a24- سعيد بلهوطي
عدنان السفياني وجه لامع في الساحة الفنية، ولد يوم 22 يوليوز 1966 و ترعرع بمدينة سلا، وسط أسرة فنية سلاوية عريقة و أصيلة اشتهرت بفن المديح و السماع و الطرب الأندلسي، بدأ مشواره الفني في السن 16 ،و احتك مع شيوخ و أساتذة كبار جعلوا منه “صنايعي” في فن الطرب الأندلسي و الملحون، بالإضافة إلى مجاورته لشقيقه الفنان الكبير “عبد السلام السفياني”الذي ساعده لشق مساره المختلف و المتطور،و استطاع ان يبرز اختلافه من خلال توضيف الآلات النحاسية في الموسيقى الأندلسية.
كان لي هذا الحوار الشيق معه، و الذي لمست من خلاله تواضعه و سعة صدره و طيبة قلبه التي جعلتني أغوص في أعماق تاريخ حياته و فنه بكل أريحية،و هذا نص الحوار مرفوقة بصورة بعدسة الفنان الفوتوغرافي الكبير : العربي الرطل.
س : أول ما يمكن أن نفتتح به جلستنا هذه هي التعريف بشخصيتك، من هو عدنان السفياني كفنان؟
ج : عدنان السفياني بإختصار شديد جدا هو فنان اختصاصه الفن الموسيقي الأندلسي،و قد عرف بتجديده لهذا اللون من الموسيقى العريقة التي دامت لقرون و لا زالت.
س : نعرف كذلك أن الأسرة ساعدت كثيرا في تكوين عدنان السفياني الفنان كونها أسرة فنية، نود لو نعرف إلى أي حد ساعدت الأسرة في تكوين عدنان السفياني الإنسان؟
س : فعلا..أنا أنتمي إلى عائلة فنية عريقة بمدينة سلا، جدي رحمه الله “أحمد السفياني” كان شيخ من شيوخ فن المديح و السماع، و أخي “عبد السلام السفياني” الذي بفضله برز إسمي و هو من مهد لي الطريق في مساري الفني، و هذا لا يعني أنني لا أجتهد بل بالعكس، أنافقط أحاول الإعتراف بالجميل،سواء لجميل أخي أو لكل من ساعدني في الوصول و لو بشيء قليل جدا أو بكلمة طيبة، و هذا ما تربيت عليه، في المقابل أنا ثابرت في الوصول و برزت إسمي بالإختلاف، حتى أصبحت لي بصمة من خلال أعمالي، و إبداعي، و سهراتي سواء داخل أرض الوطن أو خارجه، و عائلتي الفنية ليس تخصصها الفن الأندلسي فقط، فمن اهتماماتها كذلك المسرح و الكتابة و البحث الأدبي و الثقافي و الفني و العلمي،و نذكر على سبيل المثال الأستاذ “عبد المجيد فنيش” الباحث في الموروث الثقافي و الفني،و الحاج “عبد الرحمان الكرومبي” الذي كان يشتغل في قسم العلاقات و التواصل بمسرح محمد الخامس،و كان فاعلا جمعويا و واحد من كبار المثقفين الذي استفدنا من خبراته كثيرا، هناك أيضا الأستاذ”محمد فؤاد قنديل” الباحث في التراث المادي و اللامادي،و القائمة طويلة جدا، لقد استنشقت عبير الفن من خلال أسرتي و عائلتي الفنية هاته.
س : على ذكر اسم شقيقك”عبد السلام السفياني”وكما هو معروف فهو واحد من كبار فناني الطرب الأندلسي، بحكم علاقة الأخوة التي تجمعكم ألم يؤثر إسمه سلبا على نجوميتك؟
ج : لا أبدا، بل بالعكس، أنا يشرفني كون عبد السلام السفياني أخي، الكثير من الناس يقولون أنني أحذوا حذوه و لكني أعتبره هرم بالنسبة لي، هرم كونه كـوّن ثلاثي رائع رفقة الحاج اباجدوب و السي عبد الرحيم الصويري، أنا أفتخر بأخي كثيرا، و بما أنني أبدع و أسلك طريقي في الميدان الفني بكل روح فنية فأنا مفخرة لأخي كذلك،و ليس بيني و بينه أي منافسة بل أعتبره مرجعا ألتجئ إليه.
