حوار :احمد العلمي
نقاشات حقيقية حول مشروع قانون المالية الذي وضعته الحكومة للمناقشة والتصويت عليه، كمسطرة تشريعية ، إلا أن هذا المشروع للسنة المالية المقبلة يعتمد على عدم اليقين في مواجهة الأحداث غير المتوقعة، في حين ان غياب الإبداع والاعتماد على العقل الضريبي لتحقيق توازن ، بالإضافة إلى اجراة إلغاء دعم صندوق المقاصة. تفاصيل اخرى مع الباحث في العلوم المالية في هذا الحوار:
1 -ما تأثير اللايقين على اعداد مشروع قانون مالية السنة القادمة؟
في البداية وجب التأكيد على أن الظرفية الاقتصادية والاجتماعية حتمت على الفاعل السياسي الاشتغال من داخل ثلاثية :السلطة السياسية-اللايقين-الصعوبة المرتبطة بتهيء مشروع القانون المالي- بدل الاشتغال من داخل ثلاثية”السلطة السياسية-اليقين -إعداد مشروع قانون المالية-.
تزامن الزمن المالي المرتبط بتهيء مشروع قانون المالية للسنة المقبلة مع ارتفاع نسبة المجهول واللايقين، كان يؤكد الصعوبة المطروحة امام السلطة التقريرية والسلطة التنفيذية في المغرب من اجل العمل من داخل العقد السياسي المعتمد على: الانتخابات-الأغلبية-البرنامج الحكومي الممتد على خمس سنوات، مما يثبت أن الحكم اليوم لم يعد يعتمد على التوقع بل الحكم اليوم صار يعتمد على مواجهة الاحداث الغير متوقعة.
اعتماد الحكم اليوم على مواجهة الاحداث الغير متوقعة يطرح صعوبة كبيرة في زمن تهيء مشروع قانون المالية للسنة المقبلة ،على اعتبار ان قانون المالية هو قانون توقع بامتياز ،وهنا يطرح السؤال كيف نصنع توقعا مرقما ونحن لا نعرف ما سيقع في اللحظة الموالية ؟خصوصا وان برميل البارود يزحف اليوم نحو برميل النفط في منطقة الشرق الأوسط، بعد ان زحف برميل البارود سابقا نحو برميل السلة الغذائية والطاقة في الحرب الروسية الأوكرانية ، دون ان ننسى فاتورة تدبير ازمة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز .مما يؤكد صعوبة اشتغال المؤسسات الوطنية في زمن اللايقين والمستقبل المجهول وعالم المخاطر وفي هذا السياق ستؤكد الباحثة ماري هيلين مياتون أن العمل السياسي اليوم يتم من داخل ثنائية :عالم اللايقين -الازمات الاكيدة-.
وبالتالي فان مشروع قانون مالية السنة المقبلة لا يمكن قراءته من خلال الأرقام المتوقعة والفرضيات المرتبط بزمن اعداد مشروع قانون المالية، لأن أول شيء يضربه عالم اللايقين هو عالم الأرقام المرتبط بعالم اليقين وعالم التوقع الصحيح.
وبالتالي فان التركيز اليوم يجب أن ينصب اكثر على الوسائل والآليات التي تهيئها السلطة التقريرية والسلطة التنفيذية في مواجهة اللايقين وفي مواجهة الزمن المرتبط بعالم المجهول وعالم المخاطر وعالم اللايقين وعالم الازمات الاكيدة والمتسلسلة.
2 -هل يمكن القول اليوم أن مشروع قانونية المالية يستكمل شروط بناء الدولة الاجتماعية؟
مواجهة آثار تدبير أزمة كوفيد وآثار الأزمة المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية والآثار المرتبطة بالزلزال والآثار غير المعروفة إلى حد الآن لحرب غزة، جعلت المتتبع يطرح تساؤلات جوهرية مرتبطة بالطريق الذي سيسلكه العقل التقريري بالمغرب في مواجهة المجهول المرتبط بعالم اللايقين، هل سيركز العقل التقريري المركزي اهتمامه في الفترة المقبلة على الهدف الأساسي المرتبط ببناء الدولة الاجتماعية، خصوصا وأن تدبير أزمة كوفيد وأزمة مواجهة آثار الزلزال والأزمة المرتبطة بحرب غزة والتضخم يفرض على الدولة أعباء مالية ثقيلة مرتبطة بحماية القدرة الشرائية وحماية المواطنين (خاصة وأن هذه الأزمات تواجه بالأساس المواطنين ذوي الدخل المنخفض والأكثر هشاشة، وأن هذه الأزمات تواجه كذلك الدول الفقيرة أكثر من الدول الغنية).
