عبد العزيز بنعبو
لم أعش لحظة جميلة و بليغة مثلما عشتها في الأسبوع الماضي، و بالضبط يوم الأربعاء 14 يناير الحالي بالمركز الثقافي المصري و على مدار ساعتين تقريبا، لم يكن للملل مكان بين الحضور، كما لم يكن للرتابة موطئ قدم في تلك القاعة الحميمية. المنصة كانت مثقلة جدا ، عبد الكريم برشيد و سميحة أيوب و مدير المركز و الوازنون الآخرون الذين فاضت بهم القاعة حتى بات الوزن اكثر مما يطاق. هكذا تتحالف التجربة و الشموخ و المودة و التقارب، في ندوة واحدة إختار لها المركز الثقافي المصري تيمة “العلاقات المسرحية المغربية المصرية”. طبعا هذا الحدث كان يلزمه رجل مثل برشيد سيد الإحتفالية في الوطن العربي، و إمرأة من وزن الفنانة سميحة أيوب سيدة المسرح العربي. و كان لزاما العبور على التأريخ الدقيق لسيد علي إسماعيل و نبض محمود عطية الذي كان قلبه العاشق للقاهرة يتعبد في الرباط. أما المؤرخ المقتنص للحظات القصوى و المنفلتة، كان حديثه شجيا، معطاءا وافرا و غزيرا بالمعطيات. حتى طريقته في البحث عن المعلومة، كانت تغري بالإنصات. مختصر اللحظة محبة وارفة ترجمها العمالقة المسرحيون على أرض الواقع، لتكشف لنا الفنانة سميحة أيوب أصول جدتها المغربية، مؤكدة أن ما يجمع المغاربة و المصريين ليس تاريخا فحسب بل زمنا و عشرة و علاقات أسرية… لا يمكن لهذه الروابط أن تعكرها أي شائبة. كانت لكلمات السيدة سميحة أيوب وقعا مثل النبض يسري فيك مسرى الدم في الجسد. برشيد كعادته ودود، وديع ن بليغ ، متمكن من آليات عشقه للإبداع و للحياة و للناس، ترجم محبة تجمع المغرب و مصر بمحبة مثل العقيدة. كنت أرغب في أن تبقى الندوة مستمرة في الزمان و المكان، حتى يتسنى لنا أن نغرف من معين البهاء ما نستطيع به مواجهة قبح اليوميات. لكن الموعد ازف و غادر الكل، و بقيت حلاوة اللحظة تجول أفكارا و مشاعر و مهجا كانت امامنا أشخاصا فوق المنصة. ما أعتبره أساسيا في هذه الندوة ، هو الدور الذي يمكن للفنان أن يلعبه كونيا، الفنان قادر على أن يجعل المسافات مجرد هراء، و التباعد مجرد إشاعة. قادر على أن يجمع أكثر من أن يفرق. تلك ضرورة الإبداع، هو جسر الإنسانية نحو نفسها، جسر لا شروط لعبوره إلا محبة الآخرو احترامه و الإنصات إليه و الإنفتاح عليه..