س : في ألبوم من ألبوماتك رأينا أنك غيرت لونك المعهود من الطرب الأندلسي إلى طرب الملحون، لماذا هذا التغيير؟و ماذا أضفت للطرب الأندلسي و الملحون على حد سواء؟
ج : أنا في مساري ابتدأت مع فرقة الأستاذ”محمد الطود”الذي كان رئيسا للجوق الأندلسي التابع لدار الإذاعة الوطنية، و كان رئيسا لجوق جمعية أبي رقراق للطرب الأندلسي، و أنا كنت واحدا من بين المنشدين في هذا الجوق،و في لحظة قلت في نفسي لما لا أجتهد وأجدد في هذا الفن الذي دام لسبعة قرون؟،فاستعنت بالكثير من التجارب السابقة كتجربة المرحوم”عبد الوهاب أكومي”الذي جدد في الموسيقى الأندلسية قبل أن نظهر نحن، و كذلك”مولاي أحمد الوكيلي”الذي أدخل آلة الساكسفون وو الكرالينيت و الناي والأكورديون،و كذلك تجربة”فاطمة الزهراء العروسي” رفقة المرحوم الأستاذ”خشان”و الجوق الملكي،فقمت بتجربة توضيف الآلات النحاسية في الموسيقى الأندلسية،و قد كان لها صدى كبير جدا وقتها و خاصة في الأقاليم الشمالية ، كانت هاته الأقاليم تطلق أغاني في الفضاءات و المحلات التجارية هناك و الحفلات العائلية، أنا انبهرت بهذا النجاح،و الدليل كان ينظم مهرجان للموسيقى الأندلسية في مدينة الشاون، و كانت لي مشاركة رفقة فرقة أندلسية بالآلات النحاسية، و اعتبرت أول مشاركة لفرقة أندلسية بهذه الحلة الجديدة و المتطورة، و هذا التطور ما كان إلا من أجل أن نحبب جمهور الشباب بهذا اللون الموسيقي العريق، رغم التحديات و الإكراهات خاصة مع الأساتذة الكبار الذين لم يحبذوا الفكرة من الأساس.
س : (مقاطعا) فعلا كان سؤالي التالي يصب في هذا الموضوع بالتحديد ، ألم ترى أن إدخال الآلات النحاسية في الطرب الأندلسي لم تمس بقيمة هذا اللون؟
ج : لا..الموسيقى الأندلسية قابلة للتجديد، فهي فن و ليس شيئا مقدسا حتى نرفض فكرة تجديده أو الإبداع فيه، لكن سؤالك سؤال وجيه، لأنني وجدت العديد من الإكراهات و الصعوبات مع بعض الفئات، خاصة الشيوخ الكبار الذين يظنون أن الموسيقى الأندلسية يجب الإبتعاد عنها نهائيا لأنها الأصل،و لكني أرى أن التجديد يساعد في الإنتشار أكثر، و الدليل على ذلك أغنية “ناكر الحسان” التي أداها الفنان “رضوان الأسمر” و تركت صدى هائل، فمثل هاته التجارب يقتدى بها.
س : فعلا.. و قبله كذلك كانت أغنية “الشمعة” التي كانت من أداء مجموعة جيل جيلالة؟
ج : نعم.. انظر إلى التغيير الإيجابي الذي طرأ على الأغنية، و الغريب أننا لم نعهد أن نرى منشدي طرب الملحون ينشدوا أغانيهم إلا جلسا، في البداية كان الجلوس على الحصير، و بعدها تطورت الأمور و الإجتهادات فصاروا يجلسون على الكرسي،في حين مجموعة جيل جيلالة غنو الملحون وقفا، و تعودنا كذلك في الملحون أن ينشد منشدوه الأغاني بلباس تقليدي، في حين مجموعة جيل جيلالة أنشدوا الملحون بلباس عصري مزركش،و هذا بحد ذاته إختلاف عن المعهود، و قد كانت لي تجربة قرص مدمج أسميته”ملحون اليوم”،اخترت فيه الأغاني التي تساعد على تحبيب الجمهور في هذا اللون كقصيدة “غيثة” و “فاطمة” و “البراقية” و “عاري عليك يا محمد”و قصيدة “الأم” و الحمد لقيت استحسانا من الجمهور و من ذوي الإختصاص و الآن فهي تمر بين الفينة و الأخرى عبر أثير الإذاعات الوطنية.
