ليلى خزيمة
ارتأينا في هذا العدد من المتاحف المميزة ، أن نأخذكم في رحلة استكشاف وسفر ظريف وغني بالمعلومات عبر العالم وثقافات العالم، جُمِّعت وصُنِّفت ورُتِّبت بحب ودراية في مكان واحد أطلق عليه اسم متحف دمى العالم.
عندما يُفتح الباب، وتخطو رِجْلُ الزائر العتبة، يكون قد بدأ سفره داخل عوالم أخرى. وجوه وألبسة وأزياء وأثواب وحٍلٍيٌّ في تنوع لا متناهي يسبح بالزائر عبر الخيال ونمط العيش الإنساني.شخصيات ترحب بك من أزيد من 90 بلدا. كل بلغته وثقافته وانتمائه.
الدُّمَى القادمة من القارات الخمس والمعروضة تحت سقف واحد، تتميّز كلّ واحدة منها عن الأخرى، حسب جنسها وسنها، والطقس والثقافة والفترة التاريخية التي تنتمي إليها، كما تعطي عبر أزيائها فكرةً عن وضعها الاجتماعيّ ومكانتها الطبقية.
درس في المنطق
افتتح عبد الجليل حفار وزوجته ماري ميشيل متحف دمى العالم في يونيو 2019. لكن الأصل في الحكاية يعود إلى ستينيات القرن الماضي، عندما حصلت ماري على أول دمية كهدية لها من جدها وهي في سن الخامسة من عمرها.فدأبت على الاحتفاظ بدماها المهداة كما واضبت على اقتنائها بنفسها، وتحديدا تلك الدمى الثقافية ذات الحمولة التاريخية والحضارية العريقة.
يقول عبد الجليل حفار: «للفكرة إطار عام. أنا وزوجتي لنا وعي بالحفاظ على التراث. بدأنا بتأسيس جمعية للحفاظ على الحدائق الاستوائية لبولقنادل سنة 1998 رغم ألا أحد منا متخصص في الميدان أو له علاقة بمؤسس الحدائق. لكن من منطلق أنها إرث حضاري للبلد، فقد وجب الحفاظ عليه.
زوجتي حافظت على أول دمية أهداها إياها جدها في بداية ستينيات القرن الماضي. وحاصلة على الإجازة في التاريخ من فرنسا. أطفالي منهم من يعيش في فرنسا وكهواية يقوم بالعزف على آلة إيرانية اسمها “السنتور” والبحث في موسيقى البحر الأبيض المتوسط خلال القرن الثامن عشر ويشتغل على مشروع إعادة تهيئة والمحافظة على المخطوطات.ابني الآخر يقطن بإسطنبول وقد جلب لنا العديد من الدمى. ابنتي تقطن في باريس وقد أنشأت هي وزوجها جمعية حول موضوع الفيكين. من خلال هذه المعطيات الثقافية وهذه البيئة الأسرية، الجميع سيفهمأن هؤلاء الأشخاص لهم دراية وعلاقة بالموضوع ويمكن أن يقوموا بمشروع كهذا.
من الناحية العملية، سنة 2012، وجدنا أننا نمتلك أزيد من ألف دمية، فاقترحتُ على العائلة تنظيم معرض لنشارك تحفنا مع البقية. توجهت إلى المكتبة الوطنية، ووجدت آذانا صاغية. وقُبل المشروع الذي كان يحمل عنوان ألف دمية ودمية. قمنا بالمعرض بالرباط ولاقاإقبالا جماهيريا دفعنا إلى تمديد المدة لأسبوعآخر. سنة 2016 وبمناسبة “كوب 22″، تواصل معنا المسؤولون عن المسرح الملكي، فنظمنا ثاني معرض بمراكش. وبعدها مباشرة توجهنا إلى قلعة السراغنة لتنظيم المعرض الثالث. هذه المعارض هي التي أنضجت فكرة المتحف».
علامة الدار على باب الدار
كما نقول، العتبة تعطي لمحة عن أهل الدار وعن أصل الدار. وبناية متحف دمى العالم متجذرة في التاريخ والأصالة وتحمل بين جدرانها تاريخ وحضارات الشعوب: «بني المنزل ما بين سنة 1870 و1880. وهو ليس منزل العائلة، بل اشتريناه عندما أردنا افتتاح المتحف. اشترينا المنزل لأنه يتوافق مع مجموع المعايير التي حددناها من قبل. من بين هذه المعايير أن يكون المنزل بطابع مغربي تراثي لم يطرأ عليه أي تغيير، أن يكون قابلا للسكن وللعرض وإن كان داخل أسوار المدينة العتيقة، فذلك أفضل». وجدت عائلة حفار مرادها بين ظهرانأسوار المدينة العتيقة بحي “بوقرون”. بيت مغربي تقليدي بابه من الخشب المنقوش ومرصع بدوائر من النحاس. عند المدخل تجد ممرا سقفه من الخشب المنقوش وجدرانه من الزليج المغربي. هذا الممر مهمته التقديم للموضوع دون الخوض في التفاصيل، ليُبقي أسرار الحكاية متوارية تزيد من متعة اكتشاف الزائر لها. فقط بعض الدمى من الجانبين وورقة تعريفية بها الهدف من هذه الخطوة الجريئة.