التركيز فقط على استراتيجية ترميم وتعزيز الإجراءات المرتبطة بالدولة الاجتماعية، هو في حد ذاته تحد غير هين. لكن العقل التقريري للدولة سيجنح من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير إلى تبني الاستراتيجية المعتمدة على “تعزيز وترميم بناء الدولة الاجتماعية- وكذلك تعزيز شروط بناء الدولة الاستراتيجية”.
مما يثبت أن مجهودات الزمن القصير المرتبطة ببناء الدولة الاجتماعية ستسند على المدى الطويل المجهودات المرتبطة ببناء الدولة الاستراتيجية، كما أن المجهودات المرتبطة ببناء الدولة الاستراتيجية على المدى الطويل ستسند مستقبلا ترميم وتعزيز الدولة الاستراتيجية.
تأكيد العقل التقريري المركزي للدولة من خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير على التشبث بالاستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدولة الاجتماعية-الدولة الاستراتيجية”، كان يؤكد على أن هذا العقل يرفض استراتيجية الاهتمام بالدولة الاجتماعية فقط لأن هذه الاستراتيجية تجعل الدولة الاجتماعية تأكل الدولة الاستراتيجية، وتجعل بالتالي إجراءات الحاضر تأكل الإجراءات المرتبطة بالمستقبل، كما ترفض تركيز الاهتمام على بناء الدولة الاستراتيجية فقط، مما يجعل الدولة الاستراتيجية تأكل الدولة الاجتماعية، ويجعل بالتالي المستقبل يأكل الحاضر (وهنا نستحضر ما سبق وأكد عليه الباحث فرانسوا لانغليت من أن تركيز الرئيس الفرنسي على بناء الدولة الاجتماعية على حساب الدولة الاستراتيجية، جعل الدولة الاجتماعية تأكل الدولة الاستراتيجية).
بلاغ الناطق الرسمي باسم القصر الملكي المتعلق بما تمخض عنه اجتماع المجلس الوزاري كان يتضمن الإجراءات المرتبطة ببناء الدولة الاجتماعية، وخصوصا ما يتعلق بـ”إعادة تأهيل المناطق المتضررة من الزلزال-تخصيص غلاف إضافي لتنفيذ الالتزامات الخاصة بالحوار الاجتماعي-تسريع تفعيل البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب-دعم المواد الفلاحية الأولية-تنزيل الورش الملكي المتعلق بالحماية الاجتماعية-مشروع قانون المتعلق بمكفولي الأمة للأطفال ضحايا زلزال الحوز”، كما أن اجتماع المجلس الوزاري ركز كذلك على المجهودات المرتبطة ببناء الدولة الاستراتيجية من خلال التأكيد على “التوجهات العامة لمشروع قانون المالية-مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري-تعيين السفراء والعمال-الاتفاقات الدولية-مواصلة الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بمنظومة العدالة ومراجعة مدونة الأسرة-الاهتمام بالاستثمار المنتج وترسيخ مكانة المغرب في القطاعات الإنتاجية الواعدة-الإصلاحات المرتبطة بمسلسل اللاتمركز الإداري والجهوية المتقدمة-إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية ومواصلة تطوير التمويلات المبتكرة وتثمين المحفظة العمومية وتنزيل القانون الاطار المتعلق بالإصلاح الضريبي”. وبالتالي، فإن العقل التقريري المركزي للدولة أكد من جديد على الاستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدولة الاجتماعية-الدولة الاستراتيجية” في مواجهة عالم اللايقين وعالم الأزمات التي تتوالد وتتكاثر بسرعة.
-3 بناء الدولة الاجتماعية وكذلك الدولة الإستراتيجية تفرض على العقل المالي المركزي تحديات كبرى ما هو رأيكم؟
اكيد فبناء الدولة الاجتماعية وكذلك الدولة الاستراتيجية تفرض على العقل المالي المغربي تحديا كبيرا مرتبطا بالقدرة على الإبداع في البحث عن الموارد المالية بشكل متواصل لإسناد استراتيجية العقل التقريري المعتمدة على استراتيجية العقل السياسي القادر، وليس العقل السياسي المحاسب، وهو ما أكد عليه اجتماع المجلس الوزاري الأخير من خلال تأكيده على ضرورة “إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية-مواصلة تطوير التمويلات المبتكرة-تثمين المحفظة العمومية والرفع من مردوديتها، وذلك من خلال الحرص على تنزيل القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي والتدبير المحكم والرشيد لنفقات السير العادي للإدارة”.