س : سؤال لطالما راودني، لماذا نرى قصائد الملحون تحوم حول نفسها و تتنقل بين مختلف الأصوات عبر الأجيال؟ لما لا تكون قصائد جديدة خاصة أن هناك كم هائل من المنشدين في هذا اللون؟
ج : أشكرك على أسئلتك هاته لأنها تصب في الصميم، فالكثير يتساءل هذا السؤال،لكن لا يوجد قصائد جديدة، و ليس هناك من يكتب قصائد للملحون كما القصائد المعروفة، فالقصائد الموجودة هي الصنعة الأصل ولا يعرف لحد الآن من هو كاتبها و من هو ملحنها، فنحن نغني الصنائع ولا ندري لمن هي؟، لكن كما قلت سالفا هناك اجتهادات كاجتهاد سلطان الدرج الأستاذ المرحوم”عبد اللطيف المنصور”رحمه الله الذي أبدع و لحن مقاطع بالدرج، و كانت فكرة جميلة و أعطت أكلها بحيث يؤديها الآن مجموعة من المنشدين، و في بعض المعاهد كذلك أصبحت تدرج الفن الأندلسي بالنوتة يعني أصبح للفن الأندلسي نوتة و تدرس في المعاهد،و هذا اجتهاد آخر.
س : في ظل ما أصبحنا نشاهد من موسيقى عصرية تفتقر للقصيدة و أحيانا للموسيقى نفسها، كيف ترى مستقبل الطرب الأصيل أمام الموجات المترادفة في الساحة الغنائية؟
ج : ستبقى الموسيقى الأندلسية كنز مهما تلاحقت عليها من موجات.
س : (مقاطعا).. أكيد هي كنز ولا شك في ذلك،و ستظل رمزا للطرب العريق في المغرب، لكن ما نراه الآن و نحن أمام أنواع الأغنية العصرية الممزوجة بالموسيقى الغربية و المؤثرات الصوتية و موسيقى الراب مثلا، فأي مستقبل للموسيقى العريقة أمامها؟
ج : العيب في الموسيقى العصرية بالنسبة إلي تكمن في مستوى الكلمات بالتحديد، و هذا ما يؤلمني، أما فيما يخص الجمل الموسيقية فهناك أغاني جميلة جدا و في المستوى الكبير، زيادة على التقنيات التي تنضاف إليها،و الأصوات كذلك جد رائعة، أما الكلمات فتلك هي المعضلة الكبرى، و مخطئ من يقول الكلمة المعهودة”الجمهور عايز كده”،نحن مع الشباب طبعا، و نرحب بالتجديد دائما، و في جميع الألوان حتى في الشعبي، أبهرني شاب من الجالية المغربية في الخارج أنه صنع من موسيقى العيطة سامفونية عزفها موسيقيون من شتى بلاد المعمور،نحن لسنا ضد بل مع التجديد، لكن لا يجب أن نفقد مغربيتنا و هويتنا المحافظة بكلام ساقط أحيانا و أحيانا بكلمات ليس لها معنى.
س : على إثر الأغنية الشعبية، رأينا بعض مطربي الأندلسي و الملحون أصبحو يجيدون الفن الشعبي و نظموا حفلات تغنوا فيها بالشعبي، فلماذا هذا الإلتجاء للموسيقى الشعبية؟هل هناك علاقة مبهمة لا نعرفها بين طربي الأندلسي و الملحون و بين الموسيقى الشعبية؟ أم أن الأندلسي و الملحون بصريح العبارة”ما تيوكلش الخبز”؟
ج : لا.. مجبر أخاك لا بطل..يجب أن تعرف أن مطربي الأندلسي و الملحون يستطيعون غناء كل الألوان، و العكس غير صحيح،ليس أي فنان يستطيع غناء الأندلسي أو الملحون،أنظر إلى عبد الرحيم الصويري مثلا، فقد تألق في جميع الألوان،وأنا عبد ربه أستطيع غناء أغاني أم كلثوم و أغاني عبد الصادق شقارة و أغاني الشعبي المتمثلة في نجاة اعتابوا مثلا،و لكن كل هؤلاء هل يستطيعون غناء الأندلسي ؟، بالطبع لا، يبقى الطرب الأندلسي مدرسة لأنها متشبعة بالأنغام التي تسهل عليك غناء أي لون كيفما كان، و لكي لا أنسى فالموسيقى الأندلسية ليس بها ربع المسافة و هي من الأنواع الموسيقية التي تهدئ النفوس و الأعصاب، و هذه الأنواع من الموسيقى تبقى حية للأبد.
س : من في رأيك من مطربي شباب عصرنا الحالي تراه الحامل لمشعل الأغنية الطربيةّ؟
ج : بالنسبة لشق الموسيقى الأندلسية هناك شباب ما شاء الله، و على يدهم أقول :” لا خوف على الموسيقى الأندلسية”، هناك “مروان حجي” و” عبد الله المخطوبي” و” نوالدين الطاهري” و “مربوح” و”أنس بلهاشمي” و هناك الكثير أستسمح إن لم أذكر إسمهم، و حاليا وزارة الثقافة تنظم مسابقات للفوز بجائزة أحسن صوت نسوي و رجالي في الملحون و يشارك مجموعة من الشباب الذين يمثلون أحسن تمثيل هذا اللون الطربي،أما فيما يخص الأغنية الأصيلة الشبابية لا زال لم يظهر ممثلا لها لأنهم انجروا مع الموجات الشبابية،و لكي تعود الأغنية المغربية ينقصنا ملحنون أكفاء و متجددون و محافظون على أصالة الموسيقى المغربية، فكل من يلحن الآن يلحن الموسيقى الخفيفة،أغلبيتها كما قلت بدون كلمات.
