يرى الدكتور عبد الفتاح الفاتحي الخبير المتخصص في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية أن المسار التطوري لحجم المساعدات دون الاستناد إلى إحصائيات مضبوطة، وفي ظل ما تعرفه المخيمات من نزيف متوالي لفرار الصحراويين نحو موريتانيا والمغرب. حتى أن هناك طوابير مهمة في الزويرات تحاول الاستفادة من وضعية العائدين إلى أرض الوطن في إطار إن الوطن غفور رحيم، كل ذلك يكشف عن كم العوائد المادية التي تدفع بالجزائر والبوليساريو الى الاستثمار في اطالة نزاع الصحراء. و أضاف متحدثنا أن صدور تقرير عن جهة معروفة “المكتب الأوربي لمكافحة الغش” يزيد من التأكيد على أن رأس قيادة الجبهة لا يعدو أن يكون زعيم عصابة منظمة ظلت تحترف سرقة المساعدات الغذائية بشهادة الاتحاد الاوروبي.
و أشار بأن هذا التقرير ليس الأول الذي أثبت مسؤولية الجزائر والبوليساريو في المتاجرة بالمساعدات الانسانية الدولية وتخصيص ريعها لتحركاتهم الدبلوماسية وشراء الذمم الداعمة لأطروحتهم الانفصالية.
كما أعلن بأن الجزائر شاركت مع سبق الإصرار والترصد قبل سنوات وإلى حدود اليوم في تحويل شحنات من المساعدات الانسانية الخاصة بالمحتجزين إلى جيوب مسؤوليها وجيوب الموالين لها من البوليساريو.
حاورته : بشرى عطوشي
سؤال: منذ ما لا يقل عن ثلاثين عاما (1975-2005)، ذهبت عدة ملايين من الأورو من عائدات اختلاس المساعدات الإنسانية إلى حسابات في أبناك خارجية لمسؤولين من جبهة البوليساريو وفق ما رصده تقرير أوروبي مؤخرا، هل يمكن القول بأن ساعة بوليساريو دقت مرة أخرى؟.
الجواب: إن تأكيد تقرير المكتب الأوربي لمكافحة الغش (OLAF) على وجود إختلاسات تبدأ في ميناء وهران الجزائري الذي يعد نقطة عبور لهذه المساعدات الإنسانية وخاصة الغذائية منها الممنوحة من طرف الاتحاد الأوروبي من خلال مكتبه للمساعدات الإنسانية ECHO))، يفيد أن جهات نافدة في مركز قيادة الجزائر والبوليساريو تشرف على عمليات الاختلاس الكبير والممنهج للمساعدات الإنسانية الدولية الموجهة إلى مخيمات تندوف.
ولم يكن هذا التقرير الأول الذي أثبت مسؤولية الجزائر والبوليساريو في المتاجرة بالمساعدات الانسانية الدولية وتخصيص ريعها لتحركاتهم الدبلوماسية وشراء الذمم الداعمة لأطروحتهم الانفصالية. حيث سبق أن تحدثت عدة تقارير استخباراتية واعلامية عن تداول بيع مواد غذائية وأدوية من المساعدات الدولية المخصصة كمساعدات انسانية في السوق السوداء للجزائر وموريتانيا ومالي.
ولقد استمرت عمليات الاختلاس لمدة طويلة أمام صمت الرأي العام الأوربي والدولي، حتى أنها أصبحت مصدرا للإثراء الشخصي على مستوى قيادة البوليساريو الذين ظلوا ينظمون عمليات التحويل هاته على نطاق واسع.
سؤال: وصف خبير دولي قضية اللاجئين الصحراويين بمخيمات تندوف بمقاولة تجارية عابرة للحدود يستفيد منها جنرالات الجزائر وقادة البوليساريو ما تعليقكم؟.
الجواب: إن قراءة في تطور أرقام حجم المساعدات الأوربية يستوعب حجم العائد المالي الذي ظلت تغتني منه البوليساريو، وهو ما يجعلنا نستوعب اسس توظيف العائد المالي من المساعدات الانسانية للمزايدة السياسية في المنتديات الدولية على الوحدة الترابية للمغرب.
