10, نوفمبر 2024

حوار : احمد العلمي

قال الاستاذ المنتصر السويني ان القانون التنظيمي للمالية يعبتر نصا مهما ، حيث يعتبر النص الذي يحدد مستوى تحديث وتحيين فن الحكم في الدول ، كما يعتبر النص الدستوري(الدستور المالي)الذي يرسخ التعاون بين السياسيين والتكنوقراط الجدد (مسؤولي البرامج).
وأضاف الباحث في العلوم السياسية والمالية العامة، أمام الظرف الدولي المرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من ارتفاع اثمان الطاقة والتضخم والمس بالقدرة الشرائية للمواطنين ، كان من المفروض على مغرب المؤسسات تقديم اجوبة للشارع الذي اكتوي بنار ارتفاع الأسعار.
نقاط اخرى في الحوار التالي

– ما هو تقييمكم لإعلان المجلس الوزاري الأخير عن إصلاح القانون التنظيمي للمالية؟ وما تأثير ذلك على استراتيجية فن الحكم؟

يعتبر القانون التنظيمي للمالية نصا مهما ،حيث يعتبر النص الذي يحدد مستوى تحديث وتحيين فن الحكم في الدول ، كما يعتبر النص الدستوري(الدستور المالي)الذي يرسخ التعاون بين السياسيين والتكنوقراط الجدد (مسؤولي البرامج)، وهو الدستور المالي الذي نحدد من خلاله مدى الانتقال من الدولة المركزية(دولة الآمرين بالصرف) الى دولة القرب (من خلال الحكم على مدى الاستقلالية التي تمنح للتكنوقراط الجدد في تدبير الاعتمادات)،وهو الدستور المالي الذي نحدد من خلاله الانتقال من الاعتماد على القانون الروماني(الدولة المركزية-القانون النازل-قانون المؤسسات) الى فتح الطريق امام القانون الأنجلوسكسوني(دولة الجهات -دولة القرب-قانون الدفاع عن المجتمع-القانون الصاعد-الاعتماد على تجارب التدبير العمومي الجديد).
وهو النص الذي نحكم من خلاله على مدى انتقال التدبير في الدولة من التدبير المعتمد على الوسائل الى التدبير المعتمد على النتائج ،وهو النص الذي نحكم من خلاله على موقع المواطن في السياسات العمومية (من خلال سياسة الأثر)، وهو القانون الوحيد الذي يفرض على السياسيين ضرورة الركوب في القطار السريع من خلال فرض اجال لوضع القانون ،واجال للمصادقة على القانون ،وزمن لدخول القانون حيز التطبيق وبالتالي يعتبر النص القانوني الوحيد الذي يفرض العداد على الطبقة السياسية .

– هل قدم القانون المالي الحالي أجوبة على الانتظارات الشعبية المتمثلة في ترميم وتعزيز العيش المشترك؟

في عز الازمة التي عاشتها بريطانيا في سنة 1979،اطلقت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك(مارغريت تاتشر)، تصريحها الشهير -ليس هناك مجتمع- المغرب سلك طريقا مغايرا في الإجابة عن الازمة التي يعيشها المجتمع نتيجة تدهور القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من المواطنين، من خلال رفع شعار -الدولة الاجتماعية- (وهو شعار وان كان صعب التحقيق الا انه شعار ينشر الطمأنينة والهدوء المطلوب في مرحلة الازمات التي تعرفها الدول) ومن خلال رفع هذا الشعار كانت الطبقة السياسية المغربية تريد ان تقول أن هناك مجتمع ونحن مطالبين بترميم وتعزيز تماسكه.
أمام الظرف الدولي المرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من ارتفاع اثمان الطاقة والتضخم والمس بالقدرة الشرائية للمواطنين ، كان من المفروض على مغرب المؤسسات تقديم اجوبة للشارع الذي اكتوي بنار ارتفاع الأسعار، من خلال إجراءات ملموسة تستهدف إعادة بناء وإعادة ترميم ما يطلق عليه -العالم المشترك بيننا نحن المغاربة-،خصوصا وان هذا العالم المشترك تعرض لهزات عنيفة مرتبطة بأزمة كوفيد والتضخم والحرب الأوكرانية وانهيار القدرة الشرائية للمغاربة.
البناء المشترك لا يمكن فهمه الا من خلال الإحساس الجماعي داخل المغرب ان الغني والفقير والذي يسكن في المغرب النافع والمغرب الغير النافع والذي يملك الرأسمال والذي يملك قوة العمل والعامل والعاطل والشيخ والشباب والأطفال والرجال والنساء ، بان هناك شيء مشترك يجمعنا ومن المفروض الاعتناء به والعمل على اعادة بناءه وترميمه عند اللحظات الحرجة(مرحلة الازمات الاقتصادية والاجتماعية) ،حتى لا يشعر أي احد انه وحده، وذلك من خلال تفعيل العقل الذي يشرف على توزيع الثروة وتوزيع الفائض من المتخم الى المحتاج حتى نعمل على إعادة تثبيت وإعادة صنع أسس مفهوم العيش المشترك.
ترميم وتعزيز العيش المشترك يتطلب من المؤسسات السياسية في البلد العمل على ترسيخ حكامة جيدة لاحتواء ثنائية(المستفيدين من العيش المشترك،-والمقصيين من مزايا العيش المشترك والذين يعتبرون ان العيش المشترك لا يقدم لهم فوائد ملموسة تجعلهم ينضوون تحت لوائه وبالتالي يعبرون عن رفضهم لمبدئ العيش المشترك من خلال الاحتجاج).
ترميم وإعادة بناء -استراتيجية العيش المشترك-فرضت على السلطات السياسية في البلد ،ضرورة تقديم ايجابات ملموسة من خلال العقد المرقم الوحيد الذي يجمع ثنائية (المؤسسات-المواطن)،والذي يتمثل في القانون المالي ،من خلال التأكيد على ان الاجراءات المتضمنة في القانون المالي تستهدف ترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية، تعميم الحماية الاجتماعية -تعميم التغطية الصحية الاجبارية لكل الفئات الاجتماعية -التعميم التدريجي للتعويضات العائلية ، اعمال السجل الاجتماعي الموحد وتسرع تعميمه على جميع جهات المملكة-تأهيل منظومة الصحة الوطنية -اصلاح منظومة التربية والتكوين-تسهيل الولوج للسكن عبر إقرار دعم مباشر من طرف الدولة في هذا المجال)، وكذلك الأولوية الثانية والتي تشمل(تفعيل القانون الاطار المتعلق بالإصلاح الضريبي من اجل وضوح الرؤية امام الفاعلين الاقتصاديين من خلال اصلاح شامل للضريبة على الشركات ،وكذا قطاع الأبناك والتأمينات بموازاة تخفيف الضغط الضريبي.

