احتضنت الخزانة السينمائية المغربية بالرباط ، يوم السبت 21 يناير 2017 من التاسعة صباحا إلى الثالثة بعد الزوال ، لقاء دراسيا تواصليا دعت إليه لجنة دعم تنظيم المهرجانات والتظاهرات السينمائية برئاسة الدكتور محمد مصطفى القباج . وقد حضر هذا اللقاء أغلبية مدراء المهرجانات والتظاهرات السينمائية المنظمة في مختلف مدن وجهات المملكة أو من ناب عنهم .
في كلمته التمهيدية رحب الأستاذ القباج بالحاضرين وتحدث عن الغاية المتوخاة من تنظيم هذا اللقاء والمتمثلة أساسا في توضيح المنهجية الجديدة التي اشتغلت بها اللجنة سنة 2016 وستشتغل بها مستقبلا ، وذلك من أجل تحقيق الأهداف المسطرة في القوانين المؤطرة لهذا النوع من الدعم . ولم يفته التذكير ببعض هذه الأهداف من قبيل تعزيز احترافية المهرجانات وضمان استمراريتها ودعم التكامل فيما بينها والتأكيد على ضرورة التخصص على مستوى تيمات الإشتغال ومراعاة التوزيع الجغرافي المتوازن إذ لا يعقل أن تحتضن بعض المدن والجهات عددا كبيرا من المهرجانات والتظاهرات ، المتشابهة أحيانا شكلا ومضمونا ، في حين تشكو مدن وجهات أخرى من الفراغ المهول . ولم يفته كذلك التذكير باستقلالية قرارات اللجنة التي يرأسها وعملها الذؤوب من أجل تحسين أساليب اشتغالها ، كما لم يفته تسجيل جملة ملاحظات على بعض المهرجانات والتظاهرات نذكر منها ما يلي : غياب التوافق بين المهرجانات وتيماتها ، ضعف التغطية الإعلامية والنقص في التواصل والدعاية ، قلة المستفيدين من أنشطتها خارج حفلي الإفتتاح والإختتام ، غياب الضبط والشفافية وعدم احترام الإلتزامات المالية ، عدم السعي إلى تنويع مصادر الدعم والتمويل لتعزيز ميزانياتها … وقبل أن يعطي الكلمة لباقي أعضاء اللجنة أشار الدكتور القباج إلى أن التظاهرات والمهرجانات السينمائية بالمغرب في تزايد مستمر ، في حين أن الغلاف المالي المخصص لدعمها غير كاف ، ولهذا لا تستطيع اللجنة دعم الجميع . وتمنى في الأخير أن تمر مناقشات وحوارات هذا اللقاء الدراسي التواصلي في جو حميمي ومسؤول .
مداخلات كل من الدكتورمولاي إدريس الجعيدي والدكتور فؤاد أبو علي والمخرج سعد الشرايبي جاءت متكاملة فيما بينها ومتضمنة لبعض التفاصيل وألقت مزيدا من الأضواء على ما جاء في كلمة الأستاذ القباج التمهيدية .
قدم الباحث الجعيدي في البداية نظرة شمولية على حصيلة عمل اللجنة من خلال مجموعة من الإحصائيات والمعطيات رصد من خلالها عدد المهرجانات السينمائية (بفئاتها الثلاث) والتظاهرات (غير المصنفة) المستفيدة من دعم اللجنة منذ إحداثها سنة 2013 إلى سنة 2016 وغير المستفيدة منه ، وتوزيعها الجغرافي والمبالغ المالية التي خصصت لها … وخلص إلى أن سنة 2016 لوحدها شهدت تنظيم ما لا يقل عن ثمانين (80) مهرجانا وتظاهرة سينمائية ، قدم 61 منها طلبات للحصول على دعم ، استجابت اللجنة ل(44) طلبا ورفضت (17) . أما الغلاف المالي الإجمالي للدعم الذي وزع في دورتي سنة 2016 فقد بلغ 28630000 درهما .
استفاذ مهرجان مراكش الدولي للفيلم ومهرجان طنجة الوطني للفيلم ، المصنفان وحدهما في فئة (أ) ، ومهرجان طنجة للفيلم القصير المتوسطي ومهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي ، المصنفان في فئة (ب) ، مما يفوق 70 في المائة من هذا المبلغ الإجمالي ، مع العلم أن هذه المهرجانات الأربع من تنظيم الدولة أو تحت إشرافها المباشر . أما باقي التظاهرات والمهرجانات ، المنظمة من طرف جمعيات المجتمع المدني ، وعددها يفوق الأربعين ، فتقاسمت فيما بينها 30 في المائة المتبقية من المبلغ الإجمالي للدعم المخصص لسنة 2016 .
من حيث التيمات لاحظ الأستاذ الجعيدي أن النسبة الكبيرة من المهرجانات والتظاهرات متخصصة في الأفلام القصيرة (40 في المائة) ، وأن 9 فقط من المهرجانات التي تحمل صفة ” دولي ” (وعددها 21) هي التي تستحق بالفعل هذا اللقب . أما المتخصص منها في الأفلام الوثائقية فنسبتها 12 في المائة ، مقابل 20 في المائة تجمع بين الوثائقي والروائي …
من جانبه ركز الدكتور فؤاد أبو علي في تدخله على معايير تقييم ملفات طلب الدعم ، مشيرا إلى أن اللجنة تدعم ولا تمول . ولهذا ينبغي البحث عن شركاء آخرين لتوفير ميزانيات محترمة وكافية لتنظيم المهرجانات والتظاهرات في شروط احترافية مقبولة . وأكد على أن اللجنة تشتغل بمنطق وأن الغاية من هذا اللقاء التواصلي هي التعريف بهذا المنطق ، الذي من مرتكزاته اعتماد العقلنة والحكامة .