هذه الاستراتيجية تفرض على العقل المالي المغربي تحديات كبرى مرتبطة أولا بضرورة تجاوز تأخر العقل التكنوقراطي المالي المغربي في الانفتاح على التجارب المالية بالعالم، خصوصا وأن هذا العقل مازال يشتغل من داخل مربع تفكير وثقافة العقل المالي الفرنسي المسجون داخل مربع الدولة الاجتماعية والعجز والمديونية. وبالخلاصة، فإن العقل التكنوقراطي المالي المغربي ما زال يشتغل من داخل مربع العقل المالي المحاسب، وليس من داخل مربع العقل السياسي القادر. وبالتالي، عليه أن يغير ثقافته وأن يضبط استراتيجيته بشكل يخدم استراتيجية العقل السياسي القادر التي يجسدها ويرسخها العقل التقريري المركزي بالمغرب.
انتقال العقل المالي المغربي إلى مربع الإبداع والابتكار يفرض عليه بذل الكثير من الجهد والتوفر على الإرادة القوية من أجل الخروج من سجن ثقافة العقل المالي الفرنسي. كما أن العقل التكنوقراطي المالي مفروض عليه التأقلم مع التدبير من داخل مربع اللايقين، وخصوصا عند تهيئة النصوص التشريعية المالية المعتمدة على الأرقام والفرضيات.
كما أن العقل التكنوقراطي المالي المغربي عليه أن يؤمن بما سبق وأكد عليه كاتب الافتتاحيات في جريدة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان من أن الأرض مسطحة وستبقى كذلك طوال القرن الواحد والعشرين، الأرض المسطحة تفرض الانفتاح على التجارب المالية الدولية (الألمانية-الأنجلوسكسونية)، وبالتالي عدم جعل القدر المالي الفرنسي قدرا لا مفر منه.
ضرورة إصلاح ثقافة ومعتقدات العقل التكنوقراطي المالي المغربي تفرضها عليه ضرورة العمل من داخل مربع تفكير وثقافة العقل التقريري المغربي، حيث إن هذا العقل هو عقل معجب بالعقل الاقتصادي والمالي المرتبط بالبحث المتواصل عن الفرضيات والسيناريوهات والأفكار الجديدة التي يفرضها عالم اللايقين والدروس التي يعلمنا إياها التاريخ. لهذا، فإن العقل التقريري المغربي يبتعد عمن يطلق عليهم “اقتصاديي المياه الهادئة” الذين لا يقومون إلا بالعمليات البسيطة والسهلة المرتبطة بعالم اليقين (اقتصاديو المياه الهادئة هو لقب أطلق على الاقتصاديين الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية الداخلية والبعيدة عن الساحل الأمريكي، والمعروف عن هؤلاء خصوصا أنهم اقتصاديون محافظون ويعتمدون كثيرا على الرياضيات، بينما اقتصاديو المياه المالحة هو اللقب الذي أطلق على اقتصاديي الجامعات الأمريكية التي توجد في السواحل الأمريكية بالقرب من المياه المالحة المتعودين على الإبحار في مواجهة الأمواج العاتية والتقلبات المناخية الصعبة والتغييرات الطارئة)، ويؤمن باجتهادات اقتصاديي المياه المالحة المعتمدة على الابتكار وإيجاد الحلول ومواجهة الصعاب وعالم اللايقين، مما يفرض على العقل التكنوقراطي المغربي الالتحاق بمربع التفكير الخاص باقتصادي المياه المالحة حيث الإرادة والجرأة والابتكار ومواجهة اللايقين والصعاب كيفما كان نوعها.
-4 ما هي التأثيرات المرتقبة لنهج الحكومة استراتيجية دعم الطلب بدل استراتيجية دعم العرض لإصلاح صندوق المقاصة؟
في البداية وجب التذكير بما قاله الكاتب والباحث نسيم نيكولاس طالب والذي أكد انه لا يمكن الحكم على فعل واجراء من خلال فقط النتائج بل يجب الحكم كذلك من خلال قياس كلفة الحل البديل وهو ما يطلق عليه التاريخ البديل في مواجهة التاريخ المعاش، والحديث عن المجهودات المرتبطة ببناء الدولة الاجتماعية يبقى مرتبط بمدى قدرة الحل البديل على التفوق على التاريخ المعاش وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالمجهودات المرتبطة بتعزيز العيش المشترك.
