تقديم
لا زال قطاع الصحة يشكو من النقائص ويعاني من الخلل والقصور الذي يؤكده الوقوف على نسب الولوج إلى العلاج،وحكامة القطاع وإطاره القانوني والتنظيمي،كما يكشفه استمرار الفوارق في الولوج إلى الخدمات الصحية بين الجهات،وبين الوسطين الحضري والقروي وداخل الوسط الحضري فسه،ذلك فضلا عن ضعف الولوج إلى الخدمات الصحية بالنسبة إلى الفئات الأكثر هشاشة، وهذا ما يمكن التاكيد عليه بالجهة الشرقية…..
الدستور يكفل الحق في الولوج إلى العلاج والخدمات الصحية
كفل الدستور المغربي لعام 2011 الحق في العلاج والعناية الصحية حيث جاء في الفصل 31 منه “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين،على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة””. ….
ويخضع الحق في الصحة لتأثيرات متعددة ومتداخلة،مما يساهم في تعقيد العلاقات بين القوى الفعالة والأطراف المتداخلة.ومن أجل مقاربة الواقع الصحي في المغرب ومدى استجابته للحق في العلاج،لابد من التذكير بالمشاكل الموجودة على صعيد كل مكونات المنظومة الصحية التي تتسم بكونها غير متضامنة،كما تشكو من النقص في التمويل الذي لا يتعدى نسبة 5.2 بالمائة من الميزانية العامة للحكومة،وهوالاعتماد الذي تستنزف منه أجور الموظفين نسبة 70بالمائة، ليظل الباقي من نصيب الاستثمار.
وقد افرزت المغادرة الطوعية من خلال الاحصائيات الخصاص المهول في الموارد البشرية المسجل بعد العملية ، ناهيك عن ضعف المناصب المالية وكذلك شيخوخة الأطر بعد تجاوز 45 بالمائة من الموظفين سن الخمسين من عمرهم،وتمركز الموارد البشرية في وسط المغرب.
ومما يزيد الطين بلة هو تقادم الكثير من البنيات التحتية للمرافق الصحية،حيث أن 50 بالمائة من المستشفيات قد تعدى عمرها 50 سنة.وذلك في الوقت الذي تقدر نسبة الفقر ب14 بالمائة مما يحرم نسبة 75 بالمائة من السكان من إمكانيات الولوج إلى الخدمات الصحية بسبب ضعف التغطية الصحية التي لا تتعدى 30 بالمائة من السكان.
أما طبيعة الحق في الصحة (الذي يدخل ضمن الجيل الثاني من حقوق الإنسان) باعتباره حقا يتداخل مع جميع الحقوق الأخرى التي تقرها المواثيق الدولية، فهو يستحق النضال من أجله لما فيه من التزامات تهم كل الأطراف (الدولة،المواطن،المجتمع المدني..) بهدف صيانة الكرامة وحفظ الآدمية،وضمان الرفاهية والعيش الكريم،لأن غياب هذا الحق يشكل عائقا أمام التنمية والتقدم،كما أنه يتأثر بكل الاختلالات البنيوية الموجودة (سوء توزيع الثروة،التلوث البيئي..)،مما يفرض توفير الشروط اللازمة لولوج الحق في الحصول على الدواء).
ومن الأمثلة المعبرة عن ضياع المال العام بسبب سوء التدبير لجوء الوزارة إلى تصفية القطاع العام بعلاج القصور الكلوي،وتحويله للقطاع الخاص بعد أن تبين لها “الفشل” بسبب ما ذكر عن “ارتفاع التكلفة”،وغيرها من المهن الضرورية المرتبطة بالقطاع الصحي التي تمت خصخصتها لشركات أغلبها غير مهنية (الأمن الخاص والطبخ اللذان يعرفان بضياع حقوق عمالهما،فتنقص بالتالي جودة خدماتهما).وكذلك إعادة النظر في السياسة المتبعة،فيما يخص التأمين الإجباري على الصحة،والذي لا تساهم فيه الدولة بأي شيء على مستوى الدعم المادي،إذ يقتصر دورها على التنظيم.
