نقد مسرحي . نجـيـب طــلال
لماذا لا نتوفر على مسارح الجيب؟ سياق السؤال هذا، يفرض تسلسل تساؤلات محرجة جدا، هل كنا نمارس المسرح دونما وعي بمصطلحاته ومفاهيمه كالتجريب، علما أنه :” وقد ارتبط التجريب في المسرح العربي، بالحالة الثورية، فوجدنا تزايد الفعل التجريبي المسرحي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فظل التجريب مرتبطا بالفعل السياسي، مناصرا له وليس في خدمته .
للعلم أن هنالك روابط ضمنية ومفاهيم مضمونية بين التجريب والمسرح السياسي، وذلك من أجل إيقاظ الوعي لدى المتلقي.
هذه المحاولة التوعوية فرضت تمظهر” مسرح الجيب” المحمل بأيديولوجية معينة :” ولعل سبب ظهور هذا النوع من المسارح يرجح التسمية الثانية عن الأولى، فالمسرح التجريبي يعكس مقتضيات إنشاء مثل هذا النوع من المسارح، ثم إن كلمة التجريبي فيها من المعاني ما يفضله مؤيدو ومحبذو هذا النوع من المسارح. فالتجريب فيه انفراد بشيء جديد وتميز، وهو يتطلب حكمة وشجاعة ورأيا.
أما مسرح الجيب فقد اتخذ لنفسه هذا الإسم إلى ضيق مساحته وصغر حجمه .وإذن تسميته بهذا الإسم تسمية مكانية، أما التسمية الأولى ؛ تسمية إيديولوجية ، فأي عمل مسرحي، يحمل في طياته إيديولوجيته وأبعاده السياسية حتى ! وبالتالي فهل مسرحنا كان سطحيا يلامس أهواءه ليس إلا؟ حيث غابت عنه الجرأة في تناول القضايا السياسية ؟ مما لم يكن جريئا في هذا مما لم يفكر مسرحيونا أويتجرأون في محاولة المطالبة أو المغامرة في إنشاء مسارح الجيب، التي إطارها تجريبي وبعدها سياسي/ طلائعي، تقاوم المسرح التجاري/ الاستهلاكي، ولاسيما أن:” تجربة مسرح الجيب أو المسرح التجريبي ، في أمريكا من أروع وأخصب التجارب التي مرت بتاريخ هذا النوع ، من المسارح …
فبالإضافة إلى الحاجة المحلية عندهم لمسرح صغير، يقدم عليه ما يرفضه التجاري والشركات المسرحية ، والتجارب المسرحية الجديدة كانت هناك الحاجة أيضا إلى تقديم الروائع المسرحية الأوربية الجديدة. فحينما نتلفظ بأمريكا، إننا نعني الرأسمالية ، ومسارح الجيب تولدت من خلال أفكار راديكالية ، متناقضة والرؤية الرأسمالية /الليبرالية ، فهل حرية الفعل والإبتكارهي الدافع لتواجدها في عالم رأسمالي؟ أم الصراع الإيديولوجي القائم؟ فمما لاشك فيه بأن الصراع عامل ودافع أساس ، نتيجة المثقافة والتأثير مما:” تضافر تأثير مسارح الفن الأوربية مع جمهور من الطلاب والفرق المحلية، التي أنشأتها مجموعة من الفنانين، إذ كان المضاربون قد استولوا على برودواي، فظل يمثل حتى أيامنا هذه سوق احتكارات الفن المسرحي في احتكاراته ومضارباته…..
وأنشأ الهواة، في كل مكان من الولايات المتحدة تقريبا، ما سمي” مسارح الجيب” أو ” المسارح الصغيرة” وأصبحت ( غرينويتش فيلاج ) مركز إبداع في مواجهة برودواي… ويعود الفضل في ذلك بخاصة إلى ممثلي بروفنستاون الذين استقروا في شارع “ماك دوغال” ليقدموا فيه مسرحيات أونيل …لكنهم أسسوا أيضا مسرح الجماعة حيث قدموا بوجه خاص العديد من المسرحيات الأوربية الطليعية، مقابل هذا ففي الشرق تقوى « مسرح الجيب » من خلال الواقعية الإشتراكية ، رغم الصراعات بين التصورات والتنفيذ لتغيير المفهوم التقليدي للمسرح وتطوره.