في البداية وجب الـتذكيربأن البلاغ الحكومي أكد أنه بعد تنزيل الشق الأول من ورش الحماية الاجتماعية والمتعلق بتعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ،جاء دور الشق الثاني المرتبط بتفعيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر ،وهنا وجبت الإشارة ان الدولة انتقلت من استراتيجية دعم العرض الى استراتيجية دعم الطلب ،دعم الطلب يشمل نوعين من الإعانات ،إعانة للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة تستفيد منها الاسر التي لديها أولاد دون سن الواحد والعشرين وتشتمل على منحة شهرية ودعم تكميلي(حسب البلاغ الحكومي) ،ومنحة الولادة ،اعانة جزافية تستفيد منها الاسر التي ليس لها أولاد أو التي لديها أولاد يتجاوز سنهم الواحد والعشرين سنة ،ولا سيما تلك التي توجد في وضعية فقر أو هشاشة أو تعاني من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة ، كما سيتم تحديد شروط الاستفادة من الإعانة الجزافية ، و يتضمن مشروع القانون كذلك بعض القواعد المؤطرة لعدم الجمع بين الاستفادة من بعض الإعانات .
انتقال الدولة من استراتيجية دعم العرض الى استراتيجية دعم الطلب تعني حرمان جزء كبير من الطبقة المتوسطة المغربية التي كانت تستفيد من استراتيجية دعم العرض، وبالتالي فان جزء كبير من الطبقة المتوسطة سيعتبر نفسه قد تعرض الى سياسة التفقير وسياسة التهميش والإقصاء من خلال استراتيجية دعم الطلب بدل دعم العرض.
-5مؤشرات الغاء صندوق المقاصة في الأفق كيف سيواجه المغرب تبعات ذلك لا سيما ارتفاع أسعار العديد من المواد الأساسية وما تأثير ذلك على جزء من الطبقة المتوسطة ؟
الإصلاحات المرتبطة بصندوق المقاصة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة مرتبطة بضرب السلم الاجتماعي الذي ساهم صندوق المقاصة في شد عضده منذ زمن، ووجب التأكيد هنا أن الحكمة السياسية للطبقة المتوسطة لعبت في السابق دورا مهما في ترجيح كفة الاستقرار في مواجهة الازمات التي عاشها المغرب منذ الاستقلال ، جنوح الطبقة المتوسطة الى العمل من داخل سقف الاعتدال والوسطية كان يجد سندا له من خلال تعليم عمومي جيد ومجاني و تغطية صحية مقبولة وكذلك صندوق للمقاصة بما له وما عليه .
وهنا يمكن اعتبار ان صندوق المقاصة كان هو البنيان الذي يسند السلم الاجتماعي حول طبقة متوسطة موسعة ،وبالتالي فان الإجراءات المتعلقة بالمس بالتوازن الذي يرسخه صندوق المقاصة تحتاج الى ما يطلق عليه -التعامل مع الوضع بيد مرتعشة – ومن خلال يد حكيمة ، لأن المس بصندوق المقاصة يحمل في طياته مخاطر كبيرة مرتبطة بتفقير واقصاء جزء كبير من الطبقة المتوسطة .
الإصلاحات التي تمس بدور صندوق المقاصة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب تضع جزء كبير من الطبقة المتوسطة المغربية تحت الضغط ،وهنا وجب التأكيد على ان الضغط الممارس على الطبقة المتوسطة بالمغرب هو ضغط مالي بالأساس ،فهي طبقة تجد مداخيلها مستقرة بل ان مداخيل جزء كبير من الطبقة المتوسطة عرف تقهقرا(استقرار المداخيل لجزء كبير منها وخصوصا العاملين بالوظيفة العمومية واصلاحات التقاعد السلبية ) ،هذا التقهقر مرتبط بارتفاع الاثمان وارتفاع فاتورة الغذاء وفاتورة الصحة وفاتورة التمدرس وكذلك فاتورة السكن وفاتورة التنقل .
دون ان ننسى غول التضخم الذي يكبر يوميا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وهنا وجب التذكير بما قاله الباحث بيير أنطوان دلهوميس من أن التضخم هو فعليا -ضريبة على الفقراء-ويمس بالأساس الطاقة والغذاء وهما المكونان الاساسيان الثقيلان في ميزانية الأسر ذات الدخل المتوسط والفقيرة .
