فاطمة ملال
الفنانة التشكيلية الأمازيغية المبحرة في عمق التراث
بقلم : لحسن ملواني
في مساء يوم الجمعة 25 أكتوبر 2013م ، افتتح معرض الفنانة الأمازيغية فاطمة ملال ، وزائر المعرض يقف على تجربة فريدة تشكل ملمحا تشكيليا له خصوصيات تمنح الفنانة ريادة و شهرة بين فنانات وفناني المغرب . والمشاهد للوحات فاطمة ملال يباشر توٌّا الملح التراثي الذي تنتمي إليه ، ففي لوحاتها تتردد الرموز والحلي والفضاءات الأمازيغية بكل ما تحمله من الانسجام والتفاعل الحميمي بين الإنسان وبيته ونظرته الإبداعية ، ورؤيته للعالم .
في جل لوحاتها يلاحظ التكرار لمؤثثات محددة ، ومنهـــــــــــــــــــــا:
ـ الزربية مرسومة تامة أحيانا ، و مرسومة وهي في طور النسج أحيانا ، وأحيانا تأتي عبر شرائط ملصقة أحيانا …
ـ بعض الحلي الأمازيغي (دبابيس ، عقيق …)،
ـ حروف تيفيناغية.
ـ جبال و صخور بنفس الشاكلة.
ـ زخارف محددة نباتية وغيرها .
ـ الإنسان رجلا أو امرأة بالزي الأمازيغي.
ـ الجِمال بأوضاع مختلفة نوعا ما .
ـ القصبة الأمازيغية بوضعيات وأشكالوملامح مختلفة.
ويبدو أن المكررات إما أن يكون مما انطبع بقوة في وجدانها فصارت تستوحيها في كل لوحاتها ، أو يأتي من شدة عشقها وعلاقتها بتراث يبدو ألقه يضمحل مع مرور الزمن مع زحف شبح العولمة المهدد لكل الثقافات العريقة .
في لوحاتها ترْميز بسيط لكنه عميق الدلالة ، فالجبال مُؤَنْسَنَة تحمل عيونا ناعسة ، والأشجار تحمل قصبات وهي المعتادة على حمل أوراقها وثمارها … والفنانة بارعة في عقد التناسب بين الكثير من الأشياء المختلفة من جنسها وطبيعتها وخاصياتها ، ففي لوحة واحدة قد تجد الحرف الأمازيغي والشجر والإنسان والزريبة والقصبة و أشياء أخرى ، والعجيب أن الفنانة بنفس الأشياء تخلق عشرات اللوحات عن طريق تغيير ترتيبها و أحجامهاووضعياتها عبر تكويناتها الخاصة ، وفضاءاتها اللونية .
حين تتجول بين لوحاتها تبحر في عالم لوني مثير يعود بك إلى روعة هذا التراث الذي يفسح للفن كي يعبر عنه بأكثر من طريقة . لكن الاتجاه الفني الفطري هو الملمح العام المهيمن على لوحاتها ، فهي ترسم الأشخاص والتضاريس بتلقائية وعفوية لا تخلو من فنية مستندة إلى تجربتها وخبرتها في عقد الربط والتناسق بين أشياء اللوحة ، هذه الأخيرة التي تجمع بين إيحاءات وموضوعات مختلفة في ذات الوقت وضمن تناغم يجعلها متعالقة ومتعانقة .