بالنسبة لنا مع من كنا نتصارع ؟ باعتبار أن ظهور مسرح الجيب أوالحجرة أو الغرفة أو مئة مقعد… سياقه صراع سياسي بالأساس، فبانعدامه أو حتى طرحه كمشروع، يؤكد بأننا كنا نتصارع مع الوهم. وهاته النتيجة بالتأكيد سيستهجنها البعض، مقابل هذا إن كنا واهمين فباب التصحيح والتوضيح مفتوح.
لنترك هذا جانبا. ونؤكد بأن “مسرح الجيب” مكان للفعل الراديكالي/ الطليعي/ فلماذا لم يتباه الفكر اليساري المغربي، من خلال بعض جمعياته الثقافية ؟ بدون مزايدات معرفية ، فمسرحنا انطلق من معمعان الحركة الوطنية، ذات الفكر السلفي/ الفقهي. ولم يستطع الانسلاخ عنه . فحتى في مرحلة التأسيس، اختلط علينا الفكرالسلفي بالفكرالشعبي، الذي غرسه ‘ أندري فوزان” في ذهنية الرعيل الأول من المسرحيين، وبالتالي كانت لدينا تجارب مسرحية ، وليس هنالك مسرح تجريبي، فالمفهوم يختلف.
فهل استطاعت ( الإحتفالية) أن تنزل إلى الأسواق الأسبوعية لتحقق احتفالها؟ هل استطاع (مسرح الثالث ) اختراق البوادي والقرى، كما فعل »يوجينو باربا » مؤسس المدرسة العالمية لعلم أجناس المسرح .
هل الإخراج الجدلي استطاع أن يـُفعل المسرح ككائن تاريخي روحا وشكلا؟ وبالتالي هل كان يجادل الفكرة أم الفرجة أم الرؤية؟ وهل استطاع ( المسرح الفقير) أن يخلق أوراشا لخلق ممثلين قديسين حسب رؤية ” غروتفسكي” وهل استطاع مسرح ( النفي والشهادة ) أن يحقق شهادة سياسية لارتقاء بأنواع الإبداع والتمرد على الجاهز ؟ وهل استطاع (مسرح المرحلة) أن يفتت مرحلية الواقع الإجتماعي والسياسي ؟:” إن انهيار المسرح السياسي البارز يجب أن يعزى إلى أسباب سياسية، ذلك أن تنامي قيمة المسرح بصفته تثقيفا سياسيا يتصادم مع تنامي الرجعية السياسية .
مما أمست تلك النداءات المنحولة كقواعد وقوالب ومنطلقات مهيمنة من الغرب! مجرد أوهام مسرحية في زمن التأسيس، بحيث لم تستطع أن تنخرط في التجريب، ولا أن تؤسس “تجربة” قائمة الذات ، وبالتالي فهي كانت [ صيحات] خارج معركة [يوم ذي قار] وبالتالي ساهمت في تكسير فكرة المسرح التجريبي لأن:” التجريب ليس مشروعا يهدف للعمل على الشكل فقط ، ولكن على المضمون أيضا.
فقد طرحت فكرة التجريب على مادة كلاسيكية وغيرها من المفاهيم، وهي الفكرة الهامة التي جعلت المسرح يستعيد في مشروعة التجريبي النصوص الكلاسيكية.
ويخضعها لتأويل معاصر في المضمون. وهذا لم يتحقق في إطار “الهواة / التجريبيين” ( تجاوزا) رغم التضحيات والنضالات ، ومقارعة الأفكار بالجماليات والجماليات بالأفكار في ( المسرح) لا نغالي إن أشرنا صراحة، بأننا كنا نتخبط في بعض التجارب التي تسربت عبر الفكرالماركسي، والفكر الإشتراكي .
دونما هضم لأبعادها وتعقيداتها وأسسها ! هنا ليست مسألة جلد الذات، بل محاولة لإعادة النظر في جل المعطيات المسرحية والفنية في المغـرب . محورها : هل مسرحنا يحمل في طياته تدجين الفكرة والفعل؟ مما لم نستطع تقعيد فكرة المسرح التجريبي؟ المساهم في خلق مسارح الجيب؟ عمليا ( هي) التي تؤسس مسرح القرب. وتساهم في انتعاشه ما يسمى بالتوطين !!