25, أكتوبر 2024

الدكتور خالد الإدريسي . محامي بهيئة المحامين بالرباط

عرفت مهنة المحاماة في الأربع سنوات الأخيرة العديد من المحطات التي شكلت تحديات حقيقية لاختبار قوة المحاماة بالمغرب مؤسسات وأفراد، وإذا كانت هناك نجاحات في بعض المحطات النضالية كما هو الحال بالنسبة لمعركة الجواز الصحي الذي رضخت وزارة العدل من خلاله إلى مطالب المحامين بعدم فرض الجواز الصحي عليهم من أجل الولوج إلى المحاكم مقابل التخلي عن الوقفات، والتوقف عن العمل الذي دام زهاء أسبوعين من الزمن، وأيضاً من خلال معركة إيقاف زحف القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية ليشمل مهنة المحاماة، عن طريق التفاوض والترافع الذي كان بين المحامين، والوازرة الوصية على القطاع الاجتماعي سواء تعلق الأمر بوزارة الشغل والإدماج المهني التي كان على يرأسها أنداك زميلنا الأستاذ محمد أمكراز في عهد حكومة سعد الدين العثماني، أو الوزارة المتندبة المكلفة بالميزانية التي يرأسها السيد فوزي لقجع في عهد حكومة عزيز أخنوش الذي انتقلت اليها مسؤولية تدبير هذا الملف، وايضاً مختلف المشاورات التي كانت تتم مع الفرق البرلمانية آنذاك كانت نتائجها حاسمة وإيجابية، ناهيك عن تأثير النضالات الميدانية التي كانت تخوضها الجمعيات العمومية بتأطير من المؤسسات المهنية .

فكل هذه المحطات النضالية، والآليات الترافعية أدت إلى تراجع الحكومة عن إصدار المرسوم قانون الذي كان من المفترض أن يجعل مهنة المحاماة، والمنتسبين إليها منخرطين في نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، خاصة بعد مرور شهر دجنبر 2022 الذي شكل آخر أجل لتنزيل المراسيم المفعلة لنظام الحماية الاجتماعية، وبذلك تكون المحاماة قد حققت نصرا مظفرا عن طريق حفاظها على تعاضديتها العامة لهيئات المحامين بالمغرب التي تعتبر تجربة نوعية ورائدة في المجال الاجتماعي، وفي التغطية الصحية على وجه الخصوص، وأيضا مكنت من الإفلات من الخضوع لمقتضيات هذا القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية الذي كان يتضمن أحكاما، ومقتضيات لها تأثير سلبي على استقلالية، وحصانة مهنة الدفاع، وحصانة، واستقلال جميع الزميلات والزملاء المنتسبين إليها .

لكن كذلك ينبغي التذكير على أنه كانت هناك العديد من المحطات التي فشلت فيها المؤسسات المهنية فشلا ذريعا في الحفاظ على حقوق، ومصالح مهنة الدفاع، وعلى المكتسبات المهنية التي تحققت في الماضي نتيجة تراكم نضالات المحامين طيلة عقود من الزمن، ومن أبرزها مخرجات الاتفاق مع الدولة حول الملف الضريبي يعتبر أكبر شاهد على سوء تدبير هذا الملف الذي أدى إلى بلورة اتفاق لا يراعي طبيعة مهنة المحاماة، ويكرس الأزمة الاقتصادية، والاجتماعية لدى المنتسبين للمهنة، ولا يتماشى مع إكراهات الممارسة المهنية، إضافة إلى أنه اتفاق غير مفهوم، وغير واضح، ويعرف تطبيقه الكثير من التناقضات التي أكدت على أن تدبير هذا الملف من طرف جمعية هيئات المحامين بالمغرب عرف فشلا ذريعا، كما أن تعامل المؤسسات المهنية مع الملف التشريعي، ومسودات مشاريع القوانين التي كانت مطروحة على طاولة المفاوضات لم تكن بالجدية المطلوبة، مما ترتب عنه من وجود اختلالات كبيرة على مستوى مجموعة من النصوص، والأحكام التي وردت في هذه المشاريع قوانين التي طرحت على المؤسسة التشريعية، والتي أضرت ضررا مباشرا بالثوابت المهنية الثلاث، وهي الاستقلالية، والحصانة، والاحتكار، مما سيجعل مستقبل مهنة المحاماة مستقبلا محفوفا بالمخاطر والغموض. ونتمنى ان نستفيد من هذه التجارب السابقة وان يكون التعامل مع المسودات التي تطبخ على نار هادئة من طرف الجهاز المكلف بالتشريع متسمة بجدية أكثر وبمسؤولية أكبر، لا سيما ان هذه المسودات الجديدة لها تأثير أكثر من القوانين المسطرية العامة التي تتبلور حاليا داخل المسلسل التشريعي، باعتبارها تمس الممارسة المهنية بشكل مباشر، ولعل أهمها وأخطرها هي مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة التي تتضمن مقتضيات ملتبسة تؤثر بشكل فعلي على الحصانة والاستقلالية وتضيق من مجال الاختصاصات كما تضمنت مقتضيات تتعلق بالتأسيس للمجلس الوطني للمحاماة الذي من شأنه أن يقضي على استقلالية مهنة المحاماة بشكل كلي ومطلق، وايضاً على مستوى مسودة مشروع قانون المهن القانونية، والقضائية، وكتابة الضبط التي التفت من خلالها الدولة عن التزامها القانونية منذ قانون المهنة لسنة 1993 عن طريق تأسيس معهد وطني للمحاماة إلى معهد متنوع ومتعدد ويمس باستقلالية المحاماة أفرادا، ومؤسسات.