اتفاقية إطار حول دعم مشاريع تنمية وتأهيل القطاع الصحي
“تجسيدا للعناية السامية التي يوليها صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وأيده للقطاع الصحي،وفي إطار تعزيز ودعم العرض الصحي بكافة عمالة وأقاليم هذه الجهة،الرامي إلى توفير وتقريب خدمات صحية جيدة مؤمنة وملائمة لحاجيات المواطنات والمواطنين،ووعيا كذلك بمفهوم الصحة الذي أصبح يتطلب مشاركة جميع الفعاليات خاصة الجماعات الترابية،تم مؤخرا توقيع اتفاقية إطار حول دعم مشاريع تنمية وتأهيل القطاع الصحي العمومي بالجهة الشرقية بين وزارة الصحة ومجلس الجهة الشرقية وولاية الجهة الشرقية،وتمتد بين 2015 – 2018،باستثمار يفوق مليار درهم،تتلخص في مستشفى إقليمي بالدريوش وسبعة مستشفيات للقرب ومركز لتشخيص الأمراض ومركز لتشخيص الأمراض التنفسية ومركز ضبط وتنظيم المكالمات الطبية الإستعجالية،ومركز صحي من المستوى الثاني و 36 سيارة اسعاف فئة (أ) و(ب)،ومساكن وظيفية للعالم القروي.كما أن هناك اتفاقيات أخرى مع مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووكالة تنمية الجهة الشرقية ومتدخلين آخرين لإنجاز مشاريع أخرى.
ويتوفر العرض الصحي حاليا بالجهة الشرقية على بنيات تحتية وموارد بشرية غير كافية متكونة من المؤسسات الصحية (تسعة مستشفيات عامة بطاقة إيوائية 1912 سرير،وأربعة مستشفيات متخصصة بطاقة إيوائية 225 سرير،و45 مركز صحي حضري من الفئة الأولى،و18 مركز صحي حضري من الفئة الثانية،و60 مركز صحي قروي من الفئة الأولى،و21 مركز صحي قروي من الفئة الثانية،و31 مستوصف قروي)،والموارد البشرية (554 طبيب من بينهم 242 طبيب مختص،و2267 ممرض من بينهم 326 ممرضة القبالة،و23 صيدلي،و631 إداري وإداري).
وللتذكير،شكل موضوع “الجهوية بالقطاع الصحي طموح واقع وآفاق”،محور يوم دراسي نظمته بوجدة الجمعية الوطنية لمتصرفي قطاع الصحة بتعاون مع المديرية الجهوية للصحة بالجهة الشرقية،لخلق فرص للمشاركة في النقاش العام الدائر بالقطاع حول مختلف الأوراش الإصلاحية التي تصب في اتجاه التأسيس لحكامة جديدة للمنظومة الصحية،تضطلع فيها كل فئة مهنية بدورها كاملا في احترام تام لمبادئ الاحترافية والمهنية وتقاسم الأدوار خدمة للمرفق العمومي للصحة ولمرتفقيه.
هذا اليوم الدراسي كان “حلقة جديدة في مسلسل اللقاءات التواصلية والأيام الدراسية التي تنظمها هذه الجمعية المهنية العريقة بتعاون مع المديريات الجهوية للصحة،تفعيلا لاتفاقية شراكة ابرمتها مع الوزارة حول تنفيذ برنامجها التكويني لفائدة المتصرفات والمتصرفين العاملين بالقطاع. كما كان فرصة لمناقشة مدى نضج المقاربة الجهوية بقطاع الصحة من منظور أكاديمي جامعي،أخذا بعين الاعتبار تراكم التجارب وتطور الظرفية”.