كما أن طريقة عيش الطبقة المتوسطة بالمغرب هي طريقة عيش مرتبطة بنوعية السكن (فهي تعطي أهمية لامتلاك السكن وبالتالي تلجأللمديونية التي تلتهم جزء كبير من مدخولها)،كما ان الطبقة المتوسطة تستثمر كثيرا في تعليم أبنائها وهنا وجب التوضيح ان التراجع الكبير للتعليم العمومي بالمغرب جعل جزء من الطبقة المتوسطة يلجأ للتعليم الخصوصي الذي يتميز بالمغرب بارتفاع ثمنه ناهيك عن الفاتورة الإضافية المرتبطة بكلفة المراجعات(فقطاع التعليم بالمغرب في اطار البحث عن تحسين مدخوله ابتكر الدروس الأساسية والدروس الثانوية والتي تخص مراجعة ما تم تلقيه في الدروس الأساسية) واذا كان لجوء الطبقة المتوسطة للتعليم الخصوصي(بعد التراجع المهول لنوعية التعليم العمومي) سابقا يتم فقط في المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية فان الطبقة المتوسطة فرض عليها اليوم كذلك اللجوء الى التعليم الجامعي الخاص المتميز بارتفاع الثمن مما عمل على استنزاف دخل الطبقة المتوسطة ،مما يعني ان الطبقة المتوسطة في المغرب يتم دفعها الى الصرف اكثر من دخلها مما يدفعها الى اللجوء الى المديونية ،ومن هنا يشهد المغرب بخلاف باقي الدول المجاورة التي لا زالت فيها الطبقة المتوسطة تعرف تحسنا لمداخيلها مع تحسن كذلك في التغطية الاجتماعية وفي مستوى التعليم العمومي مما يجنبها المصاريف المرتبطة بالولوج الى الصحة ويمكنها كذلك من الاستفادة من التعليم العمومي النوعي ، مما يبرز ان جزء كبير من الطبقة المتوسطة بالمغرب يجد صعوبة كبيرة في تمويل الأيام الأخيرة من الشهر ،مما يدفع جزء كبير من الطبقة المتوسطة الى العيش داخل مظلة التشاؤم وغياب الأفق وشعار -الماضي كان أحسن -.
كما ان الطبقة المتوسطة بالمغربو من اجل الحفاظ على موقعها فرض عليها اليوم ضرورة الاعتماد على اشتغال فردين في العائلة بينما في السابق كان بإمكانها الانتماء الى الطبقة المتوسطة من خلال الاعتماد على اشتغال فرد واحد داخل العائلة .
استراتيجية ضرب وتفقير الطبقة المتوسطة في المغرب يفتح الباب على مصراعيه الى الدخول في مرحلة الإضرابات الفئوية المرتبطة بما يطلق عليه معارك القوانين الأساسية للأطر (التعليم-المهندسين-الأطباء-التعليم العالي-القضاء ووووو)، لأن استراتيجية تحسين مدخول جزء من المجتمع وتهميش واقصاء الآخر ستدفع عمليا الطرف المتضرر الى التعبير عن احتجاجه.
وهنا وجب التأكيد أن بناء العيش المشترك يفرض الاهتمام بالسياسات التي تعمل على تعميم الاستفادة ،بدل الاهتمام بالسياسات التي تحرم جزء من المواطنين وتمنح للجزء الآخر، لأن هذا النوع من السياسات يفرق المجتمع على المستوى الأفقي خصوصا وان المشكل المطلوب حله مرتبط بوضوح بالمستوى العمودي (وفي هذا السياق سيؤكد أستاذ الاقتصاد بالجامعات الفرنسية طوماسبورشر:ان بناء مجتمع موحد يعتمد على القطع من السياسات التي تفرق والسياسات التي تنبني على استفادة البعض و حرمان البعض الآخر) .
في اللحظات الحرجة وفي مرحلة الأزمات تعمل الدول على تعزيز العيش المشترك، حتى لا يشعر أي أحد انه وحيد، وذلك من خلال تفعيل استراتيجية توزيع الفائض من الميسور الى المتوسط والفقير ،أو كما قال الاقتصادي آدم سميت على اليد اليمنى ان تعمل على تحويل الفائض الى اليد اليسرى فالوطن كجسم الانسان واليد اليمنى هي اليد الغنية والميسورة واليد اليسرى هي اليد الفقيرة والمحتاجة.
خصوصا وان حدث الزلزال قد اثبت للقاصي والداني ان استراتيجية ترميم وحماية العيش المشترك تمكن الدول عند الضرورة من تجاوز اللحظات الصعبة والحرجة في تاريخها .
وفي الأخير فان استراتيجية تهميش جزء من الطبقة المتوسطة تحمل في طياته مخاطر مرتبطة بكون الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي تعمل على ضمان الاستقرار السياسي بالبلد كما ان الطبقة المتوسطة هي التي تمول الأنظمة الاجتماعية في التجارب الدولية كما ان ضرب وتفقير الطبقة المتوسطة يساهم في ترجيح كفة الأيديولوجيةالشعبوية .