حاورتها: ليلى خزيمة
ربما هو التواضع وحب العمل وأكيد المثابرة والحرفية، هي الملكات التي جعلت النقاد والمتابعين يصفون الفنانة هدى الريحاني بصاحبة “الحس العالي في فن التشخيص”، لتكون بطلة الموسم الرمضاني لهذا العام. فحتى في حواراتها وطريقة كلامها، هادئة ورزينة، تفضي بما في القلب دون تكلف أو تصنع. وعن عملها وقناعاتها، فسحت لنا هدى المجال لهذه الدردشة.
لنتحدث قليلا عن ظروف مشاركتكم في مسلسل بين القصوربعد الغياب؟
الغياب لم يكن طويل، اشتغلت على مسلسل سنة 2021 مع المخرج مراد الخوضي تحت عنوان كلها وطريقو وعملت كمقدمة لبرنامج لالة لعروسة. بعدها عدت إلى كندا حيث أعيش مع عائلتي منذ 12 سنة، وعملت على مشروع مسرحية بجولة عبر مجموعة من المناطق. انتهت الجولة في 2 دجنبر 2023، وفي اليوم التالي عدت الى المغرب لأشارك في مسلسل بين القصور.
بالنسبة لهذا الأخير، هو رغبة كانت تلح علي أنا والمخرج هشام الجباري للعمل سويا. لم تتح الفرصة في مسلسل سلمات أبو البنات. لكن في الصيف الماضي تواصل معي هشام، فالتقينا رفقة المنتجة فاطنة بنكيران وتحدثنا عن المشروع وأوضحوا لي ما المطلوب وكيف أن العمل يتطلب مجهودا بسيكولوجيا كبيرا. أعجبتني الفكرة فوافقت وحددنا موعد بداية التصوير. والنتيجة كما رأيتم ولله الحمد كانت أكثر من مرضية.
ما هي المقومات التي جعلت “بين القصور” يعرض على منصة “شاهد” ويحتل المرتبة الثانية في المشاهدة بينما تعرضت العديد من الانتاجات للانتقادات؟
شمل المسلسل على المقومات الأساسية التي يجب أن تكون في عمل فني ناجح. أولها، تميز الفكرة. ذاكرة حي بعلاقاته الإنسانية وتاريخه. فكل مغربي إلا وله ذكرى في حي شعبي ما وعاش مشاكل الحي وعرف تآزر سكانه ومعنى “الجورة”. بيئة مصغرة تشمل بشكل مكثف مختلف العلاقات.
ثانيا، السيناريو الذي أبدعت في كتابته بشرى ملاك وضمنته العديد من الحكايات والحبكة الروائية والتشويق. ثالثا، دور الإنتاج الذي حول السيناريو الورقي الى صورة بديكورات وملابس وممثلين وفضاءات. وهنا لم يبخل الإنتاج في الجهد والعمل من أجل وضع العمل في الإطار المناسب. ثم حرفية الاستثمار في الممثلين والديكور والتقنيين. وبالطبع الإخراج الذي يعطي للمَشاهد والحوارات تصوراإبداعيا متفردا. إذاك يأتي دور الممثل. فكما لاحظتم، كان الممثلون مختلفين لا من ناحية السن ولا التجربة ولا الخلفيات الفنية. والأهم هو الجو الذي اشتغل فيه الجميع.عملنا في ظروف صحية ومريحة بعيدة عن التوتر بفضل طريقة تعامل المخرج مع الممثل. فهشام الجباري له ميزة استشعار تساؤلات وتوتر الممثل، فيسارع الى التواصل. كل هذه الظروف جعلت العمل ناجحا ولقي إقبالا لدى الجمهور المغربي. فأن يختار المتتبع مشاهدة بين القصور على هذه المنصة من بين الاعمال العربية الأخرى هي مسألة تفرحنا وتفرح كل المغاربة من داخل أو خارج المجال.
