18, أكتوبر 2024

بقلم: عبد اللطيف بوجملة

على بعد خطوات من مغرب جديد يرسم المستقبل على محيا نهر ابي رقراق، و يعد بضفتين مغايرتين، تضجان بالمآثر و الأعمال و السياحة البحرية النهرية، و أنشطة شتى، يطل برج محمد السادس، و هو يرخي عنانه للسماء، علة أقدم معلمة حديثة لصنائع المملكة بسلا الرابضة بموقع الولجة الايكولوجي.
و السماء تعج بمقيمها الجديد و هو يتشكل، تهب على مركب الفخار بالولجة رياح ” إعادة الهيكلة”،بما يليق و الوضع الجديد المنظور و الواعد للضفتين.
اعادة الهيكلة تلك ، وفي غياب التواصل و المعلومة الرسمية، كما هي العادة، هي اندثار و ترحيل من موقع استراتيجي و مفتوح إلى مكان أخر، فارض الله واسعة بسلا، لكنها أبدا لن تشبه الولجة، التي كانت توفر كل أسباب تفتق الفخار، طين أسطوري يعود إلى ما قبل الانقراض و صنعة بتقاليدها و رسوخها و مهاراتها و فنها و مدارسها،( قرابة 200 صانع و 40 ورشة منتشرة بالعدوتين ما بين ب 1830/ 1930، حسب الانتربولوجي الامريكي كنيت براون الذي خص سلا بمدونتها الانتربولوجية اليتيمة ” اهل سلا… تقاليد و تطور مدينة مغربية”) ، و زبائن كثر، فكانت حصنا منيعا ضد دوائر الزمن و مكره.
لعل الترحيل ضارة نافعة، بل و بردا و سلاما من نار الريع الذي قضم قضما قرابة 1200 محلا و معملا شكلت النواة الاولى لمركب الفخار في شموله، و الشاهد عليها أحجية عقود الاكرية التي تتأبطها العمالة ، و سلمت بعض منها، كان قد استفاد منها المستهدف الأول من المشروع ، نفر من الصناع التقليديين، تقول الأرقام التي توفرت من وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة و المسموعة و المرئية، إنهم لا يتجاوزون المائتين من الصناع التقليديين. و من شأن ” دك” هذا المشروع ان يكشف عما تم التستر عنه قرابة أربعة عقود.
و هو يحتضر او يستنسخ ، تعم اجواء من التوجس من المستقبل من قبل أنامل صنعت ، و حافظت و صانت صنائع شتى، فخارين و نجارين و قصابين و حدادين ، و تعتبر اليوم موروثا ماديا و لاماديا ، يخترق كل البيوت المغربية و يؤثث روابطها بتقاليدها و أعرافها و فن عيشها، إلى حد أن سلا تعرف بطجينها في المخيلة الشعبية المغربية.
هذا السفير الثقافي للمملكة ، و الذي يجوب البيوت و الآفاق، مقبل على قدر مجهول بسلا، و هو يرمى بعيدا إلى أطراف المدينة القصية، يتوجس الصانع التقليدي(من تبقى يقارب 70 صانعا تقليديا) من ألاعيب الماضي، حيث يترقب بحيرة و يتساءل هل ترى سيبقى المركب في رحيله على حاله؟ و يتداعى السؤال على عواهنه، ترى من سيستفيد؟ و كيف؟ و وفق أي تعاقدات جديدة و المملكة تقطع شوطا حاسما في إعادة الاعتبار لثروتها اللامادية ؟ آم حليمة ستعود لعادتها القديمة، الريع و الزبونية و النفوذ ؟و إن حانت ساعة الرحيل، فإلى أين؟ هل العرجات بجماعة السهول أم جماعة آبي القنادل أم سواها كمرشيش القصية؟
