في هذا الحوار المرتبط بملف سياسة السدود ببلادنا، أضاء الأستاذ الجامعي منير مهدي هذا المحور من جانبه القانوني النابع من مجال تخصصه كأستاذ في القانون الخاص، مشيرا إلى أهم المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها قانون الماء، ومنها الملكية العامة للمياه، و محاربة تلوث المياه و معالجة نقصانها في فترات الجفاف عبر سياسة التوزيع العقلاني وكذا ترشيد الاستعمال الفلاحي للمياه في الأنشطة الزراعية…، وأضاف متحاورنا أن المشرع قد حدد في المواد من 15 إلى 19 كيفية إعداد المخطط الوطني للماء، و المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة لموارد المياه، كما أنه حدد في المواد من 20 إلى 24 تركيبة و دور وكالات الأحواض المائية التي تسهر على إعداد و تنفيذ المخططات التوجيهية، وخلص في الأخير إلى ضرورة التوعية بأهمية الاستهلاك الرشيد للثروة المائية، و العمل على أن يحظى باهتمام السياسات العمومية في أفق ضمان الحفاظ عليها….
/////////////
ـ هل استجاب التشريع الخاص بالماء للتدبير العصري للثروة المائية وكذا لضروريات التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد؟
يعتبر الماء مادة أساسية للحياة، و هو الأمر الذي جعل المشرع المغربي يخصه بتنظيم قانوني حسب أحكام الظهير الشريف الصادر بتاريخ 16 غشت 1995 القاضي بتنفيذ القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، و الذي نشر في الجريدة الرسمية عدد 4325 بتاريخ 20 شتنبر 1995، و الذي يعتبر وفق ما نص عليه المشرع في بيان الأسباب التي دعت إلى وضعه، الأساس القانوني لسياسة الماء في المغرب، لذا فإن مسألة تقييم مدى نجاعة أحكامه و قدرتها على استيعاب الطرق العصرية لتدبير الثروة المائية من عدمها، يجب أن ترى من خلال الأهداف التي كانت الدافع من وراء التفكير في إصداره، و التي تتلخص في ضرورة وضع سياسة دقيقة للتحكم في تدبير المياه، و كذا العمل على حمايتها خدمة للصالح العام، بما في ذلك الاهتمام بجميع المخططات الاقتصادية و الاجتماعية للدولة. و هو الأمر الذي نلمسه في الواقع العملي، بحيث أنه على مستوى المؤسسات تم إشراك جميع الفاعلين المحليين و الجهويين في وضع الاستراتيجيات الملائمة و تنفيذها، كما أنه على صعيد استثمار الثروة المائية، فإنه قد تم الأخذ بخصوصية الحاجيات الاجتماعية لساكنة كل منطقة، مع الحرص على الحفاظ على حقوق الأفراد المكتسبة.
ـ ماهي المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها قانون الماء؟
ترتكز المبادئ الأساسية لقانون الماء رقم 10.95 على ما تم تحديده في نص القانون نفسه، و هي كما يلي: – الملكية العامة للمياه: إذ يعتبر الماء جزءا من الملك العام، غير أن هذا الأمر لا يقصي حقوق الملكية الخاصة بالأفراد، و لكن في المقابل أيضا فإن القانون يحاول أن يقيد حرية الفرد في التصرف في حقوقه الخاصة بالمياه، بحيث انه لا يمكنه تفويتها إلا لمالكي العقارات الفلاحية؛
-التشاور على نطاق واسع ما بين مستعملي المياه و السلطات العمومية حول المخططات الواجب وضعها لتهيئة الموارد المائية و توزيعها؛
-حماية صحة مستهلك المياه عبر تقنين عمليات تعبئة و توزيع الماء المخصص للاستعمال الغذائي؛
-محاربة تلوث المياه عبر التشدد في مراقبة الأنشطة التي من شأنها أن تلوثها؛
-معالجة نقصان المياه في فترات الجفاف عبر سياسة التوزيع العقلاني؛
-ترشيد الاستعمال الفلاحي للمياه في الأنشطة الزراعية؛
-إحداث شرطة المياه لمراقبة كل استغلال غير مشروع للثروة المائية؛
ـ كيف ينظم القانون توزيع الموارد المائية ومراقبة استعمالها وضمان حمايتها والحفاظ عليها؟
ينص قانون الماء على ضرورة إنشاء المجلس الأعلى للماء و المناخ، و الذي تناط به مهمة دراسة و إبداء الرأي بخصوص مخطط التنمية المندمجة لموارد المياه بالأحواض المائية، و لا سيما توزيع الماء بين مختلف القطاعات المستعملة و مختلف جهات البلاد أو نفس الحوض. و لقد حدد المشرع في المواد من 15 إلى 19 كيفية إعداد المخطط الوطني للماء و المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة لموارد المياه، كما أنه حدد في المواد من 20 إلى 24 تركيبة و دور وكالات الأحواض المائية التي تسهر على إعداد و تنفيذ المخططات التوجيهية، و القيام أيضا بجميع التدابير التقنية و المالية الخاصة بالمحافظة على المياه و وقايتها من التلوث.