من ناحية أخرى، لا أعتقد أن هنالك أعمال من فئة بين القصور فشلت. وإن تعرضت بعض المسلسلات للانتقادات، فهذا شيء صحي. فالانتقادات سواء كانت إيجابية أو سلبية محببة، يجب فقط أن تكون بناءة. و ما أعرف هو أن الجمهور تابع مجمل الأعمال لأنه كان هنالك تنوع من حيث المواضيع والأداء والإخراج. وأن يتنقدوا بشدة، فذلك لغيرتهم على الدراما المغربية.
ما هي أوجه المنافسة في أي عمل درامي؟ هل هي بين الفنانين بشكل فردي أم بين الفنانين لإنجاح العمل ككل؟
سؤال مهم ومستفز في الوقت ذاته . فلما المنافسة؟ هل هي للرفع من مستوى المشاهدة أم لإرضاء المشاهدين؟ بالنسبة لي، مهمة الممثل والمخرج هو الابداع وتأدية وتشخيص الدور. لا يجب أن تأثر على إبداعهم مسألة المنافسة ونسب المشاهدة والشق المالي. فهذا الأخير من المهام المنوطة بالإنتاج. لذلك يجب أن نتفادى الحديث عن المنافسة في الاعمال الدراميةبالنسبة للممثل أو المخرج.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فإذا كان الممثل أو الممثلة يعمل بشكل فردي، يعمل لفائدته الشخصية، فهي مسالة غير صحية، لأن العمل الفني هو مشروع جماعي. حتى الأفلام القصيرة التي يكون فيها ممثل واحد، فالعمل يكون ضمن فريق برؤية إخراجية وتقنيين وفنيين. نفس الشيء بالنسبة للممثلين في عملين منفصلين، لا مجال للمنافسة. فنحن لا نقوم بنفس الأدوار ولا نروي نفس القصة.
كيف ترون تطور الانتاجات المغربية من حيث السيناريو والإخراج والإنتاج؟
أول شيء، أنا فرحة لأنه أصبح لدينا كَمٌ جيد من الانتاجات الدرامية على طول السنة. وأدعو الله أن تقل نسبة الاعمال المدبلجة. أتوق إلى أن يُفتح المجال لإنتاجات مغربية ليس فقط على مستوى الدراما التلفزية، بل كذلك برامج وثائقية وبرامج الأطفال وبرامج المسابقات. نريد المزيد من الأعمال التي تشبهنا وتفيدنا وتجعلنا نحلم ونتساءل. هنالك تنوع وهذه فرصة لتشجيع كاتبات وكتاب السيناريو، لأننا بحاجة لأفكار جديدة وآراء جديدة وإخراج مبدع. كما لا يجب ان ننسى أن المغاربة يتابعون الأعمال المحلية، في حين عزف المشاهد عن التلفزيون في العديد من الدول. لذلك نود أن نستمر في الابداع كي يرى الجيل الصاعد “تمغرابيت” التي تميزنا، وأنا جد متفائلة.