إن التدبير لا عقلاني للمشرفين على المساعدات الإنسانية الذين لم يقدروا حدود التلاعب في المساعدات الغذائية وأفاق استثمارها لغير ما أعطيت له، كل ذلك عزز استمرار عمليات الاختلاس لمدة طويلة، وأصبحت مصدرا ماديا مربحا لطغمة من القيادات الفاسدة في البوليساريو والجزائر والتي تتاجر في مستقبل المحتجزين في مخيمات تندوف، ولذلك يستهويها إطالة أمد النزاع في الصحراء.
إن المسار التطوري لحجم المساعدات من 5 مليون أورو في 2003 إلى 8 مليون أورو في 2004 و9 مليون أورو في 2006 و10 مليون أورو ابتداء من 2010 دون الاستناد إلى إحصائيات مضبوطة، وفي ظل ما تعرفه المخيمات من نزيف متوالي لفرار الصحراويين نحو موريتانيا والمغرب. حتى أن هناك طوابير مهمة في الزويرات تحاول الاستفادة من وضعية العائدين إلى أرض الوطن في إطار إن الوطن غفور رحيم، كل ذلك يكشف عن كم العوائد المادية التي تدفع بالجزائر والبوليساريو الى الاستثمار في اطالة نزاع الصحراء.
كما أن صدور تقرير عن جهة معروفة “المكتب الأوربي لمكافحة الغش” يزيد من التأكيد على أن رأس قيادة الجبهة لا يعدو أن يكون زعيم عصابة منظمة ظلت تحترف سرقة المساعدات الغذائية بشهادة الاتحاد الاوروبي. وأن الجزائر شاركت مع سبق الإصرار والترصد قبل سنوات وإلى حدود اليوم في تحويل شحنات من المساعدات الانسانية الخاصة بالمحتجزين إلى جيوب مسؤوليها وجيوب الموالين لها من البوليساريو.
سؤال: ما هي تداعيات تقرير (OLAF) التي كشف عن فساد مستشري في قيادة البوليساريو وتواطؤ مفضوح للجزائر؟.
الجواب: يمكن القول أن الشباب الصحراوي، والذي انبثقت عنه مجموعات شبابية مطالبة بالتغيير لا يمكنها أن تبقى صامتة حيال المتاجرة في مستقبلهم وأن هذا التقرير سيزيد من حالة رفضهم لانتظارية القاتلة، حيث أن المتاجرة في المساعدات الانسانية يقلص من حجمها ونوعيتها ويعرض حياة المحتجزين للخطر بسبب سوء التغذية ونقصها. ولذلك فإنه من الطبيعي أن تتزايد لدى الشباب الصحراوي قناعة بضرورة مساءلة الطغمة الفاسدة من قيادة جبهة البوليساريو الانفصالية.
لقد كشف التقرير بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن المساعدات الانسانية شكلت مصدرا للاستثمار في مشاريع اقتصادية جزائرية يمتلكها مجموعات من قيادة البوليساريو والجزائر، ويتم من خلالها تبييض العائدات المالية من المساعدات الإنسانية المختلسة، كما هو الحال بالنسبة لمركب الدواجن بـمنطقة “النخيلة”.
سؤال: سبق لعدد من المنظمات الدولية كالمنظمة البريطانية غير الحكومية “ديفيس وربورغ إي أسوسيتد” في سنة 2010 أن نددت بتحويل المساعدات الانسانية الموجهة لمحتجزي تندوف، كيف للمنتظم الدولي أن يؤخر إصدار هذا التقرير ويغض الطرف عن هذه الممارسات ومنذ سنوات؟.
الجواب: في الحقيقة إن هذا التأخر يسائل شفافية المؤسسات الأوربية بخصوص كيفية إعداد التقارير الحقوقية والتنموية في عدد من القطاعات. ولذلك فمن غير المستبعد أن تخضع تقارير الاتحاد الأوربي لكثير من المزايدات السياسية، ويجعلها وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في مفاوضات الاتحاد الأوربي.
وحيث إن تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش كشف عن فضائح ممارسات قيادة البوليساريو بالاحتيال والنصب والمتاجرة في المساعدات الغذائية المخصصة لمخيمات تندوف، الأمر الذي يجعلنا نربطه بتداعياته على الموقف التفاوضي للجزائر والبوليساريو في نزاع الصحراء. وعليه فمن غير المستبعد أن لا تتدخل الدبلوماسية الجزائرية عبر البترودولار لإخضاع ترتيبات صدور التقرير لترتيبات سياسية في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوربي، وإلا لماذا تأخر صدور هذا التقرير إلى عهد المفوضية الأوربية الجديدة للاتحاد الأوربي “أنيكا برايدهارت”.
