18, أكتوبر 2024

حسن عين الحياة

عندما تم هدم المسرح البلدي بمدينة الدارالبيضاء عام 1984، دون مبرر مقنع، شعر البيضاويون عامة، والمثقفون والفنانون خاصة بالظلم والحيف. ذلك أن دَك هذا المسرح الذي كان يعج بالحياة في قلب العاصمة الاقتصادية، دون تدشين بديل له، ظل بمثابة “الغصة” في حلق الجسم الفني والثقافي البيضاوي. فهذه المعلمة الفنية التي أنشأها المستعمر الفرنسي سنة 1920، لتقريب المتلقي المغربي من مظاهر التحديث الثقافي والحضاري، لم تكن فضاء لعروض الفنون الحية فحسب، وإنما مختبرا تنصهر في داخله مختلف المذاهب والتجارب المسرحية، والتي بفضلها انتعشت الفرق المسرحية وأنجبت عددا من الفنانين، ممن أغنوا “الربيرطوار” الفني بأعمال ما تزال خالدة.
وعلى الرغم من تدشين عدد من المسارح بالمدينة ذاتها، ظل الحنين يشد الفنانين والمثقفين إلى المسرح البلدي الذي كان وقتها معلمة هندسية فريدة، تضفي جمالية على المدينة.
اليوم، وكنوع من رد الاعتبار لسكان “كازابلانكا”، تم تشييد المسرح الكبير للدارالبيضاء بساحة محمد الخامس، غير بعيد عن موقع المسرح البلدي، لكن بمواصفات عالمية، جعلته الأكبر والأجمل على الصعيد القاري.
“المنعطف 24” عادت إلى سنة 2009، تاريخ انبثاق فكرة إنشاء المسرح الكبير، وحاورت رئيس المشروع وقتها، الجمعوي نور الدين عيوش، كما تتبعت التفاصيل الدقيقة المواكبة لعملية بنائه، وأيضا سير الأشغال فيه، إلى غاية اكتماله قبل سنتين.
فما هي مساحة هذا المسرح؟ وما هي كلفته ومن هم مهندسوه؟ وكيف سهر عليه الملك محمد السادس شخصيا، حتى أصبح بالشكل الذي هو عليه اليوم، أيقونة متفردة على الصعيدين، الإفريقي والعام العربي؟.

الملك محمد السادس يهدي بقعة أرضية لإضافتها إلى مساحة المسرح الكبير للدارالبيضاء

يبسط المسرح الكبير للدارالبيضاء جناحيه على مساحة مهمة من ساحة محمد الخامس التاريخية، وينتصب في شموخ المعالم الحضارية الكبرى بقوة تصميمه الهندسي الذي انصهرت فيه خصوصيات المدينة القديمة بتشابك أزقتها والبنايات العصرية ذات التصميم الحضاري الراقي والطلاء الأبيض المميز للعاصمة الاقتصادية. هذه التوليفة المحتفظة بهوية المدينة، جعلت المسرح الكبير للبيضاء الذي يتهيأ لافتتاح أبوابه، صرحا معماريا ومنارة ثقافية تتفرد عن باقي المركبات الثقافية في أفريقيا والعالم العربي.
وبحسب المعطيات التي حصلت عليها “المنعطف” إن الملك محمد السادس سهر شخصيا على تشييد هذه المنارة الثقافية في مدينة الدارالبيضاء حتى تكون قاطرة لتنمية الإنسان وإغناء الفنون الحية، فضلا عن مساهمتها في الإشعاع الفني والثقافي للمدينة. ويتجلى هذا الاهتمام، وفق المعطيات ذاتها، في كون الملك تتبع تفاصيل المشروع منذ انطلاقه كفكرة أولا، ثم خلال مرحلة التنفيذ.
في 2009، سيتلقى نور الدين عيوش، رئيس مؤسسة الفنون الحية، اتصالا هاتفيا من عمدة مدينة الدارالبيضاء وقتها محمد ساجد، يخبره من خلالها أن جماعة الدارالبيضاء تتهيأ لبناء مسرح كبير في المكان الذي كانت تتواجد فيه “النافورة القديمة”. قبل أن يلتمس منه أن يكون رئيسا للمشروع. وقتها قبل عيوش العرض شرط أن يكون عمله مجانيا، لينطلق العمل ضمن طاقم يترأسه. كانت البداية بإجراء مباراة دولية لإنجاز المشروع على أرض الواقع. آنذاك توصلت اللجنة المشرفة على المشروع بالعديد من الطلبات، من فرنسا وهولندا وألمانيا وأمريكا ودول أخرى.
بالموازاة مع ذلك، تقول المعطيات نفسها، إن الملك محمد السادس كان يتتبع التفاصيل الدقيقة للمشروع، فاتصل بنورالدين عيوش، وسأله عن المسرح ومدى تقدم الأشغال فيه، قبل أن يلفت انتباهه إلى أن بجنبات المكان الذي سيشيد فوقه المسرح، هناك منزل يعود لأحد أفراد العائلة الملكية، فرد عيوش بأن الأشغال ما تزال في بدايتها، وبالتالي، لن يتم الاقتراب من المنزل المذكور، غير أن الملك محمد السادس سيفاجئ عيوش بالقول “المسرح أهم من كل شيء. والأمر هنا يتعلق بالثقافة. وأنا أشجع الثقافة…”، فمنح البقعة الأرضية للمنزل المذكور حتى يتم إضافته إلى المساحة التي سيشيد فوقها المسرح.