يقول الناقد فؤاد زويريق: «الفنانة هدى الريحاني من النوع الذي يجمع ما بين الموهبة والكاريزما. لم أشعر يوما بأن هدى الريحاني نمطية في تشخيصها، ولا حتى في الأدوار التي تؤديها.» ما السر في ذلك؟
عندما قرأت مقاله توقف الزمن بالنسبة لي وارتبكت. دهشة وفرحة وشهادة أعتز بها كثيرا. لا يمكن أن أقول أن هنالك سرا، كل ما يمكن قوله، وبالأمانة، عندما أؤدي دورا ما أكون قاسية ومتطلبة مع نفسي وأرى العديد من العيوب وأعاتب نفسي قبل الآخر. فدائما عندما تصلني أصداء كهذه أقول أنه بعد الله سبحانه وتعالى الذي زرع في داخلي الموهبة، الفضل يعود إلى أساتذتي الذين سهروا على صقل موهبتي. وكلما قمت بعمل ما أتمنى أن أطَّلع على رأيهم كتلميذة تود دائما أن تعرف هل أستاذها راض عن عملها. فهم دائما ببالي وأطرح على نفسي دائما السؤال: هل أديت الأمانة؟
تعملون بدار الثقافة في كندا. فكيف هي أجواء العمل؟ وما هي القيمة المضافة في مسيرة الفنانة؟
منذ سنة، بدأتمزاولة مهامي ببلدية موريالقسم التنمية الثقافية. ومهمتي هي الوساطة الثقافية وتنمية القطب الثقافي للبلدية عن طريق خلق مشاريع فنية والاشتغال مع شركاء اجتماعيين وثقافيين وفنانين وربط علاقات ما بين الفنان والشريحة المستهدفة. دوري هو تنظيم تظاهرات حول المشروع الثقافي بفضاءات مفتوحة من أجل تقريب الثقافة من المواطن. من جهة أخرى لدي مهمة المشاركة في تطوير المشاريع والاستراتيجيات الثقافية.
وهي مسيرة مهنية تجعلني على اتصال دائم بالثقافة. لم أُزاول هذه المهنة الا بعد تكوين في المجال. فقد درست مهمة مسيرة ثقافية بموريال. محطة جديدة أغنتني فكريا وجعلتني أقترب أكثر من الناس وأساير التغيرات وأمنح اشعاعا ثقافيا للمنطقة. كما منحتني شحنة إيجابية وتحديات جديدة في حياتي.
ماذا تقولون عن تجربة مسرحية انا منتوج؟
ما بين 2021 و2023 اشتغلت على مسرحية تحت عنوان أنا منتوج. هذه المسرحية تتحدث عن الصورة. صورتنا عند الآخر وصورتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتأثير التسويق الذاتي. المسرحية تروي قصة جهان المغربية التي تبلغ 40 سنة والتي هاجرت إلى كندا. تخوض جهان مجموعة من التجارب بشكل يومي، وأناس آخرون يعيشون نفس ارهاصات الصورة والتسويق الذاتي وما ينتظره الآخر منا وما ننتظره نحن من الآخر. أين تكمن الحقيقة وأين هو الزيف؟ هو السؤال الذي يطرحه العمل.
عملتم كذلك في مجال الدبلجة. فكيف كانت طبيعة العمل؟
كانت تجربة واحدة، وهي فيلم أمريكي واحتاجوا إلى مهاجرين ينطقون باللغة الفرنسية بلكنة معينة. فتواصلوا معي. في كندا، للخوض في مجال الدبلجة يجب أن يتوفر الشخص على شواهد في الميدان ويمر بالعديد من المراحل. فالدبلجة في هذا البلد لا يقوم بها إلا كبار الممثلين. فالصوت هو الأداة الأولى لتأدية الدور. تماما كما كنا نسمع لقصص الإذاعة من قبل. أنا استثناء، لأنهم كانوا بحاجة إلى تلك اللكنة. لكن لكي أصل إلى مرحلة الدبلجة، أمامي طريق طويل. فأول الأمور يجب ألا تكون لدي لكنة وأنا لا أستطيع التخلص منها والتحدث بالفرنسية التي ينطق بها سكان الكبيك أو الفرنسية المعيارية أو الفرنسية الدولية. يعني بكل بساطة، يصعب القيام بأعمال الدبلجة بكندا لغير أهل البلد.
