تكريم عبد العزيز بنعبو، من يكرم من؟
المقام الأول: احتيار
احترت طويلا، أنا القادم توا من سجلات الانتصار، المخضبة جدا بألوان الانكسارات. أنا الذي لا يحضر دوما، في جميل من اللحظات إلا متأخرا. احترت بمرارة فيمن يكرم من مساء هذا المساء الأكدالي المتخن بالبهاء.
على المنصة، الشاعرة ريحانة بشير، على يمين سنديان النقد أحمد زنيبر، وشخص ثالث بثبات أسطوري، وملامح تشي باقتراف غير اليسير من الجمال، عبد العزيز بنعبو. في عينيه ومضات الانتصار والانتظار. هذا الشخص لا أعرفه، وإن كنت أحبه حد الإدمان.
السيدة ريحانة بشير استدعتني، والصديق أحمد زنيبر، كذلك. لكني تهت ولم أعد أعرف من يكرم من؟
لعلها السيدة فدوى الريح، تحتفي بمركزها، (ويستاهل)، المركز الوطني للإعلام والتوثيق للشباب، الساجي هناك في طرف خافر من شارع ابن سيناء العابق بأنواع العطور المستوردة وأنفاس البذخ الرباطي اللافحة.
أو لعلهم يحتفون برئيسة بيت المبدع، مولات الدار، التي تدثرت بالأحمر، مساء ذاك المساء، وقليل من الأسود نكاية ربما، في الصديق استاندال. تلك التي تخشى أن يتوهمها الليل نجمته، فتنام باكرا قبل أن يفيق من كراه الليل.
المقام الثاني: احتضار
أنا القادم من سجلات الليل والخبل والصحراء التي لا تعرفني، أصل متأخرا، لا أحمل إلا عين كامرايَ النحيفة، لأستغل ببشاعة، حدس الصحفي ، فأحس أنهم يكرمونه. هذا الرجل الذي لا يعرفني ولا أعرفه، وإن كنت أقترفه، كفعل ثقافي. ككائن فني في حجم نبل الوجاهة. ذاك الذي يعرف أسرار خيمياء حياكة أردية الفجر من خيوط الدجى القاتمة بحمرة الحقيقة وجمرة الصحافة ونيكتار ماء الشعر المقدس. لعله المكرم. أو لعلهم يكرمون هذه الوجوه التي تطالعك دوما بإصرار، في كل الملتقيات السلاوية والرباطية، نكاية في الرداءة.
المقام الثالث: انصهار
هي القادمة باكرا من سجلات الجور، كملكة شطرنج، تهزم عتمات الظلام، بيادق الظلام، قهر المجتمع وعهر الطبيعة، لتصيح: دكتور.. أنا حنان، لا تنسى اسمي . وعلى الدكتور أن يتذكر اسما يتواجد بقوة القانون وناموس البقاء، في كل الأماكن ليطرح أسئلة ويعود للظلام. “أنا حنان، التي لا تحرق حرقة الأسئلة نسيج وجهها، بل تحرق فلسفات قواميسكم، انأ المتمردة عليكم، الحاضرة فيكم، رغما عنكم حد الانصهار.
المقام الرابع: الاستحضار
استغل الدكتور أحمد زنيبر، ب”انتهازية” نبيلة حسناء، كشاعر، وناقد ومناور، مخزون حنكته، لاستدرار كل أنواع ومشتقات الألبان، من ضرع تجربة الأستاذ عبد العزيز بنعبو الشاعر والإعلامي والنقيب، الذي لم يصمد كثيرا قناع البرتوكول على محياه، وهو الذي يسع رأسه أكثر من قبعة.
تحدث الضيف رغما عنه، وهو ترياق الكثير من أحزان الثقافة، عن تفاصيل بإيجاز واقتضاب، وطبعا بإسهاب. هذا الذي يلبس أكثر من قبعة، كأستاذ ورفيق وصديق ومنعطف لرحلة الكثيرين.
وتحدث، رغما عنه، وتحت وطأة الأسئلة المناورة لذاك “العفريت” زنيبر، بكثير من الشجى عن تجارب ذات شجون ( ما دّاتْ ولله الحمد والُو من وسامته والنضارة). لقد قارب بوجدانية مفعمة بالرجاء، حرارات الماء والنار، تدرجات الأمل والألم، تضاريس الأفق والنوستالجيا. استحضر تحت صهد الاستعراف، كل المواجهات الهادئة والضارية، على جبهات فن الممكن/ الإعلام، وفن المستحيل/ الشعر. الالتقاءات، يا إلهي، والتضاربات والتقاطعات، الهموم، الأحلام، الكبوات، الهواجس، الحروب الصغيرة والحارقة، نحتت في النهاية شكلا يدعى “عبد العزيز بنعبو”، عنوانا ثابتا للاتزان، وبالون أكسجين لأرواح الاختناق المتغزلة برجاء بمرايا الانعتاق.
المقام الخامس: العنوان للقارئ
حضر اللقاء الجميلون من كل الحدائق. وذكر الأسماء لا يزيدها وهجا. فشكرا للعزيز بنعبو، الذي آثر أن يكون حفله ذريعة، لتحتفي الثقافة (دْيال بَصَّحْ) بذاتها، شماتة في كل الرداءات. وكل عام والبهاء يسير.
مولاي علي أفردو السجلماسي
الرباط