a24- ليلى خزيمة
كلمات جادت بها قريحة الشعراء المغاربة في وصف القفطان المغربي الأصيل. لباس تقليدي يشهد على عظمة الابداع و على سمو و رفعة تاريخه السلطاني. قطعة فاخرة أذهبت العقول و صار كل واحد يزعم الانتساب له و نسوا أن التاريخ لا ينسى من هم من أصله وعلى مكانته . و لِفض النزاع قررت منظمة العالم الاسلامي للتربية و العلوم و الثقافة الايسيسكو توثيقه ضمن قائمتها. و لأنه لباس الفرح و المناسبات، إليكم بعضا من قصصه ضمن سلسلة رمضان..
للأناقة عنوان
نار على علم. بل لؤلؤة في سماء الثريا. أنا سليل الملوك و السلاطين. من حسني و بهائي و رفعتي، أصبحت التحفة التي لا تخلو منها بقعة على وجه الارض. فأنا القفطان المغربي الذي أتقنت أنامل “لمعلم” تطريزي وأسهب و تفنن كبار المبدعين في تصميمي. شامخ دوما لا أطأطئ رأسي، فرفعتي تبدأ من أصل ثوبي إلى أدق تفصيل في تشكيلي. أنا عنوان النبل و الأناقة و التراث و الهوية المغربية.
خرجت إلى الوجود في القرن الثاني عشر كخلاصة من مزيج لباس القبائل المغربية و منسوجات “السفيفة” الفاسية، لأكون لباسا يليق بالسلاطين. ترعرعتُ بفاس التي كانت الأولى في الصناعة عالميا من حيث عدد معامل و مصانع النسيج في ذلك الوقت. هذه الحقيقة عن ولادتي أرخ لها الحسن بن محمد الوزان الملقب بليون الافريقي في كتابه وصف افريقيا قائلا: «يوجد بفاس خمسمائة وعشرون دارا للنساجين وهي أبنية كثيرة ذات طبقات عديدة وقاعات فسيحة كقاعات القصور. تضم كل قاعة عددا كثيرا من عمال نسج الكتان. وهناك أيضا مائة وخمسون معملا لقصاري الخيوط يقوم معظمها بجوار النهر.». لم أكن عابرا، بل أصولي متجذرة لذلك أنا هنا على قيد الحياة لا أشكو من علل و لله الحمد و في أحسن حالاتي.
عند ولادتي، كنت داكن اللون قصير الأكمام. يَرتَديني الرجال من فوق قطعة أخرى سوداء أو داكنة اللون تسمى “البرنوص”. يستعرضونني بِخُيَلاء فأنا النبيل سليل النبلاء. دخلت بعدها مرحلة المساواة في العهد الوطاسي، فصرت للنساء كساء. يبدعن في تصميمي و يُضْفينَ عَليَّ من أنوثتهن ما يُصيبُ الناظر بالدوران. حتى نَعَتني ليون الأفريقي بالجميل: « لباس النساء جميل …يلبسن في الشتاء ثيابا عريضة الأكمام ومخيطة من الأمام مثل ثياب الرجال». أصبحت بعدها أهم قطعة في جهاز العروس كما وثق لي المؤرخ إبراهيم أبو بكر حركات: «وتقضي العادة أن يقدم ثلاثة قفاطين، ثلاثة فساتين وعدة أقمصة وشربيلا (نعل مغربي) وأغطية للفرش مزخرفة ووسائد وثمانية فرش وأربع وسائد مطرزة توضع إلى جانب الصوانين بالإضافة إلى زربية وثلاث أغطية لسرير نوم وأشياء أخرى. جهاز المرأة كان يكبد الرجل المتوسط الحال نفقات باهظة لا تلبث تفقره، أما والد الخطيبة فيتحمل من ذلك أضعافا مضاعفة».
