اخفاقات الحكومة في التعاطي مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتكريس التفاوت الاجتماعي
عبد اللطيف بوجملة اتسم التحليل، الذي اجتهد تقرير الأمانة العامة أمام الدورة الخامسة للمجلس الوطني لجبهة القوى الديمقراطية، في بلورة مفاصله الحيوية فيما يتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمغرب، بالكثير من الروح النقدية الموضوعية والبناءة وبالكثير من المسؤولية في التعامل مع واقع هذه الأوضاع. على المستوى السياسي يرى التقرير أن المرحلة الراهنة التي دخلها المغرب عنوانها البارز هو ” عدم الوضوح العام ” وهذا الالتباس السياسي يزيد من النأي العام والجماهيري عن قضايا الشأن العام، بسبب تدني الممارسة والخطاب السياسيين واشتداد ملامح الشعبوية المفرطة منزوعة الأسباب فقط وفقط لتعزيز أحكام ومواقف جيوب مقاومة التغيير وتكريس الاختيار الديمقراطي، وكل ذلك من أجل تسفيه عمل مكونات المجتمع السياسي الوطني الحزبية والنقابية والمدنية. لقد مرت عاصفة ” الحراك الشعبي ” مخصبة ومفعمة بالآمال ولا سيما عندما تفاعلت كل مكونات الأمة المغربية شارعا ضاغطا ومعليا لسقف مطالبه في العدالة الاجتماعية والديمقراطية، ودولة منصتة تستبق الأصلاح وتبدع فيه وتتناغم فيه مع انتظارات الشارع في تجربة فريدة واستثنائية على المستوى الاقليمي، قادت إلى تبني أولى الدساتير الديمقراطية لمرحلة ما سمي ” بالربيع العربي”، وفتحت أفقا سياسيا جديدا تماما. كل هذا الزخم وكل التفاعل وكل الأحلام التي رافقته، نشعر اليوم كمغاربة، وبعد مرور أربع سنوات، أنه قد تمت خيانتها وتم تفويت الموعد مع التاريخ، ولم تحصن مكتسبات تذكر وإنما ارتدت على المحقق منها في بعضها أو جلها، وكرست منطقا جاريا لدستور 2011، أي مجرد دستور من حبر وورق، عدا استثار الحكومة التي امتطته باسم الصناديق العجيبة، بتكريس آلية ؛ التمكين ” في المناصب كانت ما كانت! ومثلما نأت الجماهير بنفسها عن السياسة وتعاظمت قوة خصوم الديمقراطية من نخب الريع، فإن الحكومة أيضا نأت بنفسها عن تطبيق الدستور الذي يتضمن في مفاصله سبل معالجة اختلالات خلق الثروة والزيادة في معدلات النمو وتكريس ضمان العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة واستكمال البناء الديمقراطي والمؤسسي للدولة ومختلف القيم الذي يفترض أنها تنمو وتتعضد في المناخ الديمقراطي الذي يؤطره دستور 2011. ومثلما أخفقت الحكومة مواعدها السياسية الكبرى، فإنها أخفقت أيضا في تفريطها من هامش استقلال القرار المالي والاقتصادي سواء بتكريس التبعية المطلقة لاملاءات المانحين أو بالانقضاض على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة بمنطق اقتصادوي محض لا يكثرت للابعاد الاجتماعية لسياساته، لا سيما فيما يخص صندوق المقاصة وصناديق التقاعد، وإنما تهمه أولا وأخيرا التوازنات المالية الكبرى. الإخفاق ذاته يمتد إلى ملفات حيوية ومصيرية كإصلاح المنظومة التربوية المرجأ إلى حين، أو ورش إصلاح العدالة المعطل، شأنه في ذلك شأن غياب العدالة الضريبية والتي تتفنن الحكومة الحالية في استهداف الجماهير والطبقة العاملة والطبقات الوسطى دون سواها.. هذا وتساءل تقرير الأمانة العامة عن أسباب هذه الهجومات لاسيما الهجوم على الطبقة المتوسطة والطبقة الشغيلة سواء بالفرض الضريبي الأحادي أو بتعطيل الحوار الاجتماعي والفشل في تطويق البطالة ولاسيما بطالة الخريجين التي تفاقمت الى مستويات غير معهودة، ولا مخرج لهذه السياسات سوى أن ترتد بنا إلى سنوات التقويم الهيكلي البغيضة التي مازلنا نعيش على مآلاتها في إنتاج النخب وتفريخ العطالة وسيادة الانحراف والتطرف وانقلاب القيم واختلال توازنات المجتمع واستقرار مكوناته حيث تعاظم الغضب والاحتجاج وانتشر التعصب والتطرف وانتشرت كل مظاهر ماقبل ديمقراطية بأشكال متجددة ولاحصر له من الوصليات والانتهازية ومظاهر البرجزة والريع. الهجومات المتوالية التي شنتها حكومة بنكيران، بالنسبة للتقرير، ليست نتائج عرضية لفشل التدبير الحكومي بل هي تدبير ممنهج “مدعوم من لدن تحالف لوبيات المصالح” الطبقية..