ضرورة ملحة
يقول السيد حفار: «تنقلت هذه الدمى لأربع مرات من المنزل إلى معرض الرباط ثم إلى معرض مراكش ثم إلى معرض السراغنة ثم إلى المتحف. وفي كل مرة تُجَهَّز وتوضع بعلب مصنفة ومرقمة ومكتوب على ظهرها الموقع الجغرافي. بعد هذه المعارض، خرجنا بخلاصتين: الاولى هي ان هنالك جمهور متنوع ومهتم والثانية هي أننا يجب عدم الاستمرار في نقل الدمى من مكان إلى آخر مخافة إتلافها.
شخصيا سهرت على نقلهم وتوضيبهم بمعرض بمراكش والرباط وقلعة سراغنة. لا يمكن لاحد أن يلف الدمى ويجهزها غير زوجتي مخافة أن يتلفها. فتصوري أن تقوم بذلك لألف دمية والآن أصبح عددها 2500 دمية.
لم يكن لدينا موارد مالية غير رواتبنا. فكرنا، فقمنا ببيع منزلنا لنتمكن من شراء هذا المنزل التراثي الذي يتلاءم وطبيعة المتحف الذي نتمناه والذي سيستقبل دمى عمرها 50 عاما، لم يطرأ عليها أي تغيير لا في اللون ولا في المواد لأنها ظلت طوال هذه المدة متوارية عن عوامل التلف المتمثلة في الضوء والرطوبة.
ساعدنا المعرض في تفادي العديد من الأخطاء واستثمار الفضاء وترتيب الدمى بطريقة جيدة. وتمكنا من تحقيق تصورنا الأول والتصور الحالي. أقول هذا لأن عدد الدمى يتزايد بفعلنا وبفعل الزوار. فالزوار كذلك يغنون المتحف بالمقتنيات. فعل سبيل المثال،نحن لا نتعامل مع دمى البرسولين. لكن سيدة زارت المتحف وكان لديها حوالي 30 دمية. فعوض تعرضها للتلف، أحضرتها وقبلناها لأننا نهتم أكثر باللباس. زائر آخر من دولة جاميكا زار المتحف ولم يجد دمى من بلده، فطرح السؤال فقلنا له أننا لم نزر جامايكا لتكون لدينا دمى من هذا البلد. فما كان إلا أن عاد إلى بلده وبعث لنا بدميتين تمثيلا لبلده وهي الآن ضمن المجموعة».
معروضات تلغي الحدود
يضم متحف دمى العالم 2500 دمية من 91 دولة هي خلاصة ما يقارب 30 رحلة في مختلف ربوع العالم. يقول عبد الجليل حفار: «يجبأن يكون لديك حس ثقافي وولع بالتراث لتتمكن من مسايرة الوضع. فهذا يدخل في إطار النضال الثقافي. على مستوى التقسيم،لدينا نوعان من القاعات: قاعات موضوعاتية وقاعات جغرافية. ولدينا أيضا قسم متفرق يخص المجسمات الصغيرة. وهي مجسمات صنعتها زوجتي بأدق تفاصيلها لتمثل الحياة والحرف التقليدية والتراثية ونمط العيش التقليدي المغربي مثل مجسم “فران الحومة” ومجسم “دكان بائع خيوط الحرير”و”بائع الحلزون”، و”منزل روسي تقليدي”، و”صالون عثماني”، و”الصابون التقليدي التركي”وغيرها».
ويقدم هذا المتحف المكون من طابقين، تشكيلات متنوعة من دمى أطفال، نساء رجال، عرسان، صناع وحرفيين، موسيقيين، جنود من مختلف البلدان، وسفرا في الزمان والمكان لأزيد من تسعين دولة، من بينها مجموعة من البلدان العربية والمغاربية، لكن الغالب هو الدمى الأوروبية والفرنسية تحديدا، والأسيوية والهندية والروسية والكورية والصينية واليابانية، وذلك لأن هذه البلدان تهتم بالدمى وتتوفر في مختلف مناطقها كتذكارات للمسافر.
يقول عبد الجليل: «الغاية وراء المتحف لم تكن مادية نهائيا، لأن ثمن الدخول يبقى رمزيا، للمساهمة فقط في مصاريف تسييره. الهدف هو تقاسم أفراد عائلتي عشقهم الخاص ومحاولة تقريب ثقافات بلدان قد تبدو بعيدة جغرافيا إلى المغاربة وزوار المتحف.»