كنت فضفاضا مصنوعا من الصوف أو المخمل، أغطي الجسم بأكمله. كنت مفتوحا من العنق، حوافي مطرزة بخيوط ذهبية و يحيط بخصري حزام واسع مصنوع من الديباج بخيوط الفضة والذهب. كلي ثمين و العناية بي واجب.
حكى عني نقيب الشرفاء العلويين مولاي عبد الرحمن بن زيدان أن السلاطين العلويين كانوا يحتفظون بي في صناديق خشبية ومكسوة. و هي علامة عن مكانتي و سمو مقامي. فأنا لباس المناسبات الفاخرة وحفلات القصور.
بعدها، دخلت مرحلة الدَّمَقْرَطة. كل الشرائح الاجتماعية أصبح لها الحق في امتلاكي. فأنا شرف لكل منيرتديني. كل طبقة اجتماعية تشتري الثوب الذي تستطيع اقتناءه و تخيطه حسب ذوقها و امكنياتها و تتشاور بخصوص أخر المستجدات و ما يليق و كيف تتعامل، حتى تتمكن من الحصول علي. و هذا أيًا كان جنس من يتزين بي رجلا أم امرأة.
اشْتَغَلْتُ على نفسي و طورت من هَيأتي. فبعد ما كنت قطعة واحدة رجالية في العهد الموحدي، أصبحت من قطعتين فاخرتين في عصر السعديين. فقد أهداني المنصور الذهبي قطعة أخرى تسمى بالمنصورية نسبة إلى اسمه. هاتين القطعتين هما “الدفينة” و هي عبارة عن قفطان من ثوب سميك و الثانية “الفوقية” و هي أيضا قفطان لكن هذه المرة بثوب شفاف. و هذا ما أكده المتخصصون في تراثي مثل المؤرخ إبراهيم حركات في حديثه عن لباس السلطان السعدي :«المنصور اتخذ زيًا خاصًا أدخل فيه القفطان والمنصورية التي نسبت إليه وهو أول من استعمل المنصورية في لباسه وصار هذا الزي يتخذه بعده الملوك والفقهاء» و المؤرخ أحمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصى لأخبار دول المغرب الأقصى: «إِن اللبَاس الْمُسَمّى بالمنصورية وَهُوَ لِبَاس من الملف لم يكن مُسْتَعْملا قبله وهو أول من اخترعه وأُضيف إِلَيْهِ فَقيل المنصورية» .
من هنا بدأ إشعاعي الحقيقي و بدأتِ النساء تعْشقُني و تبدع في معاملتي باختيار أفخر الأقمشة و أثمن الخيوط لحياكتي التي تستغرق وقتا طويل، وفيها تتبدى مهارة الخياط المغربي التقليدي.
أنا من هواة التنويع. و هذا يؤكد حِسِّي الديمقراطي و إيماني بالمساواة. فلأني في الأصل مزيج من لباس القبائل المغربية و “سفيفة” فاس، أتشكل في كل منطقة من بلدي بطريقة معينة و ألوان تعبر عن مرجعيتي.
فبفاس، أنا قفطان “النطع” ذو الأكمام الطويلة. أُصْنَع من ثوب المخمل أو «الموبرة» الأخضر الملكي ويتم تزيني بطرز النطع الفاسي وهو نوع من الطرز بخيوط الذهب إضافة إلى «السفيفة» و «العقاد» الذهبيتين في الوسط واللتان تميزان مغربيتي والحزام المصنوع من الذهب والمزين بالأحجار الكريمة. أحب الزينة كثيرا، لذلك أضع «الشمار» وهو عبارة عن حلي يزين ظهري و أرفع به أكمامي وأضع «التاج الفاسي» و عقد اللؤلؤ المسمى ب «المدجة» و «الزراير» وهو نوع من الحلي المكناسي تزين به العروس رأسها. أكون بهذه الوجاهة ليلة الحناء وهي كما تعلمون من أهم طقوس العرس المغربي بكافة أرجاء المملكة.