في غياب التواصل و المعلومة الرسمية، لاسيما و ان البرج لا ينتظر أحدا كالريح و هي تعانق السماء، باتت إعادة الهيكلة مسألة وقت و حسب و هو وقت يضيق يوما عن يوم، في صمت غريب تخترقه الإشاعة و الخوف.
و ماذا يريد الصانع التقليدي الذي صمد في هذه الصنعة التي تنطفئ كشمعة؟
” نريد ما يصلح للصانع التقليدي سليل سلا حاضرة الفخار في المغرب و أن يستفيد الجميع من الوضعية الجديدة التي تقبل عليها الضفتين” يصيح الصانع التقليدي الذي ورث الصنعة عن أبيه “م . ا”.
ما يصلح في اعين الصانع التقليدي هو أولا التشبث بموقع قدم في هذا الموقع التاريخي و الاستراتيجي و ان تعم عليه اثار الثورة الاجتماعية الخضراء التي يقودها الملك، دن إقصاء و دون ريع يعود بالنفع على غير المستهدفين من إعادة الهيكلة.
مخاوف الصناع ينبغي تبديدها، و ما من طريق لذلك سوى القليل من التواصل و و السماح للصانع بالولوج إلى المعلومة و سوى الكثير من الشفافية لتحقيق الإرادة الملكية في قطب حضري متطور و منتج و منصف.
عدا بلبلة رياح الرحيل التي حلت دون ميعاد او وعد، يستكين الصانع التقليدي لواقعه، و لرتابة ايامه، بين أثار مدمرة لدخله بسبب الجائحة و بسبب عدم الالتفاتة اليه و دعمه، و بين كلفة الطين التي لا تتوقف على الزيادة و محتكرة ان توفرت محليا كما في السنوات الخوالي، قبل أن تقفل المقالع الاسطورية القديمة نتيجة التمدد الحضري و تهيئة الضفتين.
و اذا لم تسعفه فرصة سانحة بسبب أشغال بناء عارض أو أشغال عمومية أو حفر لاستخراج طين الولجة، الذي تتم المضاربة فيه و احتكاره، فانه مضطر للتوجه للسوق المحلية، حيث يصل سعر الكيلو من طين اسفي درهما و نصف و الا الطين المستورد باهظ الثمن(6 دراهم) .
و من مضاربات الطين إلى مضاربات الانتقال الطاقي لصنعة الفخار ، حيث تنتصب مشكلة الافرنة التقليدية الملوثة، و بالرغم من ان اتفاق شراكة قد تم توقيعه” للتأهيل البيئي لقطاع الفخار بموقع الولجة بسلا” منذ سنة 2015 و بلغ غلافه قرابة 13 مليون درهم( منها 2 مليون درهم كمساهمة للصناع) فان قلة قليلة هي التي استفادت من دعم اتفاق الشراكة( 10 معامل في انتظار انجاز 10 مشاريع اخرى) فان باقي الصناع لم يتمكنوا من الاستفادة من الاتفاق بسبب عدم القدرة على المساهمة ب 20 في المائة من كلفة الافرنة و التي تصل إلى 39 مليون سنتيم للفرن الغازي الملائم لهذه المعامل.
و الجوهري في كل هذه المعضلات ، هو التآكل البشري التي تشهده صنعة الفخار بسبب ابتعاد الشباب . فلم تعد الصنعة مغرية و جاذبة و لا تؤمن مستقبلا مضمونا للشباب . ناهيك عن القطيعة مع توريث المهنة و الذي بات من قيم الماضي التي ولت.
و في غياب التكوين، بما أن لا احد يحوز على تكوين مهني في الصنعة يطلب العملة، فان مستقبل مهنة الفخار بسلا يتهددها الانقراض، لاسيما إن أخذنا في الحسبان مشاكل التسويق و العرض و غياب الزبون و موسمية البيع( من ابريل إلى غشت). و ما ينقد الوضع الحالي هو صمود قلة من تجار الجملة المتشبثين بالاستمرار في تجارة الفخار .

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version