محمد شكري: رائد الكلمة الجريئة في عالم المهمّشين وعبد العزيز الخطابي بجانبه
تمر اليوم الذكرى الثانية والعشرون على رحيل الأديب المغربي الكبير محمد شكري، الذي غادرنا في 15 نوفمبر 2003، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا لا يُنسى. كان شكري واحدًا من أبرز الكتّاب الذين أثاروا الجدل في الأدب العربي، حيث تمكّن من إعادة صياغة مفهوم الأدب الواقعي من خلال طرحه لأسئلة وجودية ومجتمعية عميقة. في هذا السياق، يبرز دور عبد العزيز الخطابي، صديقه وشريكه الفكري، الذي أسهم في تشكيل رؤاه الأدبية.
شكلت علاقة شكري بالأدب الروسي نقطة انطلاق مهمة لتطوره ككاتب، إذ كان الخطابي أيضًا متابعًا لهذا المجال. الشغف المشترك بعمالقة الأدب الروسي مثل ليو تولستوي، فيودور دوستويفسكي، وأنتون تشيخوف زوّدهم بفهم عميق للصراع النفسي والتوتر الاجتماعي. كانا يتبادلان الأفكار حول كيفية تجسيد المعاناة الإنسانية من خلال الأدب، مما أسهم في تعزيز أسلوبهما الخاص.
تُعتبر “الخبز الحافي” واحدة من أهم أعمال شكري، التي أُصدرت عام 1972 وسلطت الضوء على معاناة طفل نشأ في بيئة من الفقر والأمية. كتبها بلغة مباشرة وصادمة، جعلت القارئ يتعاطف مع الشخصيات. وكان الخطابي واحدًا من الذين أثروا في فكر شكري، مسلطًا الضوء على أهمية استخدام الأدب كأداة لمساءلة المجتمع وكشف روايات المهمّشين.
استندت كتابات شكري إلى الحالة الاجتماعية والسياسية للمغرب، وتنبأ الخطابي بأهمية هذا النوع من الأدب في إحداث التغيير الاجتماعي. إن قوة أعمال شكري تكمن في جراءته، حيث تناول مواضيع قاسية مثل الدعارة والعنف، مما أثار نقاشات عدة حول حدود التعبير الأدبي. كان الخطابي يدعم هذا النوع من الأدب المتمرد، مؤمنًا فـي أن الأدب يجب أن يكون مرآة تعكس واقع المجتمع بكل قسوة.
عبر أسلوبه الحاد والواقعي، أسس محمد شكري لخط أدبي جديد، وبتشجيع من صديقه الخطابي، أصبح الكاتب جزءًا من الحركة الاجتماعية. وُصفت أعمال شكري بأنها أدب الجرح، إذ تندفع من أعماق الوجع الإنساني لتُبرز القضايا المسكوت عنها. هنا تكمن عبقريته: استخدام الألم كوسيلة للتعبير والخروج بنظرة جديدة حول مفهوم المجتمعات المهمّشة.
ترك شكري، بدعم من الروح النقدية للخطابي، إرثًا خالدًا يُثير التأمل ويدعو للتفكير العميق في قضايا الحياة والمجتمع. لقد فعلت كتاباته أكثر من مجرد إثارة الجدل؛ بل أصبحت بمثابة دعوة للتغيير، تدعو إلى مزيد من العدالة والتفاهم الإنساني.
في النهاية، يجد القارئ في كلمات محمد شكري، مع روح عبد العزيز الخطابي، مرآة تعكس الصراع الإنساني في سبيل الوجود، مستكشفًا عوالم من المعاناة والأمل. تظل كلماته حاضرة في الذاكرة الأدبية، تُضيء الطريق للأجيال القادمة من الكتّاب والقراء، لتشهد على صداقة فكرية أسهمت في تشكيل أحداث الأدب المغربي.