ـ برأيكم كيف يتم استغلال الثروة المائية بالمغرب بشكل يحول دون إهدارها؟
من المؤكد أن الأمر يتطلب ضرورة التوعية بأهمية الاستهلاك الرشيد للثروة المائية، و كذا العمل على اعتبار أن الأمر يجب أن يحظى باهتمام السياسات العمومية في أفق ضمان الحفاظ عليها بشكل يمكن من استغلالها و تدبيرها وفق ما يستجيب لحاجيات التنمية الاجتماعية و الاقتصادية.
ـ هلأصبحت مراجعة التشريع الحالي للمياه وتوحيده في قانون واحد ضرورية؟
تعتبر مسألة ملائمة التشريع و جمع نصوصه، بل و تنقيحها، مطلبا أساسيا بالنسبة لجميع القوانين الجاري بها العمل في كافة المجالات، و ليس فقط القوانين التي تخص الماء، لا سيما بالنسبة للأحكام التي تهم تدخل مختلف المؤسسات الإدارية المتنوعة لتدبير في تدبير القطاع، و ذلك من أجل التمكن من توحيد الإجراءات القانونية و تخصيص جهة واحدة بمهام منح الرخص و المراقبة و وضع المخططات، و ما إلى ذلك من التدابير التي تهم استغلال الثروات المائية.
ـ كيف يمكن للتشريع القانوني في مجال الماء أن يتدارك الفوارق بين المدن والبادية في إيصال الماء الصالح للشرب؟
أعتقد بأن الأمر لا يتعلق بالتشريع، أكثر مما هو مرتبط أساسا بسياسة عمومية تفترض تظافر الجهود من أجل العمل على حل مشكلة تزويد العالم القروي بالمياه الصالحة للشرب، و هو الأمر الذي يتطلب استثمارات مهمة لوضع الآليات الكفيلة بتمكين ساكنة البوادي من الاستفادة من هذه المادة الحيوية.
ـ كيف يمكن في نظركم مواجهة الخصاص المائي في المغرب في أفق 2030؟
لست متخصصا في المجال المتعلق بالطرق العلمية للحفاظ على الثروة المائية، و لكن من وجهة نظر المتتبع لمخاطر ندرة المياه في السنوات القادمة أعتقد بأن الأمر يتطلب أولا ترشيد استهلاك الماء، و ثانيا الحد من مصادر التلوث التي تهدد مصادره الحيوية، و ثالثا العمل على تطوير تقنيات تحلية مياه البحر من أجل استغلالها على الأقل في الأنشطة الاقتصادية التي تتطلب كميات مهمة من المياه.
ـ ماهو دور سياسة السدود لحد الآن من جهة في الحفاظ على الثروة المائية ومن جهة أخرى في مواجهة الخصاص المحتمل في الماء؟
ظهرت أهمية السدود منذ ثمانينيات القرن الماضي، بحيث أنه لولا تلك المشاريع التي شيدت آنذاك لما كنا الآن نعيش فترة متميزة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، على صعيد الاستهلاك الذي تعرفه مختلف مناطق المغرب، إذ أنه رغم تضاعف عدد السكان فإنه إلى حد ما لا نعيش أزمة العطش، باستثناء بعض القرى و الدواوير التي يجب التدخل في العاجل لإنقاذها من معضلة انعدام مصادر التزود بمياه الشرب. لذا أعتقد بأنه لا بد من دعم سياسة السدود، و محاولة صيانتها، بل و العمل على تطوير التقنيات التي قد تؤدي إلى تعزيز وظائفها.