وطبيعي أن نطرح لماذا لم يصدر هذا التقرير من قبل رغم الانتهاء منه. وهو تساءل يبقى وجيها ودقيقا على الدبلوماسية المغربية أن تعيد طرحه بإلحاح ومن خلال مختلف القنوات الدبلوماسية بما فيها المتاحة بصفة الوضع المتقدم للمغرب، وما يترتب عن ذلك من قرارات حيث تأكد بما لا يدع مجالا للشك عن التلاعب القصدي في المساعدات الغذائية المخصصة لمخيمات تندوف.
للمغرب أيضا أن يسائل الاتحاد الأوربي عن الإجراءات الردعية التي يجب القيام بها ضد الجزائر والبوليساريو للحد من تحويل مسار المساعدات الإنسانية الممنوحة لسكان مخيمات اللاجئين الصحراويين بمنطقة تندوف الجزائرية. وأن يسائله عن طبيعة الضمانات الجديدة التي في إطاره يتم استئناف تقديم المساعدات الغذائية لمخيمات تندوف.
وأما أن يتفرج الاتحاد الأوربي ومنذ سنة 1991 على تحويل الجزائر والبوليساريو لجزء كبير من المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لسكان مخيمات تندوف، حيث لا يتم توزيع سوى القدر الذي يمكن سكان المخيمات من البقاء على قيد الحياة، فإن في الأمر تهديد للأمن الاستراتيجي للمغرب في نزاع الصحراء تحت شعار الدواعي الإنسانية لسكان المخيمات.
سؤال: ردت البوليساريو على التقرير وأتهمت الاتحاد الأوربي بالافتراء عليها لتشويه صورتها وصورة الجزائر ما تعليقكم على ذلك؟.
الجواب: تقف اليوم قيادة البوليساريو عاجزة أمام التقرير، وهي لم تستطع الرد رسميا على مضامين التقرير، سوى الإيحاء إلى بعض مسؤوليها لكيل الاتهامات للجهة المكلفة بالتقرير على أنها تسعى لتشويه صورة الجبهة، وهي تهم جاهزة.
إن البوليساريو ليس أمامها اليوم سوى سياسة الهروب إلى الأمام، كأن تعيب على التقرير قدمه، ذلك لأن تقادم فترة إعداد هذا التقرير لا يجعل من مخيمات تندوف أكثر المخيمات تنظيما في العالم على حد ادعاء ما يسمى وزير الوزير المنتدب المكلف بأوروبا المدعو “محمد سيداتي”، ولا يبرئ عمليات الاختلاس المؤسساتية التي قامتا بها الجزائر بالتواطؤ مع البوليساريو، وبالتالي لا يمنحهما ذلك اليوم الشفافية المطلقة في توزيع المساعدات الغذائية.
وعليه، إن ما برر به القيادي في جبهة البوليساريو تبرير أقبح من الزلة، حين يتهم الاتحاد الأوربي الذي أخر إصدار هذا التقرير في حينه بمحاولة لتشويه صورة جبهة البوليساريو. والحق أننا أما فضيحة اثارتها مؤسسة دولية لها مصداقيتها وبعيد عن تسييس التقرير، الأمر الذي يضع الجزائر والبوليساريو أما مسؤوليتهما القانونية والأخلاقية والاعتراف بدل محاولة خلط الأوراق وادعاء مبررات جد ضعيفة أمام قوة دلائل التقرير.
وتجدر الإشارة إلى أن قيادة البوليساريو أبت إلى أن تأكل الشوك بدلا عن الجزائر بالادعاء أن التقرير أيضا يحاول تشويه الجزائر البلد الذي يؤويهم. ولأن هذا التقرير صادر عن هيئة دولية محايدة، وتم الاعلان عنه بوكالة أنباء دولية لها مصداقيتها الإعلامية والتي نشر الخبر استنادا إلى نسخة من التقرير، فإن قيادة البوليساريو تأبى إلى تخفي الشمس بالغربال.
