، ووضع حد للرياء الذي يتعامل به بعضها مع المغرب، بالثناء على تجربته المتفردة في الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة، وجعله على قدم المساواة في هذا المجال مع الجزائر عندما يتعلق الأمر بالنزاع بين الطرفين حول الصحراء، وبالأحرى مع منظمة انفصالية تحمل السلاح.
الوحدة، الديمقراطية، التنمية والسلم ومقومات استثمار الاستثناء المغربي.
ارتبطت قضية الوحدة الترابية والوحدة الوطنية على الدوام، وبشكل عضوي، بقضية الديمقراطية والتنمية. ولا غرابة أنه، بعد فترة من الاضطرابات السياسية غداة الاستقلال، ارتبطت التعبئة الوطنية والمسيرة الخضراء من أجل استرجاع الأقاليم الصحراوية الجنوبية منتصف السبعينات من القرن الماضي، بانطلاق المسلسل الديمقراطي، الذي تطور عبر مد وجزر، ليرتقي تدريجيا بالتجربة الديمقراطية المغربية إلى ما وصلت إليه حاليا، وأصبح متعارف عليها خارجيا بـ “الاستثناء المغربي” ، وسط محيط إقليمي ودولي تطبع جهات كثيرة منه حالة اللاأمن واللااستقرار، بل في بعض البلدان حالة التدمير الذاتي.
حالة “الاستثناء المغربي” في ظل المؤسسة الملكية، تطبعها صيانة الأمة لأمنها واستقرارها، وحرصها الدائم على حمايتهما، وجعلها للديمقراطية اختيارا ثابتا لا رجعة فيه، مع ما تستلزم من مؤسسات تبنى، وحريات عامة وشخصية تصان وترعى لتطويرها على الدوام، وحقوق للإنسان ترسخ وتوسع باستمرار، واجتهاد لاعطاء النموذج التنموي المغربي بعده الاجتماعي الإنساني، باعتبار العنصر البشري الثروة الوطنية الأساس.
كلها أركان يغذي بعضها البعض في حالة “الاستثناء المغربي”، ويجعلها السند الأساس في دفاع المغرب عن وحدته الترابية وسيادته الوطنية. وهي مصدر القوة الأساس وسلاح الأمة لدحر خصوم المغرب، والتي لا يمكن أن تنال منها الموارد المالية لغاز وبترول خصوم وحدته الترابية، إن استثمر هذا السلاح بالشكل المطلوب.
المغرب في ذات الوقت، يؤكد على الدوام ، جنوحه للطرق السلمية في حل النزاعات، وإسهامه الدائم في كل عمليات حفظ الأمن والسلم الدوليين متى أتيحت له الفرصة. والاستعداد لذلك قائم حاليا أكثر من أي وقت مضى ، خاصة تجاه محيطه الإقليمي الذي لم يعرف قط من قبل حالة من اللاستقرار واللامن التي يعرفها الآن.
حالة يشكل فيها موقف النظام الجزائري من قضية الوحدة الترابية المغربية، وإيواؤه لمحتجزات تيندوف، التي أضحت خزانا احتياطيا للتنظيمات الإرهابية النشطة بالمنطقة والتي تزداد مخاطرها يوما عن يوم، بحكم الوضع الجزائري الداخلي، وأوضاع البلدان المجاورة. يشكل هذا عاملا أساسا في تغذية اللا أمن واللاستقرار بالمنطقة ، ومخصبا لتربة استشراء ظاهرة الإرهاب.
العلاقات المغربية الجزائرية محكوم عليها بالعودة إلى مجراها الطبيعي.
إن العلاقات المغربية الجزائرية، محكوم عليها عاجلا أو آجلا بالعودة إلى مجراها الطبيعي، علاقات حسن الجوار والإخاء والتعاون. أولا، لأن المشروع الانفصالي الذي يرعاه النظام الجزائري بشأن أقاليمنا الصحراوية الجنوبية يتآكل يوما عن يوم، ومآله الاندحار النهائي .
وثانيا، لأن سياسة إشغال الشعب الجزائري من طرف حكامه بقضية الصحراء وتوهيمه بعداوة المغرب له ، قد استنفذت كل زادها . وأصبح الشغل الشاغل للشعب الجزائري هو أوضاعه الداخلية، السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية.
وثالثا، لأن تحول أرض الجزائر إلى قاعدة للعصابات الإرهابية، وهو يمس استقرار الجزائر وأمنها، أصبح يهدد دول الجوار شرقا وجنوبا. ولا مفر من تعاون إقليمي ضد الإرهاب، يكون فيه المغرب طرفا أساسيا.
و رابعا، لأن التعاون الأمني الإقليمي من أجل اجتثاث الإرهاب من جذوره بالمنطقة ، يستلزم تعاونا اقتصاديا من أجل التنمية الاجتماعية المشتركة للبلدان المغاربية، والشروع في بناء تكتل اقتصادي يستثمر تكامل مؤهلاتها الاقتصادية .
وخامسا، لأن الحاجة ملحة إلى التعجيل ببناء الوحدة المغاربية لمواجهة تحديات العصر، والاستجابة لطموحات وتطلعات الشعوب المغاربية التي يجمعها العرق والتاريخ والحضارة، واستعادة القطب المغاربي لدوره السياسي في استتباب الأمن والاستقرار والتعاون بين الشعوب، عربيا وإفريقيا ومتوسطيا، ودوليا.