– عبد اللطيف بوجملة
ما يجري خلال هذه الأيام، يجري بكثير من الحسابات، وبكثير من المكيافيلية السياسية التي لا تنظر إلى الاستحقاقات المقبلة إلا كمجرد استحقاقات وحسب وليس كالتي سترسم ملامح الديمقراطية الجهوية والمحلية لمغرب المستقبل! الحرب القانونية والتشريعية سواء في هذا الاتجاه أو ذاك، قد اشتعلت. وظهر دخانها عبر القانون التنظيمي لعمل الحكومة، الحكومة التي يفترض، تبعا لروح الدستور الجديد، وبل ولالتزاماتها باعتبارها تدعي انتزاع استحقاق اعتلائها سدة الحكومة عبر التمثيلية وعبر الصناديق، الذي سارعت في تعديله، فقط لحماية هذه الكماشات من الأصوات التي ستكون حاسمة، ولو أن التعديل ذاته مس أحد مطالب فريق العدالة والتنمية وهو في المعارضة، فلكل زمن خطابه ولا ضير في التناقض ولا ضير أن تسير الحكومة على خطى تكريس القائم التي كانت تحتج عليه، ولو أنه يعاكس روح دستور ” التشارك” والذي يجعل منه صنيع الحكومة دستورا ممنوحا، وليس دستورا تشارك الجميع في إخراجه. أن تعاكس الحكومة الدستور، وأن تخالف الأعراف الديمقراطية بات نحلتها وإلا كيف نفسر أن يحوز بند إقرار حالة التنافي على الأغلبية في لجنة العدل والتشريع وتعدله الجلسة العامة، ولو أن هذه الحكومة هي التي اقترحته، وسارعت إلى تعديله ولو أن فرق الأغلبية هي التي، أقرته ولم تبد تحفظا إزاءه في مناقشات اللجنة المذكورة، مما يضر ليس فقط بمبدأ استقلالية السلط، بل أيضا جعل الدستور الذي يؤطر مشاريع الإصلاح السياسي مجرد كلمات على ورق، وأيضا وأيضا بإضافة المزيد من الوقود في أجواء مقاطعة الانتخابات ومقاطعة الصناديق وتطليق العمل السياسي، لا سيما في قاعدته وأسسه وهو العمل السياسي المحلي، وفي التداول على تدبير الشأن المحلي في تقديم الكفاءات المحلية، وفي تدوير وفي إطراء النخب المحلية. بالمقابل بدأت حرب أخرى، وهذه المرة على مشاريع التقسيم الانتخابي والمثال الحي مشروع التقسيم الانتخابي الجديد للدار البيضاء والذي يبدو أنه يسير في اتجاه عقلنة الشأن المحلي بتقليص “الجماعات المحلية” الميتة والتي جعلت من التمثيلية القروية جسم وقوام التمثيلية الجماعية، لو أنه يمتد لا فقط إلى تقويم تجربة مجلس المدينة كمجلس مدينة الدار البيضاء، والذي أفرغ، جماعات محلية (مقاطعات) من كل اختصاصاتها الجوهرية، بل إلى باقي التجارب الأخرى، وإلى العالم القروي الذي تهيمن على أكثر من 80٪ من التمثيلية الجماعية. في هذه التمثيلية الحضرية الضعيفة تسعى هذه العقلنة إلى تعبيد الطريق أمام إرساء إدارة جديدة لتدبير الشأن المحلي يكون فيها الإشراف المالي والتقني للمشاريع والبرامج التنموية تحت سلطة لاتحاسب وليست لها تمثيلية. وفي مايبدو، في كل هذه الحرب مع أو على كماشات الأصوات، سواء بحمايتها أو بتطويقها، أن هاجس التنمية وهاجس إصلاح سياسي حقيقي يترك المكان وينسحب لفائدة الحسابات السياسية العارضة والضيقة ولفائدة الهندسات السياسية للاستحقاقات المتحكم فيها. فلو أن حكومة بن كيران كانت منسجمة مع وعودها ومع الخطاب الإصلاحي ومحاربة الفساد، لما اعترضت على إقرار مبدأ الجمع بين السلط وتكديس واحتكار المسؤوليات محليا ووطنيا، ولو أن وزارة الداخلية تروم إصلاح تدبير الشأن المحلي لانكبت على معالجة الآثار القاتلة للتقسيم الانتخابي لسنة 1992 والذي ضخم من عدد الجماعات المحلية القروية لحسابات سياسية لم تعد قائمة وأدت إلى بدونة شاملة لتدبير الشأن تقوم المحلي يشكل قاتل إكلينيكيا، إذ لاشك أن صحة تدبير هذا الشأن على صحة جماعاته المحلية، ونجاح تجربة الجهوية تقوم، في ما تقوم، على صحة مكوناتها النووية وهي “الجماعة المحلية” أولا وأخيرا..! في كل هذه الحرب المفتوحة مكشوفة أو غير مكشوفة، الأغلبية الصامتة متروكة لحالها، حطبا لكماشات الأصوات كل يدعي تمثيلها ولا أحد يمثلها ولايرى المستقبل الذي تراه!