الباحث مصطفى شكيب
ولو تمت إتاحة الفرص وتم تيسير النشر لكل كاتب لإخراج مكنوناته،لشهدنا فيضا هائلا من الانتاجات الفنية والعلمية في بلادنا
الترجمة كعملية لنقل العلوم والمعارف ،و كعملية مران للغلة الوطنية وتفاعل لها من اجل حيوتها واستمراريتها،تعيش أحلك اللحظات التاريخية في عالمنا العربي
هو المثقف الصاخب بالمعرفة، الصارخ في صمت. ، واسع الإطلاع، غزير الإنتاج. ينتمي لمعدن السائرين في وتؤدة، بعيدا عن بهرج الأضواء و الصالونات. مثقف يؤمن عميقا بالبساطة و التواضع ، باعتبارهما فضيلة من يمشي على هدي المعرفة و خطى العلم. أن تحاور الباحث مصطفى شكيب، ليس أمرا سهلا و لا هينا، غير أنه فتح لنا رحابة صدره في هده الدردشة التي نسلط من خلالها الكاشف على بعض من عالمه المعرفي الشاسع. راجين أن يتصالح الوطن مع أبنائه و إلا يجعل نجابتهم تعبر البحار،بينما الوطن في مسيس الحاجة لبلسم أفكارهم.
أجرى الحوار : أسامة الصغير
1/ معروف أنك تنتمي إلى نوع المثقف الموسوعي,إذ إنك منشغل بمجالات معرفية و علمية كثيرة و متنوعة,ما هو رهانك و مشروعك الأكبر من وراء كل ما تكتبه و تنشره؟
صحيح إنه زمن التخصصات العلمية وتخصص التخصص،اعتبارا لتفرع العلوم وتفرغ العلماء لمزيد من ضبط المادة العلمية واستيعابها واستخراج الخلاصات فيما توفر من الوقت القصير نسبيا،ولكني وجدت ذاتي منجرفا للنهل من فروع علمية متنوعة،إشباعا لرغبة السؤال والفهم،وكذا محاولة لاستجلاء الكثير من الغموض في الظواهر الإنسانية الاجتماعية التي لا يمكن الإلمام بها إلا من خلال رؤية علمية موسعة،واعتبارا أن الكون الإنساني وحدة متناسقة في عناصره وديناميته..هناك تكامل ومقارنات يستفاد منها للخروج بالفهم والرؤية..
2/ المهتم بمسارك يسجل ملاحظة غريبة مفادها أنك لم تنشر بالمغرب و منشوراتك تُقرأ و تُتداول في المشرق والخليج,كيف يمكن أن توضح هذه المفارقة الصارخة؟
هذه هجرة من نوع آخر.معروفة أزمة النشر والقراءة ببلدنا، ومعروف احتفاء دور النشر المشرقية بالعديد من الكتاب المغاربة، في مجال الشعر والقصة والفكر، يُنشر لهم في لبنان ومصر وسوريا خصوصا..الأمر مرتبط بشروط وظروف النشر…مرتبط بالاهتمام الذي يُولى للكاتب ومولوده الأدبي والفكري.نعلم جميعا قدر ما يمكن أن يُوزع من نسخ كتاب في المغرب،وذلك برغم اجتهادات الكاتب ومحيطه وحملاته الذاتية للترويج وإقامة حفلات التوقيع للكتاب.الكتاب ينحسر انحسارا ودور النشر أو بالأحرى المطابع لها حساباتها الخاصة على حساب النتاج الفني أو العلمي الذي سيثري المكتبة.ولو تمت إتاحة الفرص وتم تيسير النشر لكل كاتب لإخراج مكنوناته،لشهدنا فيضا هائلا من الانتاجات الفنية والعلمية في بلادنا،فالكثير من الكتب جاهزة للنشر في رفوف مكاتب الكُتاب أو معششة في عقولهم محاصرة بحصار الإحباط.
3/ تشكل الترجمة أحد المداخل الرئيسة و المهمة لتحقيق النهضة و التقدم ,أنت باعتبارك مهتما بالترجمة بلغات ثلاث,كيف تُقَيم حال الترجمة في المغرب و الوطن العربي؟
الترجمة كعملية لنقل العلوم والمعارف ،ولكن أيضا كعملية مران للغلة الوطنية وتفاعل لها من اجل حيوتها واستمراريتها،تعيش أحلك اللحظات التاريخية في عالمنا العربي،وذلك راجع ككل لركود عملية الحراك الثقافي وانعدام الإرادة السياسية للنهوض بالفكر والعلوم.باستثناء أشخاص مكافحين في مجال الترجمة،يقومون مقام مؤسسات علمية،وبعض المراكز القليلة التي تأسست يلينان ومصر والإمارات والجزائر من اجل النهوض بمشروع الترجمة وإحياء لعهد المأمون العباسي الذهبي والفريد في تجربته،فان الحال بائس والفارق صارخ جدا…فمنذ خمسة عقود لم يترجم إلا لبضعة آلاف من الكتب في مجموع الوطن العربي كله،قدر ما تمت ترجمته في بلد أوروبي(اسبانيا ) في سنة واحدة،فيما اليابان بلد التقدم والتكنولوجيا يترجم مليون صفحة سنويا..هذا يدل على مكانة الترجمة في النهضة العلمية الكفيلة بنهضة الأمة وتقدمها ومعالجة قضاياها المصيرية.