سؤال: أكد النائب الأوروبي جيل بارنو أن التقرير الصادر يسلط الضوء على مسألة مركزية في نزاع الصحراء: إحصاء الساكنة في مخيمات تندوف والذي تعارضه الجزائر و”البوليساريو” بشكل منهجي بالرغم من نداءات الأمم المتحدة المتكررة، هل ستكون هذه فرصة لفرض إحصاء للمحتجزين بتندوف؟.
الجواب: إننا وبنظرة تقييمية لبرنامج التغذية يتبين بأنه يفوق احتياجات الساكنة، وأن الاتحاد الأوربي لا يمكنه الاستمرار في تقديم المساعدات من دون أن يتمكن البرنامج الدولي للمساعدات الإنسانية من الاسترشاد بإحصائية مضبوطة وشفافة عن عدد المحتجزين في مخيمات.
إذ دأبت البوليساريو على إصدار بلاغات كاذبة تشتكي فيها نقص المساعدات والغذائية وندرتها، فيما أن واقع الحال يكشف من خلال تقارير صحفية متعددة وقبل التقرير الأوربي أن هذه المساعدات الأوربية تباع في السوق السوداء الموريتانية والجزائرية والمالية والنيجيرية والسنيغالية.
كما أن إعتراضات البوليساريو والجزائر على تنفيذ توصية مجلس الأمن الدولي بشأن إجراء إحصاء لساكنة مخيمات تندوف يدل على أن حجم التنسيق بين الجهتين لضمان المزيد من عائدات عمليات المتاجرة في المساعدات الإنسانية الدولية.
إن حجم المساعدات وما تتعرض له من اختلاسات في الكم وتغيير نوعيتها يعد أحد الأسباب الحقيقية وراء رفض البوليساريو والجزائر تفعيل توصية مجلس الأمن الدولي بإحصاء مخيمات تندوف. وأمام هذا الوضع فإنه أمام الاتحاد الأوربي إلا أن يوقف مساعدته إلى أن يتثبت من العدد الإجمالي لساكنة المخيمات، حتى تبقى هذه المساعدة مصدرا ماليا مهما للاغتناء او للتوظيف الدبلوماسي لمواجهة المغرب دبلوماسيا وعسكريا وسياسيا. وأن يعمل سريعا على إحداث لجنة أممية للتحقيق في تحويل مسار المساعدات الإنسانية من أجل تقديم المتورطين إلى العدالة الدولية.
سؤال: في ظل خلاصات تقرير المكتب الأوربي لمكافحة الغش، ماهي الإجراءات الجزرية التي يجب اتخاذها ضد المتورطين في اختلاس المساعدات الإنسانية؟.
الجواب: يمكننا القول بأن الاغداق الأوربي على البوليساريو بالمساعدات الانسانية التي تتحول إلى مصدر للاغتناء قيادات تتاجر بملف نزاع الصحراء وبتواطؤ بين مع قيادات الجزائر يعيق عمليات السلام ويهدم أي أسس للتسريع بإيجاد حل لنزاع الصحراء، لاسيما وأن التاريخ أوجد عدد من المستفيدين من الريع الاقتصادي لمشكل اقليمي وجيوسياسي تستفيد منه طغمة من المتنفعين بالمتاجرة بمحتجزي مخيمات تندوف. و على هذا الأساس نفهم كيف تصبح المساعدات الإنسانية الأوربية سببا في إعاقة إيجاد حل لنزاع الصحراء.
لأن المسؤولية ثابتة بعد هذا التقرير، والذي يجب أن يكون له ما بعده، وأن أي تلكؤ في ذلك يعني إضرارا بحقوق المحتجزين المغاربة في مخيمات تندوف والإضرار بالمصالح الاستراتيجية والحيوية للمغرب لصالح الجزائر في صراع اقليمي تجعله الجزائر جزء محوريا في عقيدتها العسكرية في المنطقة ضد المغرب.
وعله، فإن على الاتحاد الأوربي أن يعلن عن إجراءاته الجديدة لحماية المساعدات الغذائية من عمليات الاختلاس التي ظلت تتعرض إليه بطريقة منتظمة منذ عدة سنوات على يد البوليساريو والجزائر. وأن ذلك يفرض عليه من الناحية السياسية والأخلاقية الكشف لائحة الأسماء المتهمة بتحويل المساعدات الغذائية إلى الأسواق السوداء بغاية محاكمة المتورطين في عمليات الاختلاس من البوليساريو والجزائر.