تمتلك الفنانة ملال لمسات فنية مؤثرة تبعث في النفس الاعتزاز بالتراث وبالطبيعة ، فهي تعزز في النفس المعتاد ، وتمنحه مدارج من المتعة والاحترام ، وذلك عبر لغة اللون والرسم تعبيرا عما يخالجها متفاعلة مع الفضاءات التي شهدت طفولتها وشبابها ، إنها تعرض في لوحاتها أبعادا و معالم زاهية يضج بعضها بالحركة ، وبعضها ثابت يعكس الهدوء الذي تضفيه الألوان على فضاءات اللوحة. وفي كلتا الحالتين نجده هذه الأخيرة تطفح بفنية لها خصوصيات تكتسبها من مبدعتها ، وهي بذلك تعقد علاقة بالجمال الروحي الخاص بالأمازيغي إزاء علاقته بموروثه الثقافي … لوحاتها متشابهة إلى حد بعيد من حيث تكوينها و الخطوط التي تعبُرُها و ظلالها وإيقاعها و حتى ملمسها. وتتميز بنثر مفردات لوحاتها التي تستقيها من زخم التراث الأمازيغي الأصيل عبر بناء تكاملي يشكل منجزا بصريا يحيل على الانسجام والتناغم والحميمية ، وهو ما يجعل هذا المنجز الفني يستحق الملاحظة للوقوف على أسراره الإبداعية .
ويبدو أن الفنانة تكرس خبرتها الفنية المستمدة من تجربتها الفنية و تأثرها بالمرئي الحياتي و اليومي ، لذا لا تستبطن أسرارا تحتاج إلى بحْث وتقصٍّ من لدن المشاهد والمتفرج عليها ، إنها تقدم أشياءها بسيطة غير مستغلقة على الأفهام ، لكن بتوليفات خاصة ، فهي لا توظف اللون بشكل احتشادي تكتيفي يدفع إلى البحث عن العمق ، و إنما تضع مرسوماتها بتداخلات بسيطة ، وهي رغم ذلك تعمق الإحساس بالحنين والجمال الفتان المتجسد في الزربية الأمازيغية ، وما توحي به الطبيعة الخلابة التي تحتضن الفنانة ولوحاتها وجمهورها.
كل هذا يجعل لوحاتها تستعيد عوالم المعيش اليومي بكل مؤثثاته وجماله وحتى بمعاناته التي ترمز إليها بعض معطيات لوحاتها ، فهي تربط تصويرها لموضوعات لوحاتها بالحلم ، و الحنين و الوداعة ، و التعايش الجمالي والحميمي بين الناس وبيئتهم ، وباعتباري من أبناء المنطقة ، فهي تجعلني منجذبا إلى عوالم لوحاتها ، وبقدرما أحس بجماليتها المُنجزة بألوانها الصافية ، بقدر ما أشعر ببعض الأسى والحنين والغربة، أمام زوال الكثير من مكونات تراثنا ، وبذلك تتخذ مثل هذه اللوحات الدور المتحفي الحافظ على رموز التراث ومنتوجاته التي لها أهمية كبرى في تحديد الأصل والوجود … وعلى أي فالفنانة بلوحاتها ذات الامتداد اللوني و المتكاملة من حيث تيماتها ومعطياتها تساهم في توسيع وتعميق أفق الرؤية لتراثنا الجميل ، فهي تطلق العنان لريشتها ومخيلتها كي تمتاح من رموز خالدة مقاومة لسطوة الزمن.
فهذه لوحة تمثل عملية النسج تحت سقف غرفة يعكس بدوره فنية خاصة ، وهذه لوحة تختلط فيها شرائط ملونة زاهية جميلة متداخلة مع قصبة وزخارف تمثل الحروف الأمازيغية ، وهذه لوحة تمثل مجموعة من المربعات المزخرفة والمنسوجة والمثبتة باللصق على وجه اللوحة ، و هذه لوحة موضوعها شجرة ممتدة الغصون المورقة حروفا تيفيناغية ، وهذه لوحة تحمل بورتريها لامرأة أمازيغية بفنية لاتراعي نسب الوجه ولا المقاسات ، وهذه لوحة يخترقها شريط زخرفي جميل يمفصل عناصرها … لوحات بهذا الشكل تجعلك تعيش في عوالم متكاملة الجمالية والمعطيات التي تعود بك حتما إلى مقومات التراث الأمازيغي وما يكتنزه من إمكانيات تمنح المبدع فسحة إبداعية تجعله يبدع المميز والممتاز .