ومن أجل تقييم الأشكال النضالية للمحامين، واختبار مناهجهم الترافعية على ضوء المبادئ التي تتأسس عليها، وأيضاً فعاليتها في تجسيد مطالب المحامين، والدفاع عن مواقفهم، وحقوقهم ومصالحهم، فإنه يمكن القول على أن نضال المحامين، وترافعهم رغم تميزه بالقوة، والجرأة، والشجاعة والتضحية التي أبان عنها العديد من الزملاء والزميلات، فإنه يمكن القول إن الفعل النضالي التي سطرته المؤسسات المهنية يبقى محدودا وغير متكامل سواء من حيث التنظير، أو من حيث الممارسة .

فعلى مستوى الممارسة يظهر على أن الفعل النضالي للمحاماة بالمغرب يركز على شق أساسي وهو الاحتجاج الميداني عن طريق التوقفات والوقفات والاحتجاجات وترديد الشعارات وتعبئة جموع الزميلات، والزملاء من أجل التعبير عن موقف رافض لقانون، أو لتدبير تحاول الدولة سنه، ويكون له تأثير سلبي مباشر، أو غير مباشر على مهنة المحاماة، وهي آلية مهمة، وقوية من أجل إبراز قوة المحاماة، وقدرتها على الدفاع عن نفسها، وعن مكتسباتها مثلما تستطيع الدفاع عن الأفراد، والجماعات، وتضمن لهم محاكمة عادلة، ولكنها آلية غير كافية إذا لم تدعم بآلية أخرى تتعلق أساسا بالمبادرة، والفعل وليس رد الفعل، في إطار تدعيم قوة اقتراحية تتأسس على أساس الدفاع عن ثوابت المهنة الثلاث الاستقلالية، والحصانة، والاحتكار.

فالكثير من مسودات مشاريع القوانين لم يبدي فيها المحامين رأيهم، ومواقفهم حولها رغم أهميتها، وتأثيرها على ثوابت مهنة المحاماة، وهنا يمكن التذكير بقانون غسل الأموال الذي رغم أنه جاء بمقتضيات تحد من استقلالية المهنة، وتضيق من مجال عمل المنتمين إليها عن طريق تحويلهم إلى مخبرين يبلغون عن موكليهم، ويخرقون التزاماتهم المرتبطة بضرورة احترام السر المهني، فإن موقف المؤسسات الممثلة للمحامين ظلت صماء رغم الخطورة التي تجسدها هذه الأحكام، وكذلك نجد على مستوى مشروع قانون المفوضين القضائيين الذي يتضمن أحكام تعطي لهم الحق في استخلاص الأموال وممارسة التنفيذ بشكل مباشر، وهو ما يعد تضييقا مباشرا على مجال عمل المحامين والمساس بمبدأ احتكارهم، وللأسف فهذا القانون لم يشهد أي موقف، أو ترافع للمؤسسات المهنية حول بنوده رغم تأثيرها السلبي على المنظومة المهنية للمحاماة، وهلم جرا من مسودات قوانين مرت وتحولت إلى مشاريع قوانين والى مسودات دون ابداء أي قف أو رأي، اما لعدم الاطلاع، والمواكبة، أو لعجز عن القيام بعملية البحث والدراسة من أجل تحليل وجه الخطورة الكامنة في مسودة القانون، والضرر الذي يمكن إن المهنة واقتراح البدائل التي تحفظ للنص القانوني فلسفته وتضمن للمحاماة استقلاليتها، وعدم الانتقاص من مكتسباتها .

أما على مستوى التنظير، فإن الخطاب الترافعي للمحامين ظل في أغلب الأحيان يغلب عليه طابع المظلومية، ولعب دور الضحية، ومستندا على نظام رد الفعل، وليس الفعل، والمبادرة عن طريق اتهام الدولة، وأجهزتها، ومؤسساتها بتدجين، وتفقير، وإضعاف مهنة المحاماة انطلاقا من المساس بحصانتها، واستقلاليتها، وأيضاً انطلاقا من المساس بمكونيها الاقتصادي، والاجتماعي عن طريق تقليص اختصاصاتها ومهامها.

هذا الخطاب وإن كان صحيحا من الناحية المبدئية إلا أنه خطاب لا يقنع إلا من يحتجون به أو على الأكثر الوسط المهني الذي يعنيه هذا الخطاب، ومن المعلوم أنه لا حاجة لنا لاقناع بعضنا البعض بقوة بتشريع وقوانين تسهر عليه س وزاري وبرلمان بغرفتيه، المهنة التي نمتهنها وبعدالة قم مؤسسات دستورية ويهم ليس فقط جسم المحاماة، ولكنه يمس أيضا جميع المؤسسات الفاعلة داخل منظومة العدالة من مجلس اعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والمندوبية السامية للسجون، وموظفي كتابة الضبط، وباقي المهن القضائية والقانونية.

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version