عبدالنبي مصلوحي
بخلاف ما تقول الحكومة من أنها قضت على كثير من مظاهر الفساد، من قبيل الزبونية والمحسوبية، أكد المندوب السامي للتخطيط قبل ثلاثة أيام أن الزبونية ما تزال مستمرة في دواليب الإدارة العمومية، وفي مجال التشغيل بالذات، حيث أن ربع فرص الشغل التي تتيحها الدولة، يتم تفويتها بطرق لا ترقى الى مستوى روح الدستور الذي يتحدث عن التساوي في الفرص والكفاءة، وما إلى ذلك من الأمور التي تخدم البعد الديمقراطي، الذي يعد مطمح كل مكونات الشعب. وهذه شهادة جديدة، من الشهادات التي تكذب الخطاب الحكومي الذي يسوق منذ مجيء الحكومة الحالية للحكامة والتدبير المبني على الشفافية والنزاهة والديمقراطية، شهادة تدحض خطاب الزيف والوهم.
جاء ذلك في الندوة الوطنية حول التقرير الوطني لأهداف الألفية من أجل تنمية المغرب وآفاقها بعد 2015، حيث كشف أحمد لحليمي في إطار حديث له بالأرقام على أن اكثر من ربع التوظيفات التي تتم في المغرب لم تخرج بعد عن سلوك منطق الزبونية والمحسوبية وهذا ابن هذا أو ذاك من العائلات النافذة في البلاد أو الغنية، و يؤكد المندوب السامي أن مجمل الدراسات التي قامت بها المندوبية السامية في هذا الموضوع، تُظهر أن حوالي 26 في المائة من مناصب الشغل في عهد حكومة عبدالاله بن كيران تمت خارج الضوابط والقانون، وبالتالي فهي لم تحتكم الى معايير الكفاءة والاستحقاق، ولا حتى الشواهد التي يجب أن يكون طالب الشغل متوفرا عليها.
فأذرع الفساد إذن، مازالت نافذة و طويلة الى حد احتكار ربع المناصب المتاحة في أي قاناون مالية لفائدة فئة معينة من المقربين وأبناء النافذين والأغنياء، فيما أبناء الفقراء من المتعلمين المستحقين لهذه المناصب، فلهم ساحة البريد لإفناء ما تبقى عن سنوات الدراسة من العمر في التظاهر والاحتجاج و ممارسة لعبة القط والفأر مع الأجهزة الأمنية التي لا تتوقف عن مطاردتهم كلما اقتضى ما يفرض إخلاء الساحة وشارع محمد الخامس من العاطلين.
غير أن الجميل في تصريح المندوب السامي، هو أنه لم يتوجه الى الحكومة لمعالجة هذه الاختلالات وإصلاحها تحقيقا لمبدإ التكافؤ والمساواة بين أبناء الشعب المغربي في الحصول على مناصب الشغل المتاحة، لم يتوجه اليها لأنه ربما يعرف أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإنما توجه الى المجتمع المدني ودعاه الى معرفة حقوقه للدفاع عنها عبر الكشف عن مكامن الفساد والتجاوزات التي تطال هذا الحقل، وهذا تحدي آخر ينضاف الى تحديات المجتمع المدني، حيث لابد لإحقاق الحق أن يصبح فاعلا و ضاغطا في مجال السياسات العمومية، من منطلق أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى، خاصة وأن في بلادنا إرث من التراكمات والترسبات السميكة من الريع والفساد واللا محاسبة، حتى وإن كانت فإنها لا تتعدى في اقصى الحالات العزل أو التنقيل…
إنها صورة من الصور التي تجعل من الثقة والتقارب بين الشباب ومخاطبيه الحكوميين وغير الحكوميين أمرا معلقا الى أجل غير مسمى..ربما حين تغيب هذه المظاهر التي تجعل من أبناء المغاربة طبقات…طبقة من حقها كل شيء حتى ولو غابت كفاءتها، وأخرى لا تستحق حتى ولو توفرت لها الكفاءة.