– صرحت الوزيرة المكلفة بقطاع الاقتصاد والمالية ان القانون المالي لسنة2023،هو اول قانون مالي يحمل البصمة السياسية للحكومة الجديدة، ما تعليقكم؟

في الحقيقة طبيعة الازمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب ،كانت تستوجب ردا في مستوى التحديات، لهذا حمل القانون المالي الجديد (بشكل أساسي )بصمة مؤسسة الاجماع أي المؤسسة الملكية وخصوصا التوجهات الكبرى للمشاريع الملكية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان وجود حزب متصدر جديد بعد الانتخابات الاخيرة ووجود برنامج حكومي جديد ممتد من سنة 2026-2021، كان يطرح السؤال المتعلق بكيفية تنزيل و تنفيذ البرنامج الحكومي ،من خلال تقسيمه وتوزيعه على السنوات المالية الممتدة من 2021-2026، وبالتالي كان المطلوب العمل على تنزيل ثنائية (البرنامج الحكومي-خمس قوانين للمالية-بالإضافة الى قانون تعديلي-)،لكي نعمل على الربط الفعلي بين البرنامج الحكومي و القوانين المالية التي توجد داخل الزمن السياسي للبرنامج الحكومي .
العمل على ربط الزمن السياسي بالزمن المالي، كان يحتاج لتنزيل البرنامج الحكومي من خلالقوانين المالية التي توجد بين (البرنامج الحكومي السابق-البرنامج الحكومي الحالي)،كما ان المقروئية السياسية للبرنامج الحكومي لا تستقيم دون مقروئية مالية على مستوى قوانين المالية المرتبطة بالبرنامج الحكومي، من خلال العمل على ربط البرنامج الحكومي بالبرمجة الميزانياتية (الممتدة على خمس سنوات وليس ثلاث سنوات كما جاء في المادة الخامسة من القانون التنظيمي للمالية )،حتى نربط بين المقروئية السياسية والمقروئية المالية وحتى نعمل على محاربة الكذب السياسي.
وبالتالي فان تأكيد الوزيرة المكلفة بقطاع الاقتصاد والمالية على ان مشروع قانون مالية لسنة 2023، هو اول قانون مالي يحمل اللمسة السياسية للحكومة الحالية ،يطرح علامات استفهام كبيرة حول اللون السياسي للتدبير المالي الذي جاء في الربع الأخير من السنة المالية 2021،والسنة المالية 2022، خصوصا وانها ازمنة مالية مؤطره سياسيا بالبرنامج الحكومي الأخير (البرلمان المغربي صادق على البرنامج الحكومي بتاريخ 13/10/2021، وبالتالي تقتضي المسؤولية السياسة العمل على التنزيل المالي للبرنامج الحكومي وكذلك التنزيل المالي للقطاعات الحكومية المدمجة أو الجديدة بعد التنصيب الحكومي) .