و قد أكون في هذه الليلة المميزة أبيض اللون بدل قفطان النطع الفاسي. و يتم تزيني بالطرز الفاسي أو طرز الحساب الأخضر. خصوصا بشمال و ريف المغرب.
و في الحالات التي أكون فيها مسرفا، ألبس ثوب “الخريب”. وهو ثوب فاخر من البروكار الخاص باللون الأصفر يصنع خصيصا في فاس. ويزين ب”السفيفة” و “العقاد” و “المضمة” أيضا. ويرجع اسمه إلى ثمنه الباهظ الذي يخرب ميزانية الأسرة. وألبس قفطان الخريب تحت اللبسة الفاسية أو “لبسة الجوهر”. لا أخفيكم هو لباس وزنه ثقيل نوعا ما كثمنه و قيمته.
أما في المناسبات الرسمية، فأكون مخزنيا و ملكيا حقيقيا نسبة إلى الأسرة الملكية المغربية. أعتمد قصات طويلة وفضفاضة وألبس “المضمة” والحلي المغربي التقليدي.
أما في تطوان، فأنا “الحاج عمر التطواني” نسبة إلى نوع معين من الأثواب. اشتهرت نسوة تطوان بلبسي وصنعي. أنا قفطان من ثوب خاص مع السفيفة والعقاد اللتان تتوسطاني مع حزام البروكار. أنا قطعة أساسية من لباس العروس بشمال المغرب وخصوصا بتطوان وطنجة ويسمونني بأسماء عدة حسب المدينة مثل”الشدة التطوانية” و”الشميلة التطوانية أو اللبسة التطوانية” ولباس” الحضرة الشاونية” و “الشدة بالطاكون”.
كانت لي كذلك هيئة أخرى بهذه المنطقة و هي منأقدم الهيئات. كنت مفتوحا من الأمام وبأكمام قصيرة وفضفاضة وأُنْسَج من المخمل أو من البروكار وأطرز بخيوط الذهب. تلبسني المرأة التطوانيةأو الطنجاوية مع السروال والبدعية وهي عبارة عن رداء قصير بدون أكمام يلبس فوقي أنا القفطان المغربي. هيأتي هذه نادرة لا توجد الان إلا في المتاحف وفي لوحات الفنانين التشكيليين المستشرقين الذين زاروا بلدي المغرب.
محب للحياة أنا. أعشق الأزهار والورود والألوان المبهجة، لذا أستعمل ثوبا أملسا مزركشا و مزينا بالعقاد و السفيفة و المضمة. يسميني أهل فاس و مراكش بالبهجة. و عندما أعتمد ثوب البروكار المغربي الأصيل و المهيب ، كل من يراني يقول عني “الدنيا جات”. ففعلاأنا مقبل على الحياة.
عندما أكون في حفل الخطوبة ، أرتدي ثوب “جوهرة” المزين بالخيوط الذهبية و أضع السفيفة و العقاد أو “الرندا”. فالمخطوبة جوهرة الليلة.
أما صيغتي الأمازيغية فتسمى «أشايت». أنا قطعة أساسية من”اللبسةالسوسية”. أكون باللون الأحمر أو الأصفر أو الأخضر ويتم تطريزي بالطرز السوسي بخيوط الصوف الملونة والقيطان. إضافة إلى “القتيب” و”ادال” والحلي الأمازيغي السوسي. و تزدان بي نساء منطقة سوس في المناسبات و الأعراس.
و قديما، كانت العروس الرباطية تصنعني من ثوب “الموبرة” باللون الأخضر أو الأحمر أو البنفسجي وتكون أكمامي عريضة وأزين بالخيوط الذهبية و خدمة “لمعلم”. ترتديني مع “التاج الرباطي”.
أما “البربيسكا” فهي شكلي عندما يلبسني اليهود المغاربة. تميزو بي عن باقي اليهود بشمال أفريقيا. أصنع بتطوان وأنا عبارة عن فستان مخملي أو حريري باللون الأسود والأحمر والأرجواني والأخضر والأزرق ومطرز بطرز النطع الفاسي.