وأكد المدير الجهوي للصحة،عبد المالك كوالا،أن الهدف من هذا اللقاء هو تقييم عشر سنوات من الجهوية التي كانت أول تجربة في قطاع الصحة يتم إطلاقها من الجهة الشرقية من وجدة في عام 2006،في إطار برنامج دعم تدبير القطاع الصحي (ميدا)،وذلك من خلال الوقوف عند ما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه وكذا الإكراهات والمعيقات التي واجهت القطاع خلال هذه الفترة.وأضاف أن هذا اللقاء شكل أيضا مناسبة لمناقشة مستقبل الجهوية في قطاع الصحة في ظل ما ينتظره من تحديات جديدة أمام تنزيل الجهوية الموسعة،وكذا القانون الذي سيطبق عام 2015 المتعلق بقانون الخريطة الصحية والمخططات الجهوية للعرض الصحي التي سيتم العمل بها في إطار هذه الجهوية.من جهته،أبرز رئيس الجمعية،ميري مولاي الهاشمي،البنيات التحتية الصحية التي عرفتها الجهة الشرقية،(كلية الطب والمركز الاستشفائي الجامعي…)،مشيرا إلى أن الوزارة مطالبة اليوم بتحيين جميع أفكارها وكافة وسائلها وآلياتها حتى يكون القطاع على استعداد لمواكبة التحديات التي ستحملها الجهوية الموسعة،خاصة في ما يتعلق بتحمل مسؤولية القرار الطبي على مستوى الجهة.وأكد أن هذا اللقاء يتيح فتح نقاش حول الدور الذي ينبغي أن تقوم به كل فئة من الفئات المكونة للمنظومة الصحية في ظل التحديات المطروحة أمامها،خاصة في مجال الحكامة في تدبير الموارد البشرية والمالية،والتصور الاستباقي للحاجيات والبنية التحتية وكذا القضايا المرتبطة بالتكوين وتدعيم القدرات التنافسية للقطاع العمومي للصحة.وأعرب عن أمله في أن يفضي هذا النقاش إلى مجموعة من التوصيات،أهمها هيكلة المديرية الجهوية للصحة بالشكل الذي يجعلها قادرة على رفع التحديات والقيام بمهامها كمحاور مباشر في المستقبل مع فعاليات الجهة،ومراجعة تقسيم الأدوار بين جميع المكونات والتي من شأنها أن تجعل من المنظومة الصحية قادرة على ضمان الحق في الصحة وتشجيع الاستثمار والمساهمة في التنمية الاقتصادية بصفة عامة.
من جانبه،أشار مدير المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بوجدة،عبد الكريم الداودي،إلى أن هذا اللقاء يأتي في إطار ورش الجهوية المتقدمة التي جعلت من الحكامة وسيلة فعالة لتحسين الخدمات في مجال الصحة،ويشكل أرضية للنقاش حول الموارد البشرية والمالية وكيفية تسييرها بشكل أمثل بهدف تقديم خدمة صحية مثالية للمواطن المغربي.
الوزارة عاجزة عن تيسير قطاعها؟
وفي هذا الباب بعث الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحة (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمغرب) رسالة في ماي من العام المنصرم لوزير الصحة،بعد أن استنفدت النقابة،جميع سبل الحوار الجاد والبناء من أجل إيجاد حلول حقيقية لمعضلة الصحة بالجهة الشرقية،وكانت على الشلكل التالي :”لقد مر على تقلدكم مسؤولية وزارة الصحة ما يكفي من الوقت لتبرز بصمة سياستكم على القطاع اما شعاراتكم الانتخابية فقد انمحت بتقلدكم المسؤولية”،وسبق وحددتم استراتيجيتكم بقطاع الصحة بالارتكاز على (اقتراح خدمات صحية حسب الحاجة وليس حسب القدرة على الدفع وتقليص فوارق الاستفادة منها بين الأغنياء والفقراء،تخفيض الوفيات المترتبة عن الحوادث والناتجة عن التأخر في النقل والاسعاف وذلك بتحديث مصالح المساعدة الطبية الاستعجالية،الاهتمام بمصالح ومراكز الصحة العقلية،إرساء شراكة بين القطاعين العام والخاص،إعادة الاعتبار وتحفيز موظفي القطاع الصحي)،وظللتم الى اليوم وجها إعلاميا حاضرا بقوة وباستمرار عبر قرارات اعتبرتموها مصيرية وحاسمة الا انها كانت خارج مجال استراتيجيتكم المعبر عنها بل تعاكس النقط المشار إليها أعلاه،أما مساءلة المواطنين والموظفين