– نظرا لما تم تأكيده سابقا ماهي في نظركم العلاقة بين البرنامج السياسي الحكومي والقانون المالي؟

توضيح العلاقة بين البرنامج الحكومي والقانون المالي تقتضي العودة الى مقتضيات الفصل 88من الدستور والذي ينص على -بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ،يتقدم رئيس الحكومة أمام مجسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به ،في مختلف مجالات النشاط الوطني ،وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية ،يكون البرنامج المشار اليه أعلاه ،موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين ،يعقبها تصويت في مجلس النواب .تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ،المعبرعنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم ،لصالح البرنامج الحكومي .
وهنا وجب التأكيد ان التنصيب البرلماني للحكومة، لا يجب فهمه فقط من خلال الفعل القانوني(لمصطلح التنصيب)، بل يجب فهمه كذلك من خلال مفهومه التدبيري والمتمثل في الموافقة البرلمانية على (تنزيل البرنامج الحكومي على ارض الواقع)الفعل الحكوميالفوري، مباشرة بعد التنصيب (لان زمن التنصيب هو من يفعل العداد السياسي للحكومة)-.
وبالتالي فان التنصيب عمليا هو ترخيص البرلمان للحكومة من أجل تطبيق برنامجها الحكومي الممتد على طول زمن الولاية التشريعية.
مما سبق نستنج ان اليوم الانتخابي في اطار دستور 2011، جاء ليرسخ تقاطع الأزمنة السياسية (حتى وان تصدر نفس الحزب الحاكم الانتخابات القادمة، على اعتبار اننا امام برنامج جديد وتنصيب جديد) ،العقلنة البرلمانية تعني ان المصادقة على البرنامج الحكومي هو ترخيص من طرف البرلمان للحكومة من اجل الفعل(الموافقة على تنفيذ الاجندة الحكومية)، وهو الترخيص الذي يستمر طول مدة الولاية الحكومية، وهو ما تم التأكيد عليه من طرف المشرع الدستوري من خلال الفصل 89 من الدستور، والذي ينص على تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي والإدارة موضوعة تحت تصرفها.
المشرع الدستوري المغربي من خلال الفصلين 88و89من دستور 2011عمل من خلال التنصيب والمصادقة على البرنامج الحكومي على ما يطلق عليه إغلاق الزمن السياسي لمرحلة الحكومة السابقة (نتائج اليوم الانتخابي السابق والحكومة المنبثقة عنه) وفي مقابل ذلك عمل على فتح الزمن السياسي للحكومة الجديدة (برنامج حكومي جديد)،ومن البديهي ان الاغلاق السياسي للزمن الحكومي يعني عمليا الاغلاق المالي.
كما ان فتح الزمن السياسي الحكومي الجديد يعني عمليا فتح الزمن المالي الجديد(وهنا وجبالتذكير ان المشرع التنظيمي الفرنسي عمد في سنة 2021 على تغيير القانون التنظيمي للمالية من اجل التنصيص على ما يطلق عليه-قانون (مالية )نهاية التدبير -ليربط زمن الاغلاق السياسي بزمن الاغلاق المالي-وبالتالي شرع المشرع الفرنسي ،قانون المالية الأصلي-قانون المالية التعديلي(تغيير الظرفية او تشكيلة حكومية جديدة) -قانون مالية نهاية التدبير(يمكن ان يعمل على تعديل في المداخيل والمصاريف ولكن لا يتضمن إجراءات ضريبية)-قانون التصفية).

– تحدثت وزيرة الاقتصاد والمالية في تقديمها للقانون المالي لسنة 2023،عن مواصلة بناء الدولة الاجتماعية وتعزيز ركائزها من خلال تمويل قائم على تعزيز اليات التضامن،ما هو تعليقكم؟

في البداية وجب التأكيد، ان الوزيرة المسؤولة عن قطاع الاقتصاد والمالية ،أرادت التأكيد على أولوية الأهداف وبعد ذلك تأتي التكاليف الناتجة عن تمويل الأهداف، وبالتالي جاء تصريحها منسجما مع ما تنص عليه المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطن، والتي تؤكد على انه ،لابد من فرض ضريبة عامة من اجل صيانة القوات العمومية وتوفير تكاليف ادراتها ،ويتم فرض هذه الضريبة بشكل متساو على جميع المواطنين بشكل متناسب مع امكانياتهم
وكذلك الفصل 39من الدستور والذي ينص :، على الجميع ان يتحمل على قدر استطاعته التكاليف العمومية ،التي للقانون وحده احداثها وتوزيعها .
وكذلك الفصل 40 من الدستور والذي يؤكد:، على الجميع ان يتحمل التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وبالتالي فان تعزيز الدولة الاجتماعية لا يمكن ان يتم دون اقتطاعات جديدة لتمويل هذا الهدف .
ولكن هذا لا يمنع انه كان بالإمكان كذلك تعزيز استراتيجية مراجعة السياسات العمومية من اجل توفير الموارد من اجل تخصيصها لهدف تمويل الدولة الاجتماعية وكان من الممكن كذلك استعمال استراتيجية حسن الصرف من خلال تحديث نظام المحاسبة العمومية وتحيين والتنزيل الفعلي للمقتضبات المتعلقة بمؤسسة المسؤول عن البرنامج من خلال منحه الاستقلالية الضرورية ،كما انه كان من الممكن كذلك المزيد من الابداع في استراتيجية الابتكار في طرق التمويل، حتى نجنب جيوب المواطنين مزيدا من الإرهاق والمزيد من الاقتطاعات من خلال شرعنة ضرائب جديدة .

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version