4/ بإطلالة على مشروعك العلمي الثري,نجدك مهموما بالجانب التربوي ث سيكولوجية التنشئة,ماذا يتغيى الباحث مصطفى شكيب من هذا الاهتمام وفي هذا السياق الاجتماعي المنفلت؟
1- لاشك أن بناء المجتمعات له أسسه ودعاماته.والسياق الاجتماعي صورة لمجموع القيم والمعتقدات التي تم تلقينها والسائدة في مجتمع ما. التربية- المدرسة، الإعلام، ضمانة الرهان.رهان تنشئة اجتماعية سليمة، ضمانة الضبط الاجتماعي والشعور بالهوية والانتماء والهدف.ما نرى من إحباط وانفلات في حال المواطن والشباب خصوصا ناتج عن فشل العملية التربوية والفوضى والتسرع التي تعيشها…في غياب التوجيه، يسود الاضطراب الاجتماعي ومع تعدد وسائل الإعلام تعددت مصادر التوجيه التربوي وساد التخبط في النموذج والاقتداء والهوية…تزداد المشاكل،تبرز ظواهر اجتماعية جديدة،تتلاشى قيم المواطنة وعملية المساهمة الفردية والبناء الاجتماعي…رهان التربية مضاعف في هذه الأوقات،اعتبارا لتسارع التحولات الاجتماعية المرتبطة بالطفرة الإعلامية للوسائل الجديدة لتكنولوجيا الاتصال.وليست مساهماتنا من وقت لآخر إلا محاولة للتنوير والتحسيس والتوجيه في المسائل العالقة والغامضة في الأذهان من اجل سوية الفرد وبالتالي تسهيل عملية التنشئة الاجتماعية والبناء المجتمعي ككل.
5/ باعتبارك مواكبا و متفاعلا مع الساحة,ما هو برأيك الدور المنوط بالمثقف المغربي و العربي في ظل هذا الحراك الذي يشكل نقطة تحول حاسمة في المنطقة؟
كان دائما للأمم مفكروها ورائدوها،مشاعل تضيء في ظل واقع ضبابي متناقض.شاهدنا الثورات،وشاهدنا ما بعد الثورات!
شهدنا الانتفاضات العفوية وآفاق التغيير المُسَطرة، وشهدنا أيضا الانتهازيين السياسيين وعدّدنا الأرواح والخسائر وتعطل الحياة في المنطقة العربية.
تابعنا تعبئة الجماهير من هنا وهنالك،وتابعنا الاصطدامات والتفريق المجتمعي..دول تعرف الطائفية في امقت صورها وتجلياتها،تعرف جماعات العنف الممنهج باسم الدين(من صنع مخابراتي) تعرف اقتتالا على الهوية والمذهبية.
دور المثقف ها هنا:التجرد والتنوير.التجرد من كل أمراض الفكر التجزيئية الطائفية والتصنيف والتمييز والإقصاء والذاتية؛
دوره تمثيل فكر التعايش وقبول فكر الآخر وتواجده في حيز واحد.
المثقف واع بدينامية التغيير وسوسيولوجيا المجتمعات،ويدل على الطريق نزعا لفتائل الأهواء والنزاعات.
من سوى المثقف الحقيقي الملتزم قادر على تنوير الرأي العام بأساسيات المشروع المجتمعي القائم على مبادئ الحرية والتعايش وعلى توجيه الجماهير نحو التغيير المجتمعي الراقي المقدس للإنسان ووجوده وملكيته.
الوضع حرج جدا والسياق الاجتماعي منفلت دون توجيه، التفاعل الاجتماعي متزايد، وفي غياب سيادة الفكر المتنور تفعل العوامل الخارجية فعلها محركة البدائية لدى الإنسان وتتدخل لتفسد مجرى وحركية التاريخ.
6/ كلمة أخيرة إلى من يحملون هم العلم و المعرفة ؟
التضحية،التفاني من اجل الوصول…إلى بعض الحقيقة.
لمن يسير في هذا الدرب، الطريق ليست طريقا سيّارا،والثمن غالي جدا.
صناعة الفكر تحتاج التفاعل والمخاض..الذاتية وضيق الأفق أعداء للفكر الإنساني.
النسبية،التجدد الدائم والرؤية الشمولية كفيلة بدفع المشتغلين بالمعارف والعلوم إلى الوصول إلى حقائق جديدة هي بدورها قابلة للتنقيح والتجديد،لتسير عملية البحث في طريق مستمرة.