س : أظن أنهم موجودون، لكن المشكل أنهم بالنسبة للشباب هم”سكة قديمة”، فلدينا مثلا الموسيقار رياض سنباطي المغرب”عزيز حسني” الذي يبهرني بألحانه ؟
ج : أنت تسألني عن الخلف الموجود الآن في الساحة الفنية، و ألحانه ستظل خالدة،ف”عزيز حسني” تألق كذلك في قلب مصر، في زمن لم يكن فيه إلا عباقرة الموسيقى في العالم العربي،”عزيز حسني” كلما استمعت للحن له أهنيه مباشرة لأنه يستحق كل خير ولأنه فنان حقيقي. و أنا أقف حائرا لماذا لا يقصده الشباب؟، فهو الملحن الوحيد الطربي الذي يستطيع أن يمشي بالقافلة الطربية بعيدا، و أتمنى أن تعود المنافسة بين مهرجانات الطربية، ف”سمية قيصر” ظهرت من خلال هاته المهرجانات و برفقة “عزيز حسني” كذلك
س : هل حقق الفنان عدنان السفياني ما كان يرجوه في الطرب الأندلسي و الملحون؟
ج : أنا شخصيا و بكل أمانة و الحمد لله في مساري الذي زاد عن ثلاثون سنة من العطاء استطعت أن أحقق جزء كبير مما كنت أطمح له، و هذا بفضل ربي، كل ما يهمني أنني أفعل ما أحب و أبدع في فن راقي و أجلس جلساتي مع فنانين راقيين، أفتخر بنفسي كوني فنان محترم و محافظ،و الموسيقى أعطتني الشيء الكثير، و جعلتني أمثل بلدي في الكثير من المناسبات أجمل تمثيل في العديد من البلدان.
س : لماذا لا تعرفون بنفسكم أكثر من خلال الوسائل التكنولوجية المتاحة الآن؟.. فقبل أن أحاورك بحثت عنك في الأنترنيت فلم أجد إلا حفلاتك و أغانيك و بعض الفيديوهات القصيرة للقاءاتك مع الإعلام، يعني من يريد البحث عنك لمعرفتك أكثر ماذا يفعل؟
ج : فعلا.. أنا لدي حساب في الفايسبوك و حساب في الأنستغرام و حساب في اليوتوب لكن ليس لدي موقع في الأنترنيت للتعريف بي و بأعمالي و بحفلاتي فأنا واحد من من غنى في دار الأوبرا المصرية مثلا،و في الكثير من الدول في الجزائر.. في أمريكا.. في أوروبا كذلك، لكني سأسهر على هذا الموضوع مستقبلا إن شاء الله.
س : سأتطرق لموضوع بعيد جدا عن الفن لكنه يهمك، مؤخرا ظهرت ظاهرة المواقف الطريفة المسماة “شمس العشية” و تم توضيف صوتك عقب كل موقف طريف، لماذا بالضبط شمس العشية؟ و لماذا صوتك أنت بالضبط الذي يسمع وراء كل مقلب؟
ج : أنا كذلك أريد أن أفهم، لماذا وضفوا صوتي في ذلك؟و لماذا أنا؟..لماذا لم يختاروا مثلا صوت اباجدوب؟.. عجيب كيف أنهم فكروا أصلا في هكذا تفكير، و الغريب كذلك أن الكثير يعنقدون أنه صوت “عبد الرحيم الصويري” في حين أنه صوتي أنا،و الملايين يسمعونها ولا يعرفون أن الصوت صوتي ولا أدري هل هو تقليل من قيمة الفن الأندلسي؟الله أعلم.. و الله ليست لي إجابة لهاته الأسئلة.
س : آخر سؤال، و هو السؤال المعهود: ما هو جديدك الفني؟
ج : هناك العديد من الأقراص المتنوعة التي أشتغل عليها،منها الملحون و الأندلسي و حتى الشمالي، لكن الجدبد الجديد لا أريد الإفصاح عنه الآن، أريده أن يكون مفاجأة للجمهور، لأنه عمل فني وطني مواكب لحدث معين إن شاء الله .