بسبب المسرح الكبير للدارالبيضاء الملك يأمر ببناء المسرح الكبير للرباط

بالموازاة مع إطلاق مسابقة لاختيار المهندسين المعماريين لبناء المسرح الكبير. تم تشكيل لجنة للبث في الطلبات، وقد ترأسها الوزير السابق مولاي حفيظ العلمي الذي كان وقتها رئيسا للاتحاد العام لمقاولات المغرب. وكانت هذه اللجنة تضم كل من محمد ساجد عمدة مدينة الدارالبيضاء سابقا والراحل الطيب لعلج وزينون ومخرجين مغاربة ضمنهم الزيتوني بوسرحان وآخرين من خارج المملكة. وخلال عملية فرز الطلبات، استقر الأمر على 3 مشاريع مقترحة لتصميم المسرح الكبير. ساعتها بسط رئيس المشروع نور الدين عيوش، أمام الملك محمد السادس، المعطيات التي خرجت بها اللجنة، فشدد الملك على أن ينجز المشروع مهندسان، أجنبي ومغربي. وأن تُعطى لهما نفس الأهمية وأن يتقاضى كل منهما الأجر نفسه. بعدها، وضع الملك الثقة في عيوش لاختيار مشروع من ضمن المشاريع الثلاثة. وبحسب عيوش، فقد تمت العملية في بشفافية، وبحضور موثق ومراقبين من الخارج. بحيث استقر رأي اللجنة على مصمم فرنسي (بورتزمبارك) ومغربي (رشيد الأندلسي). قبل أن يقدم عيوش المشروع المختار للملك محمد السادس.
وكشف عيوش أن الملك محمد السادس لم يرقه المشروع المختار، بحيث أعجب بمشروع آخر للمصممة الشهيرة “زها حديد” (توفيت في 2016)، وعلى الرغم من ذلك، احترم الملك اختيار اللجنة. ويضيف عيوش، بعد أسبوع تمت المناداة عليَّ للقصر، وقيل لي إن مشروع المسرح الكبير الذي أنجزته زها حديد سيتحقق في مدينة الرباط.

تفاصيل دقيقة عن المسرح الكبير للدارالبيضاء

الآن، يبدو المسرح الكبير للدارالبيضاء مكتملا وقابلا للاستقبال مختلف عروض فنون الخشبة. فقد تم تشييده على مساحة خام بلغت 37500 متر مربع، بسواعد 1300 عامل. كما كلف ميزانية ضخمة بلغت مليار درهم و440 مليون درهم، ساهمت فيه وزارة الداخلية (المديرية العامة للجماعات الترابية) بـ480 مليون درهم، وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بـ400 مليون درهم، والميزانية العامة للدولة بـ280 مليون درهم، وجماعة الدار البيضاء بـ180 مليون درهم، والمجلس الإقليمي للدارالبيضاء بـ100 مليون درهم.
وبالرغم من هذه المساهمات، فقد سُجل المشروع باسم “جماعة الدار البيضاء” إلى جانب “الدار البيضاء للتهيئة” كصاحب المشروع المنتدب.
ويضم المسرح الكبير للدارالبيضاء:
ـ قاعة للعروض الفنية تضم 1800 مقعد.
ـ قاعة للعروض المسرحية تضم 600 مقعد.
ـ قاعة للموسيقى الحديثة تتسع لـ300 شخص.
ـ 4 قاعات للاجتماعات.
ـ قاعات صغيرة للتمرين.
ـ موقف سيارات تحت أرضي يتسع لـ173 سيارة بالجهة الشرقية لساحة محمد الخامس. ـ فضاءات تجارية (مقهيان، مطعم رفيع، محل لبيع التحف الفنية).
ـ جناح الفنانين والتقنيين (مخادع، فضاءات تقنية، التخزين … ).

اترك تعليقاً

للإتصال بنا :

مدير النشر : امال المنصوري

amal@24.ma

سكريتير التحرير : احمد العلمي

alami@a24.ma

رئيس التحرير : عبد اللطيف بوجملة

boujemla@a24.ma

Exit mobile version