لي مغامرات عدة أليس كذلك؟ فأنا محب للحياة و للتغيير كما قلت سابقا. لكن لا أَحِيدُ عن أصالتي التي يضرب بها المثل في العالم بأسره. دخلت عالم العصرنة و أصبحت اجتماعيا أكثر. أحضر في المناسبات العائلية والدينية. و فسح المجال لي أكثر في اختيار تصاميمي حسب ذوق صاحبتي. فأصبحت أنسج من أثواب متعددة تختارها المرأة على حسب ما تفضله من حرير إلى موبرة إلى بروكار بألوان متعدد وقصات عصرية دون التخلي عن العقاد والسفيفة والمضمة التي تعتبر أهم ما يميزني أنا القفطان المغربي عن غيري من القفاطين. و هذا دليل آخر عن عراقتي و عن غنى الموضة المغربية منذ القدم.
أنا من الأعطيات و الهدايا الثمينة. و أدخل الفرحة على قلب كل مكلوم و أدفئ برد الغربة و الحنين. ثقافتي و جمالي و رفعة مستواي، جعلوني من أهم رموز العادات والتقاليد الخاصة بأصلي المغربي و أبرزوا مكانتي الخاصة بين شعوب العالم. فمهارة صانعي و ضبطهم لأصول الحرفة و تمكنهم و درايتهم بعمقي التاريخي، جعلهم يبدعون في تشكيلي و يبهروا برونقي أشهر المصممين العالميين. مما جعل الرسامين يسارعون في تخليد مجدي المتواصل و التوثيق لتاريخي و رفعة أصلي مثل رسومات “امرأة من طنجة” للرسام البلجيكي المستشرق جون فرانسوا بورتايز.
في فترة تسعينيات من القرن الماضي، خرجت من حدودي الجغرافية إلى العالمية. و الفضل يعود إلى نهضتي التطورية وتفنن كبار المصممين والمعلمين المغاربة في تقديم تصاميمي الفاخرة و تنظيم عروض تروج لي. خطفت الأنظار بمناسبات عالمية عدة كأسبوع الموضة بعاصمة الأنوار باريس و أسبوع الموضة بتركيا و بروكسيل و أبوظبي و المهرجانات العالمية كمهرجان بلدي
“MarocduCaftan” . فتربعتُ على عرش أهم ماركات الأزياء في العالم و أدرجني أشهر المصممين العالميين على كاتالوكاتهم و أبدعوا بدورهم في تشكيلي لمعرفتهم بقيمتي و نسبي، و على رأسهم جون بول كوتيي و إيف سان لوران وكريستيان لاكروا.
انجذبتإلي نساء من ثقافات وجنسيات متعددة. و أصبحت جميلات العالم كذلك يتسابقن ليلبسنني، من بينهم إليزابيث تايلور و ويتني هويستن و جيسيكا سيمبسون والتركية توبا يويكستون، والفنانات العربيات، هيفاء وهبيوأصالة نصريوميادة الحناويوديانا حداد وغيرهن. دون أن ننسى نخبة النخبة سيدة البيت الأبيض السابقة ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ودوقة كورنوول، كاميلا باركر بولز زوجة الأمير شارلز و الملكة اليزبيث الثانية. عالميتي جعلتني أساهم ب16 بالمائة من صادرات بلدي المغرب من الصناعة التقليدية. أنا أعكِس حب المغاربة وتقديرهم للجمال، وقدرتهم على الحفاظ على إرث تاريخي عايش و يعايش الملوك و السلاطين. فهل عرفتم من أنا و ماهي حكايتي؟ أنا الذي يضرب لكم الموعد بعد أيام قليلة ليبارك لكم العيد و يجمعكم بالأهل و الأحباب. أنا سليل الأمجاد. أنا القفطان المغربي.