على السواء فلن تجد الا جوابا منسجما مع ما تعرفه المؤسسات الصحية وتجهيزاتها والخدمات التي تقدمها وظروف العمل بها من تدهور مضطرد والتي تحاولون التغطية عليها عبر قرارات لا تلامس في شيء تطلعات المواطن في سياسة تعيد للمؤسسة الصحية طابعها العمومي وللخدمات الصحية بعدها الإنساني وللموظفين كرامتهم”،و”لقد اعتبرتم توفير الخدمات الصحية حسب الحاجة ضرورة أولوية الا ان الواقع يفند ذلك وتكفي زيارة خاطفة الى جل ان لم نقل كل المؤسسات الصحية خاصة منها الاستشفائية للتأكد من ذل، فأدوية الامراض المزمنة تنقطع لمدة طويلة خاصة منها الخاصة بمرض السكري والضغط الدموي المرتفع كما نعيشه بالجهة الشرقية عامة ومدينة وجدة على الخصوص والتي نظنها نسخة طبق الأصل للمدن الأخرى،أما جهاز السكانير بالمركز الاستشفائي الجهوي الفارابي فهو معطل لمدة تفوق الشهر علما ان طالبي خدماته بقدمون من أقاليم فكيك،تاوريرت ـجرادة مما يدفع المرضى رغما عنهم للبحث عن خدمة القطاع الخاص خاصة الحالات الاستعجالية اما لمن استطاع تحمل معانة المرض والضغط النفسي او لم يجد تكاليفه المادية فعليه ان ينتظر الذي قد لايأتي وتأتي بدله الوفاة”،و”قد تعتبرون ان تعطل هذا الجهاز حدثا عابرا لكن اسمحوا لي ان اخبركم ان ذلك اصبح يتكرر باستمرار لكن الأخطر من ذلك هو توقف قاعة الجراحة الخاصة بالأطفال بنفس المستشفى عن العمل لمدة تناهز الشهر والنصف ودون أن يلوح الامل لإعادة تشغيلها في القريب العاجل وذلك نتيجة تعطل احد الأجهزة ولم يجد الأطباء الا البحث عن محسنين محتملين لاقتنائها،هذه الفئة التي أصبحت من الممولين الثابتين والغير معلنين في مقررات التدريس للقطاع الصحي،ويبقى الياب المفتوح امام اسر الأطفال المرضى هو المصحات الخاصة،إنها الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام التي تحدثتم عنها وأظنها النقطة الوحيدة التي نجحتم في تطبيقها”،و”أما تحديث مصالح المساعدة الطبية الاستعجالية فقد تتبعنا عبر الاعلام عن اقتنائكم لطائرات مروحية قصد إسعاف الحالات الاستعجالية لكن ألا تعلموا أن مصلحة المساعدة الاستعجالية الطبية بوجدة تلزم عائلة المعني بالنقل تدفع ثمن المحروقات اللازمة لسيارة الإسعاف وإذا –أي العائلة – أرادت نقل ابنها عبر الطريق السيار ربحا للوقت المحدد في مصير الحالة الاستعجالية عليها تحمل تكاليفه (الطريق السيار) علما أن عائلة المريض لا تتوصل بأي وصل يبرر ذلك ولا ينج من العملية حتى موظفو القطاع الذين تستلزم حالتهم الصحية نقلهم الى المركز الاستشفائي الجامعي بفاس او الرباط،وان كانت وزارتكم عاجزة عن تيسير النقل الأرضي فكيف لها ان تيسره جوا”،و”إذا كانت لنا القناعة ان النهوض بالقطاع الصحي يستلزم الاهتمام بموارده البشرية باعتبارها العنصر الحيوي في المنظومة فان الواقع لا يعكس الا التموقع الهامشي لها في برنامجكم ويكفي أن نشير الى عدم التزام وزارتكم في تنفيذ الاتفاق الموقع مع النقابات الأكثر تمثيلية وعدم صرف التعويضات عن الحراسة والالزامية رغم هزالتها لمدة فاقت السنتين في بعض المؤسسات (المركز الاستشفائي الجهوي بوجدة) وتعثر وضعيتهم الإدارية وتدهور ظروف اشتغالهم وقلة عددهم”،و”أن المواطن يجلد كل مرة يتوجه فيها الى المؤسسة الصحية بحثا على العلاج والموظف يجلد مرتين:مرة حين يستقبل مواطنا ويجد نفسه عاجزا عن توفير ما يحتاجه من خدمات ومرة حين يحمله بعض الإعلاميين كل الاختلالات التي يعرفها القطاع او موضوع نكتة كما فعل رشيد شو خلال برنامجه يوم الجمعة 16 ماي 2014 والذي لم تفصله الا يوما واحدا على اليوم العالمي للمرض (12 ماي 2014)،كل ما سلف ذكره قليل من كثير جعلنا نطلق الانتظار ونختار مسار النضال”