4, نوفمبر 2025

كان يفترض أن تكون مناقشة قانون المالية لهذه السنة لحظة سياسية بامتياز، تشبه آخر منعطف في مسار ولاية برلمانية كاملة، تسائل الحصيلة وترسم الملامح الكبرى للمستقبل. وكان من المنتظر أن يتفاعل النواب مع الخطاب الملكي الأخير، الذي دعا بوضوح إلى تجديد جوهر الانتداب العمومي وترجمة تطلعاته في إعادة ترتيب أولويات التنمية.

 

لكن، ما يجرى في لجنة المالية، والأكيد أن ذلك سيعاد إنتاجه في ما يتلوها في الجلسات العامة وباقي اجتماعات اللجان الأخرى، يكشف أن هذا المنعطف الواسع تحول كعادته إلى منعطف ضيق أُغلقت فيه نوافذ الأمل في سياسة النتائج.

فبدل أن تناقش الأرقام في ضوء حاجات المواطنين، تحولت اللجنة إلى ساحة سجال انتخابي مبكر. الأغلبية تتهجم على المعارضة وتدافع بتوتر عن حكومة فقدت زمام المبادرة، والمعارضة تزايد بخطاب احتجاجي بلا بدائل. وبين هذا وذاك، ضاعت لغة الأرقام والمعايير والمؤشرات، وحلت مكانها لغة الاتهام والتشكيك والتشفي. بدا المشهد وكأن البرلمان يعيش موسمه الأخير في حملة انتخابية سابقة لأوانها، لا مؤسسة دستورية تناقش الميزانية العامة للدولة.

في لحظة كان فيها الشارع المغربي يغلي بمطالب الشباب الباحثين عن فرص العيش والكرامة، انشغل ممثلو الأمة بتقنيات تسيير الوقت داخل اللجنة، وبمعارك لفظية حول قضايا مصيرية للمواطن المغربي.. لم يناقش أحد بجدية كلفة السياسات العمومية، ولا أثر البرامج الاستثمارية على التشغيل، ولا أزمة الثقة التي تنخر علاقة المواطن بالمؤسسات. وكأن المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن لا تعني أحداً.

لم يكن النقاش حول التنمية ولا حول الفوارق المجالية والاجتماعية، بل حول من سيربح الجولة الرمزية أمام الكاميرات. وحين غابت الرؤية، تحولت لجنة المالية إلى مرآة مصغرة لعطب سياسي أعمق، يتعلق بانشغال الفاعلين بالتموقع بدل الإصلاح، وبالصورة بدل المضمون، وبالانتخابات بدل الدولة والمجتمع.

 

هكذا ضاقت هوامش الأمل من جديد، وضاع آخر اختبار في هذه العهدة كان يمكن أن يعيد للبرلمان جزءاً من مصداقيته. ومن يدري؟ ربما سيحتاج هذا البلد إلى أكثر من قانون مالية جديد ليخرج من هذا المنعطف الضيق الذي صنعناه بأيدينا، حين فضلنا الحسابات الصغيرة على الإجابات الكبرى.

اترك تعليقاً

Exit mobile version