فالعقلنة تتجلى معاييرها في التوزيع الجغرافي العادل لأموال الدعم مع إعطاء الأولوية للصحراء والمناطق المهمشة ، وفي التميز التيمي (الخصوصية) والمهنية في الإشتغال … أما الحكامة فتتجلى معاييرها في إعداد تصور كامل مع تحديد الغايات بدقة وإعداد مخطط لآليات التحضير والتصميم والطباعة وحسن اختيار الزمان والمكان المناسبين للحدث وتشكيل فريق عمل متخصص …
وهناك معايير إجرائية تؤخد بعين الإعتبار تدخل في إطارها البرمجة والأنشطة الفنية والفكرية (ندوات ، ورشات تكوينية ..) والبنية التحتية المتوفرة والإشعاع المحلي والتنظيم والتواصل وتشكيلة لجنة التحكيم والشركاء والداعمون إلخ …
المداخلة الثالثة كانت عبارة عن عرض تقني ألقاه المخرج سعد الشرايبي ليسهل المأمورية على منظمي المهرجانات والتظاهرات وأعضاء لجنة الدعم فيما يتعلق بطريقة التواصل ووضع ملفات طلب الدعم وغيرها من الأمور الإدارية التي كانت في السابق تستنزف الوقت والجهد والمال .
الجديد الذي جاءت به هذه المداخلة الثالثة هو اعتماد التواصل الرقمي (عوض التواصل الورقي السابق) عبر نافذة تم استحداثها بالموقع الإلكتروني للمركز السينمائي المغربي (http://www.ccm.ma/soutien-fes tivals-manifestations.php) .
شرح الأستاذ سعد الشرايبي بشكل عملي واضح ومفصل كيفية الإشتغال بهذه الطريقة الجديدة وأجاب على مختلف التساؤلات والإستفسارات ، وأكد على أن العمل بها سينطلق هذه السنة .
بعد هذا العرض الثالث فتح رئيس اللجنة الأستاذ محمد مصطفى القباج باب المناقشة حيث تدخل العديد من مدراء المهرجانات ودافعوا عن تظاهراتهم وعبروا بكل حرية عن آرائهم وملاحظاتهم واقتراحاتهم حول ما جاء في مداخلات المنصة ، مع تعبير المتضررين من قرارات اللجنة برسم السنة الماضية ، لحظة أخدهم الكلمة ، عن احتجاجاتهم وعدم استيعابهم للمعايير التي اعتمدت عليها لإقصائهم من الدعم (مهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية بالدار البيضاء نموذجا) أو تقليص حجمه رغم تطورهم وتحقيقهم لإشعاع كبير واحترافية ملحوظة (مهرجان أروبا الشرق للفيلم الوثائقي بطنجة نموذجا) . وفي ردودهم أجاب أعضاء اللجنة المتدخلون في هذا اليوم التواصلي عن بعض التساؤلات والملاحظات وتفهموا ردود الفعل القوية أحيانا للمتضررين الذين راسلوا الجهات الوصية على هذا الدعم محتجين على قرارات هذه اللجنة الجديدة في سنتها الأولى .
بالإضافة إلى ما سبق ، يمكن إجمال خلاصات النقاش الإيجابي والصريح والمسؤول ، الذي تميز به اللقاء الدراسي التواصلي حول المهرجانات والتظاهرات السينمائية بالمغرب ، في التوصيات التالية :
أولا، ضرورة إعادة النظر في مضامين النصوص المؤطرة قانونيا لعملية الدعم مع تبسيط المساطير والإسراع من طرف وزارة المالية في الإفراج عن شطري الدعم في آجالها المحددة قانونيا ، تفاديا للإحراج الذي توضع فيه إدارات المهرجانات والتظاهرات كل سنة بسبب تأخر توصلها بحصصها من الدعم في الوقت المناسب .
ثانيا، إجماع جل المتدخلين على ضرورة تكفل الدولة بتمويل مهرجاناتها الأربعة ، المشار إليها أعلاه ، من ميزانيات وزارات الداخلية والإتصال والسياحة والخارجية وغيرها ، لأنها تستنزف حصة الأسد من المبلغ المخصص للدعم على حساب باقي المهرجانات والتظاهرات . وفي انتظار تحقق ذلك يرجى من اللجنة الموقرة أن تقلص تدريجيا على الأقل من الغلاف المالي الذي تخصصه لتلك المهرجانات ، وذلك لفائدة باقي المهرجانات والتظاهرات وخصوصا الصغرى منها .
ثالثا، العمل على تطوير الموقع الإلكتروني للمركز السينمائي المغربي وإحداث نوافذ به تعرف بالمهرجانات وتوثق لأنشطتها ، وجعله بمثابة بنك للمعلومات والمعطيات المختلفة التي تخص المغرب السينمائي .
رابعا، ضرورة ترسيخ تنظيم هذا اللقاء التواصلي في بداية كل سنة للحوار والنقاش والتشاور بين منظمي المهرجانات والتظاهرات السينمائية واللجنة المكلفة بالدعم ، خدمة للسينما وثقافتها ببلادنا .
خامسا، المعاينة الميدانية من طرف أعضاء لجنة الدعم مسألة مهمة في تقييم عمل المهرجانات والتظاهرات ، ولهذا ينبغي أن تعطاها العناية الكافية لتتم في ظروف مناسبة توخيا للنزاهة والموضوعية في التصنيف وتحديد مبالغ الدعم أو إلغائه في حالات الإخلال بالإلتزامات .
من الرباط : أحمد سيجلماسي