ترى ما الفرق بين الاشتغال مع فريق مغربي وفريق أجنبي؟
هنالك اختلاف في المشاريع التلفزيونية. فوقت التحضير للعمل تكون فيه اللقاءات أكثر والاشتغال مع الممثلين على الأدوار والمحادثات القبلية مع المخرج بشكل مكثف. وهناك اختلاف كبير فعلى مستوى النقابات. ففي كندا، للنقابات دور مهم ولا يمكن أن ينجز العمل دون موافقة النقابات. وهنالك نسبة معينة للأجور حسب الدور والفئة والتجربة. كل شيء واضح ومسطر. نقابة التقنيين كذلك نقابة قوية جدا. ومسؤول وممثل النقابة يكون حاضرا أثناء التصوير للاطلاع على مجرياته. يطرح الأسئلة للتأكدمن أن كل شيء على ما يرام، فهذا هو الفرق الكبير.
أود أن أشير إلى أن نقابة الممثلين في كندا قوية بالممثلين الذين صنعوا منها نقابة تُؤخذ كعبرة،لأنهم مواظبون ومنخرطون ويؤدون واجباتهم بشكل منتظم ويحضرون الاجتماعات ويقدمون مطالب ويسعون وراء الشراكات، والأهم هناك ثقة. فالممثل لا يوقع العقد مع شركة الإنتاج، بل مع النقابة التي تبعث لك بالعقد للتوقيع، وهي التي تتكلف بإيصال الأجر وتأخذ منه نسبتها. في المغرب لدينا نقابة، لكن للأسف، ليست مدعمة من طرف الممثلين. فللنقابة دور أساسي في حماية حقوق الممثل. وهذا هو الفرق بين طبيعة العمل بالبلدين.
خضتم تجربة العمل مع فريق كندي، فماذا عن العمل بإنتاج عربي؟
أتوق إلى الاشتغال ضمن عمل مشترك مصري أو سوري. فأنا متشوقة للتعرف على عوالم أخرى وطريقة اشتغال أناس آخرين. أتمنى ذلك.
لو سألنا هدى الريحاني عن مصطلح “الاحترافية”؟
نقول أن الشخص محترف، إذا كان مصدر دخله الأول هو الأعمال الفنية ويعمل بشكل يومي على منتوج فني. عكس الهاوي الذي لديه مصدر دخل معين ويعمل بالفن كإضافة. الاختلاف يكون فقط من ناحية مصدر دخل الفنان. وهو ليس مفهوما قدحيا بتاتا. فكما يمكن للمحترف أن يبدع، يكون الهاوي كذلك مبدعا. الإضافة هي أن المحترف يعمل من أجل الابتكاروتطوير الفن والممارسة الفنية.
ألا تفكرون في خوض تجربة الإخراج أو كتابة السيناريو؟
بلى، الإخراج أكثر من السيناريو سواء في المسرح أو السينما. طبعا ليست لدي معلومات كافية عن كل ما هو تقني، وهذا ليس دور المخرج لأن هنالك متخصصين. فالإخراج له علاقة بالقصة وكيفية تجسيدها وعمل الممثل وكيفية رواية القصة. ربما لدي كفاءات لإيصال رؤية ما للمشخص أو المشخصة لكي أدفعه للتعبير عنها. لكن يجب أن أجرب كي أحكم إذا ما كنت سأوفق في هذا الاتجاه. ومع ذلك فقد قمت بفتح شركة إنتاج قبل الهجرة، لكن للأسف لم يكن المجال متاح حينها. ربما اليوم تتغير الأمور وتكون هنالك فسحة أكبر. ربما سأعيد الكرة.
ولما لم تستمر هدى الريحاني في تجربة التنشيط التلفزي؟
بالنسبة لبرنامج لالة لعروسة لم نتوافق على العقد في السنة الثانية. أما بالنسبة لبرنامج في التنشيط الثقافي، فأنا كلي آذان صاغية وأرحب بالفكرة.
ما هي المشاريع التي تحضر لها الفنانة هدى الريحاني؟
حاليا وفي هذه اللحظة التي نتحدث فيها معا، لا توجد أي مشاريع مستقبلية أو عرض لعمل درامي تلفزي أو سينمائي أو مسرحي، لكن لدي موعد.